هل تلعبها إيران صح؟
محمد الصياد
الحكمة تقتضي القبول بالعرض الدولي السخي والتفاوض على تفاصيله، لأن ذلك من شأنه أن يكسب إيران امتيازات لن تتوفر لها في الظروف العادية بهذه السهولة إبان فترة حكم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي التي استمرت ثماني سنوات ابتداء من عام ،1996 وخاصة في ولايته الأولى، كان بالإمكان سماع وجهات نظر موضوعية محايدة من جانب المحللين والكتاب الإيرانيين الذين كانت تستضيفهم أجهزة الإعلام المختلفة لأخذ آرائهم حول أي شأن من الشؤون الإيرانية. إلا أن الهجوم المضاد الذي شنته القوى المحافظة التي تمترست حول جهاز القضاء حول مجلس صيانة الدستور وحول مجلس تشخيص مصلحة النظام وحول ولاية الفقيه (وكلها مؤسسات غير منتخبة) ضد القوى الإصلاحية، والتي أسفرت عن إغلاق كافة الصحف والمجلات الاصلاحية والزج برموز الإصلاح، مهما علا شأنهم (حتى وان تقلدوا كرسي الوزارة) في السجون قد أدى الى خلق حالة من قحط التحليلات الرصينة الصادرة من صوب العاصمة الإيرانية. فقد نجحت بامتياز حملة التطهير في أوساط المفكرين والمثقفين والكتاب. نستدل على ذلك من الوجوه التي تطل علينا اليوم عبر أجهزة الإعلام المختلفة التي تردد بالضبط ما يقوله المسؤولون الإيرانيون وما يستخدمونه من تعابير مفعمة بالتحدي وبالثقة المفرطة بالنفس وبقدرة إيران على إخضاع الغرب وبقية العالم وتسليمهما بطموحات إيران النووية السلمية، والعسكرية ضمنا، وهو ما لا يعكس الصورة الحقيقية للوضع القائم ولطبيعة موازين القوى التي تتحرك الدبلوماسية الايرانية في فلكها ولو كرهت وخشنت كلمات خطابها الإعلامي الموجهة مهامه مباشرة نحو بعض مناطق التغاير في مواقف عواصم القرار الدولي، والى جماهير العوام (الدهماء) التي ليس من الصعب مقايضة عوزها بوهم المجد والعظمة. وعلى هذا تكثر التصريحات والأحاديث الرغائبية المشددة على انتصار السياسة والدبلوماسية الايرانية، وتشح القراءات والتحليلات العميقة والموضوعية التي تزن الأمور كما هي أثقالها، حتى ليكاد المشهد الإيراني برمته يعيد انتاج المشهد المماثل الذي كان عليه العراق بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية في عام ،1989 أي قبل نحو سنة من الغزو العراقي لدولة الكويت في 2 أغسطس/ آب 1990. يومها كان نظام صدام حسين مزهوا بما اعتبره نصرا في حربه ضد ايران وهو الذي لم يعدم وسيلة إلا ولجأ إليها من أجل إقناع إيران بالقبول بقرار الأمم المتحدة الخاص بوقف الحرب. وظل صدام حسين يتبجح بقدراته العسكرية قبل ان “يبط البرمة” كما يقول المثل الخليجي ويعترف على رؤوس الأشهاد بحيازته لأسلحة الدمار الشامل ومن بعد يغزو الكويت راكباً وهم العظمة وهو القادم من قيعان التخلف العشائري، فإذا به يتمرغ في الوحل، وليته كان وحده وإنما جر معه للأسف الشديد بلاد الرافدين وشعبها. والملاحظ أن العنصر الدعائي والتعبوي الايراني الرامي الى النفخ في الروح القومية واستنهاض العصبيات المحشوة بمشاعر العزة والكرامة، يحتل حيزا كبيرا في خطاب التحدي الذي يغلف تكتيكات القيادة الإيرانية في إدارتها للأزمة. فما ان ينتهي الرئيس نجاد من افراغ شحنة إعلامية عالية التوتر حتى يتبعها بأخرى أشد وقعاً فور خمود وهج سابقتها في أجهزة الإعلام الايرانية وبعض الميديا الغربية التي تحرص على إبرازها لغايات بعضها بريء وبعضها الآخر ليس كذلك. هذا ما حصل على سبيل المثال لا الحصر مع رسالة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد التي بعثها الى الرئيس الأمريكي جورج بوش والتي انطوت على مواعظ أخلاقية أكثر مما احتوته من مواقف سياسية. ففي حين هلل لها الإعلام الحكومي الايراني وتلقفها واستقبلها بعض الإعلام الحماسي في منطقتنا العربية، فإنها لم تلق ذات الاهتمام من جانب النخب داخل إيران، بل إن مرشد الجمهورية لم يعلق عليها بالإيجاب إلا بعد مرور نحو أسبوعين على نشرها. لتأتي المبادرة الأمريكية المتضمنة استعداداً أمريكياً للانضمام الى المجموعة الدولية التي تضم فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين والتي تفاوض الايرانيين على وقف تخصيب اليورانيوم لتسرق الأضواء من الحملة الاعلامية الدعائية لمجموعة المتشددين الجدد في طهران. وبهذا المعنى فليس أمام طهران متسع من الوقت للمماطلة في دراسة وتقييم الوضع في ضوء هذه المبادرة السداسية، المنطوية على جزرة ظاهرة وعصا متوارية، وإنما الاسراع في وزن الأمور بميزان السياسة وممكناتها التي تتيحها موازين القوى الجارية لا بموازين التحذلق والفذلكات الاعلامية الصاخبة. والحكمة تقتضي هاهنا القبول بالعرض الدولي السخي والتفاوض على تفاصيله، لأن ذلك من شأنه أن يكسب إيران امتيازات لن تتوفر لها في الظروف العادية بهذه السهولة، ويعطي متنفساً جديداً للنظام للاستمرار في تقديم نفسه للشعب الإيراني باعتباره المقاربة الأكثر مثالية وملاءمة للحكم. كما أن من شأنه ايضاً ان يعزز عملياً فرص ومطالب تجريد المنطقة من اسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووي “الإسرائيلي”. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الخليج الإماراتية-19-6-2006
|