العراق: أليس من استراتيجية عربية تجاهه..؟
جابر حبيب جابر
اللافت، وبطريقة عصية على القبول لكنها ليست على الفهم، ان ما يجري في العراق من تطورات وأحداث وتحولات، سواء بآفاقها الايجابية أو بممكنات انحداراتها الكارثية، لا يستثير ولا يستفز أو ربما يسترعي اهتمام الاطار العربي، حتى كأن ذلك يجري في مكان قصي عن العالم العربي، في حين أن العالم برمته ينشغل به، لدرجة ان القوة العظمى الوحيدة في عالم أحادي القطب اعتبرته ينعكس على الأمن العالمي والجبهة الاولى لمقاتلة مستهدفيه، بينما الأوروبيون يرون انهم الاقرب من أميركا للاهتزازات التي ستأتي من هذا البلد، اذ ان قارتهم لن تسلم من موجات الفكر والفعل المتطرف، ولا من الهجرات التي ستتدفق حاملة إشكالاتها هروبا من التأزمات المتوقعة. لا أريد أن أتحدث عن الأبعد من هذه المخاطر، من انزلاق البلد الى حرب أهلية وتصفيات وعزل طائفي، مع سأم المواطن الذي سيبحث عن الأمن والاستقرار، وعندذاك لن يهمه ان كان يضمنه له عراق موحد أو مقسم، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على البنية الاقليمية عندما تصحبه بالقطع صراعات نفوذ لجوار طامح، وأقرب هذه المخاطر التي لا تحتاج الى حصافة او الى استشراف نظر لإدراكها، ان العراق حل محل افغانستان كمكان وقاعدة لتدريب الجيل الجديد من «المقاومين»، حيث مثل ساحة جاذبة للتجنيد مع ظروف مثالية لتطوير وتحسين مهارات المقاتلين، والذين سيعود المتبقون منهم بالخبرات التي اكتسبوها عندما تضيق عليهم الملاذات الآمنة المتوفرة بالعراق بسبب من حالة الفوضى، حيث ان هذه المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة والرخوة أمنيا غالبيتها تتصل بامتدادات جغرافية مفتوحة وبلا فواصل مع الجوار العربي. أما التطورات الايجابية في العراق، والتي تقع في الجانب السياسي، باكتمال جدول الانتقالات السياسية بمجيء حكومة وحدة وطنية ممثلة للجميع، مرتكزة على برلمان، لم تغب عنه أو تضعف من شرعيته اي من المكونات العراقية مع احتوائه لتمثيل واسع ضم الغالبية المطلقة للطيف السياسي العراقي، والذي جاء نتيجة انتخابات اشترك بها 70% من الشعب، مؤسسة على دستور دائم حظي بالموافقة باستفتاء صادقت عليه الاغلبية ولم ترفضه حتى الاقلية التي زودت بفيتو لرفضه. ان فرصة حكومة الوحدة الوطنية تستدعي من الاطار العربي تجاوز سلبيته، أو على الأقل حياديته، في التعاطي مع المشهد العراقي. فهي تمتلك كل مقومات النجاح فيما لو وجدت المساندة، وربما تكون آخر فرصة لعراق موحد فيما لو فشلت. من هنا، وجب على الاطار العربي ألا يكتفي بالتفرج أو اللوم أو انتقاد الاطراف الاقليمية غير العربية على اتساع النفوذ في الوضع العراقي، والذي يعود لغياب الدور العربي في جزء منه، فيما يعود وبجزئه الآخر الى ان الجوار الايراني، وبرغم تحفظاته على التغيير في العراق وتخوفه من انه ربما سيكون الساحة الثانية التي يراد فيها تكرار النموذج، الا ان هذا لم يمنعه من الاستثمار في العملية السياسية عبر الدعم الواضح والتأييد المبكر لها. وإذا كان البعض يرجع ذلك للتماثل