مقالات و محاضرات

 

 

رؤية إسلامية جديدة لمخاطبة الغرب

 

رشيد خشانة

 

تزامن اجتماع القمة الأوروبي – الأميركي الأخير في فيينا مع اجتماع وزراء خارجية البلدان الإسلامية في عاصمة أذربيجان باكو من دون تخطيط مُسبق. وأتى الاجتماع الثاني لتكريس رؤية جديدة في التعاطي مع التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، فهو لم يندفع إلى نقد المواقف الغربية وكيل التهم للطرف المقابل من دون حجة، وإنما توخى منهجا جديدا يبدأ بتصحيح الأوضاع الداخلية ثم الانتقال لمطالبة الآخرين بوضع خطط لمكافحة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا) وتغيير الصورة النمطية السلبية عن العالم الإسلامي، خصوصا في وسائل الإعلام. وفي هذا السياق لوحظ في الوثائق التي اعتمدها المؤتمر، وأهمها «إعلان باكو»، تشديد على ضرورة دفع الإصلاحات في البلدان الإسلامية إن في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو في مجال ترسيخ الديموقراطية وتحقيق الشفافية وتعزيز دور المجتمع المدني، واعتبارها ركنا مهما لحماية التنوع الثقافي والديني والعرقي ومصدرا للإثراء المتبادل والحوار بين الأديان والحضارات.

وإزاء تنامي ظاهرة كراهية الإسلام في عدد كبير من البلدان الغربية اتخذ المؤتمر مبادرة تخص إنشاء مرصد يرمي لمتابعة تجليات هذه الظاهرة. وكان الاتحاد الأوروبي شكل مرصدا لدرس «تجليات العنصرية وكراهية الآخر ومعاداة السامية» وبخاصة في وسائل الإعلام، وأقام المرصد في أيار (مايو) الماضي لقاء بين إعلاميين عرب وأوروبيين في مقره في فيينا، لكن الجانب العربي انتقد انحياز المرصد الى الأجندة الأوروبية وقلة حرصه على البحث عن قواسم مشتركة تخص ترسيخ قيم التسامح والتضامن والحوار بين الحضارات. أما منظمة المؤتمر الإسلامي فسعت لربط الاتصال بين مؤسساتها وأجهزة الاتحاد الأوروبي من أجل التنسيق في إعداد برامج التعليم الثانوي المتعلقة بالإسلام، مع الاهتمام بالدور الحيوي لوسائل الإعلام في هذا المجال، وبخاصة في أوساط الشباب. والمهم أن هناك خطوة عملية في هذا الاتجاه تتمثل بمؤتمر ستقيمه منظمة المؤتمر الإسلامي في أذربيجان يُخصص لدراسة دور وسائل الإعلام في تعزيز التسامح والتفاهم المتبادل بين الأمم والحضارات، واستطرادا تجسير ما يسميه البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي «الفجوة» بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، التي عزاها إلى «تفاوت مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين العالمين». وإذا استمرت هذه الذهنية الجديدة يمكن أن يشكل المؤتمر انطلاقة لتوسيع دائرة الاتصالات والحوارات مع النُخب الغربية لتحقيق نوع من الانسجام والتوازن في التعاطي مع الحرية والحقوق والهوية الثقافية والدينية.

إلا أن الاهتمام ببلورة هذا المنهج لم يُغيَب قضايا الساعة الساخنة من مداولات مؤتمر باكو، فللمرة الأولى صيغ موقف إسلامي موحد من النزاع الإيراني – الغربي وتوجهت سبع وخمسون دولة إسلامية بخطاب مشترك إلى أوروبا وأميركا في رد غير مباشر على قمة فيينا الأخيرة. وشكل التمسك بحق البلدان الإسلامية في إجراء البحوث وإنتاج الطاقة النووية واستخدامها للأغراض السلمية حجر الزاوية في الموقف الذي تبلور في مؤتمر باكو. وعلى هذا الأساس اعتُبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية السلطة الوحيدة ذات الصلاحية للتحقق من مدى التزام الدول الأعضاء فيها بالضمانات المتصلة بتطوير الطاقة النووية، فيما رُفضت جميع الشروط المسبقة لاستئناف المفاوضات بين إيران والوكالة. لا بل دُعيت البلدان الغربية الى المشاركة في معاودة الحوار وتسهيل عمل الوكالة، بما يعني استبعاد أي دور لمجلس الأمن في حل الأزمة ورفض منطق فرض عقوبات على إيران. بالمقابل شدد إعلان باكو على ضرورة إخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية للرقابة الدولية وانضمام الدولة العبرية إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي.

ويمكن اعتبار هذه الرؤية الموحدة مقدمة لتكريس مشاركة أكبر للعالم الإسلامي في الشؤون الدولية ومجابهة الحملة الرامية لربط الإرهاب بالإسلام، على نحو يعكس وزن بليون و300 مليون مسلم في العالم مازالوا يُعتبرون قوة غير ممثلة في القرار الدولي. وربما تشكل الدول الإسلامية الكبرى الثماني التي عقدت قمتها السنوية الأخيرة في ماليزيا قاطرة لهذا التجمع الذي مازال في صدد التشكل.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الحياة اللندنية-29-6-2006