"الديمقراطيون" الأميركيون والانسحاب من العراق

 

د. عبدالله جمعة الحاج

 

في يوم الخميس الموافق 22 يونيو 2006 قام مجلس "الشيوخ" الأميركي الذي تسيطر عليه أغلبية "جمهورية"، برفض مشروعي قانونين مقدمين من قبل "الديمقراطيين" لسحب القوات الأميركية من العراق بحلول يوليو 2007. وقد تم الرفض بأغلبية ساحقة كان فيها عدد أصوات الرافضين 86 صوتاً في مقابل أصوات المؤيدين التي بلغت 13 صوتاً فقط. وكان أحد المشروعين قد تقدم به السيناتور "جون كيري" والآخر من قبل "جون مارثا". لقد اعتمد "كيري" في مشروعه على أن الانسحاب عسكرياً من العراق يعد أمراً ضرورياً للولايات المتحدة، لكي تحقق نجاحاً ضد الإرهاب، في نفس الوقت الذي يرى فيه "الجمهوريون" خياراً غير متاح واستسلاماً للعدو دون قيد أو شرط.

وبرغم مناداة العديد من الأصوات الشعبية في الولايات المتحدة بالانسحاب، إلا أنه في الوسط السياسي باتت مناداة "الديمقراطيين" بانسحاب عسكري سريع من العراق بمثابة خطأ سياسي واستراتيجي من شأنه أن يعرض الأمن القومي للولايات المتحدة للخطر. وقد ظهرت العديد من التحليلات والتصريحات التي أدلى بها استراتيجيون حزبيون، ومحللون للسياسات العسكرية ومستشارون سياسيون البعض منهم "ديمقراطيون"، مفادها أنه ليس من الحكمة في شيء الانسحاب السريع من العراق أو حتى وضع جدول زمني محدد قصير الأمد للقيام بذلك، لأن من شأنه منح العدو فرصة لتصوير الأمر وكأن الولايات المتحدة قد هزمت.

لقد بدأ مناوئو الوجود الأميركي في العراق حملتهم السياسية في أروقة الكونجرس عبر سلسلة من عمليات التصويت على مشاريع تنادي بالانسحاب، وقد ظهرت نتيجة لذلك حملات مضادة قام بها الصقور "الجمهوريون" سواء كانوا من أعضاء مجلس الشيوخ أو من مستشاري الحزب "الجمهوري" العسكريين والسياسيين. إن هؤلاء المعارضين يحذرون بشدة من أن انسحاباً سريعاً كالذي ينادي به "الديمقراطيون"، من شأنه أن يوجه رسالة خاطئة إلى الشعب الأميركي، بأن حكومتهم وحزبيهم الرئيسيين غير ملتزمين تجاه الشعب العراقي والحكومة العراقية الجديدة. وفيما يبدو فإن "الديمقراطيين" يتصارعون فيما بينهم حول هذه المسألة، وهم مختلفون حول السياسة التي يجب على حزبهم انتهاجها بشأن العراق، لذلك فإن انتقادات لاذعة وجهت إلى العديد من سياسيي الحزب "الديمقراطي" من قبل محللين سياسيين مرموقين في كافة أنحاء الولايات المتحدة.

ومن ناحية استراتيجية وسياسية بعيدة المدى بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين في المنطقة، يعد انسحاب عسكري سريع من العراق بمثابة الكارثة التي تفتح أبواب الصراع الإقليمي في الخليج والمنطقة العربية برمتها على مصراعيها. فعلى ضوء سعي العديد من دول المنطقة إلى التسلح السريع على كافة الصعد بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، وعلى ضوء ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما يجري على الساحة اللبنانية والقرن الإفريقي وغرب السودان، يعد الانسحاب العسكري السريع من العراق، وهو لا يزال يعاني من كافة أنواع الدمار والفوضى وعدم الاستقرار السياسي والانكشاف التام، بمثابة ضربة قاصمة لكافة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بما في ذلك إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي.

لذلك فإن نداءات وتمنيات المراهنين على انسحاب الولايات المتحدة السريع من العراق، يتوقع لها أن تذهب سدىً. فعلى ضوء عدم تحقيق الأمن والديمقراطية والاستقرار السياسي فيه، وعلى ضوء ما يصرح به المسؤولون العسكريون الأميركيون، بأن جيران العراق ضالعون في ما يحدث فيه من عنف وعدم استقرار بتدخلهم العسكري غير المباشر، وعلى ضوء أسعار النفط المرتفعة، وما يحدث بالنسبة للملف النووي الإيراني، وما يحدث في أفغانستان من عودة ناشطة لتنظيم "طالبان" مسنود بفلول "القاعدة"، فإن انسحاب الولايات المتحدة من العراق على المدى المنظور غير وارد، وقد يمتد وجوده العسكري المكثف فيه لسنوات قادمة قد تصل إلى خمس أو تزيد، حتى وإنْ سحبت بعض الوحدات لضرورات سياسية وانتخابية داخلية تخص الولايات المتحدة دون غيرها.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- 2-7-2006