المذهبي مع المكون الشيعي في العراق، ولكون قوى سياسية هامة تحتفظ بعلاقات إيجابية مع إيران تعود لسنين المنفى، فإن هذه الحجة تقوم على الاطار العربي ايضا، اذ ان شيعة العراق هم عرب اولا، وبالتالي يجدون امتدادهم الثقافي والمصلحي مع محيطهم العربي، فضلا عن ان دولة اقليمية مهمة مثل سوريا تحتفظ بعلاقات احتضان ودعم طويل للجزء الآخر من المعارضة، والتي هي الاقوى في المشهد السياسي العراقي. ويكفي للتدليل على ذلك، ان رئيس الدولة احتضن هو وحزبه من سوريا، وكان يحمل وثائق سفرها، وكذلك رئيس الوزراء الحالي عاش طيلة سنين معارضته هو وأغلب كوادر حزبه في سوريا، أليس هذا مدعاة لأن تستثمره سوريا وان تكون في الكفة السياسية في المشهد العراقي. الموقف الاهم في المنظومة العربية يجب ان يكون لدول الخليج، والتي يقع عليها عبء المبادأة في التحول الجدي تجاه العراق، كون مركز الثقل السياسي العربي تحول اليها، وكونها الاقرب للعراق بسرائه وضرائه باعتبارها الاقرب لشظايا اضطراباته. ثم اذا كان البعض من العرب وقف موقفا سلبيا من التحولات في العراق، خشية من الوجود الأميركي فيه، باعتباره سيهدد أنظمتهم، فإن ذلك لا يسري على دول الخليج لكونها تحتفظ بعلاقات إيجابية مع الأميركان. أضف الى ذلك، أننا وإذا سلمنا بأن هناك نوايا تغيير يقسمها البعض الى ضغوط ناعمة وأخرى خشنة، الاولى من أجل الحث على الإصلاح، والثانية عبر التغيير القسري، فإن حصة دول الخليج تأتي مع الضغوط الناعمة، لكون تجاربها أثبتت بأنها الأنجح في الوطن العربي، ومجتمعاتها تعيش نوعا مقبولا من السلام الاجتماعي، ولا تعاني قطيعة حادة بين الانظمة وشعوبها تستدعي التغيير العنفي، والذي سيكون بديله قوى أصولية متشددة، وهذا ما استدعى خطوات اصلاحية بدأت بشكل محسوب، ثم ان دول الخليج قايضت الديمقراطية بالرفاه. لذلك، فإن الآوان آن لاستراتيجية عربية مغايرة تجاه العراق تقوم على أساس حضور سياسي فاعل في الشأن العراقي، مع دعم لحكومة الوحدة الوطنية والمساعدة في مد للجسور بين المكونات العراقية، خصوصاً السنة والشيعة، وأيضا بين القوى السياسية، خصوصاً ان كل القوى الفاعلة في المشهد «المقاوم» أو السياسي أو الديني لها امتدادات خارجية تستطيع ان تضبطها بالتهديد بالتحول عنها عبر حبس الدعم أو تغيير التأييد، ومن خلال التعامل بجدية مع قضايا الديون وإرفاقها ببرنامج مساعدة يشمل الجميع، مع التعامل الجدي والصارم مع قضية ضبط الحدود والسيطرة على المنابر الدينية الباعثة على ثقافة التكفير والحاثة على العنف، وكذلك مع المنابر الاعلامية وشبكات التثقيف والتجنيد ومراكز التمويل، اذ لا يعقل أن يفجر ألف انتحاري عربي انفسهم في العراق، وفقا لصحيفة «الاندبندنت» البريطانية، من دون أن تتم مساءلة عوائلهم أو من حرضهم. ومن هنا، وبمثل هذه المواقف المرجوة، لن يخدم العرب مصالح الولايات المتحدة او قوات التحالف، وفقا للتفكير السائد، وإنما سيصبحون عنصرا حيويا في جلب الاستقرار والأمن لمنطقتهم، بما فيها العراق بالطبع. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-25-6-2006
|