مقالات و محاضرات

 

 

الفساد السياسي والإداري والنفطي يشل البصرة

 

ترجمة مرتضى صلاح

 

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن البصرة التي كانت من أكثر المحافظات هدوءا منذ نهاية حرب 2003 قد تحولت الى محافظة تسيطر عليها ميليشيات الإحزاب نظرا لثروتها النفطية الوطنية الكبرى التي تغذي الدولة بوارداتها الضخمة، وقد تحولت الجهود السياسية لتهدئة الأمور فيها الى عملية يكتنفها الكثير من إراقة الدماء .

ونقلت الصحيفة في عددها الصادر يوم الأثنين الماضي عن الجنرال جيمس إيفرارد  قائد القوات البريطانية في البصرة بان الوضع السياسي في البصرة تحول الى مايشبه العصيدة السياسية، حيث لم يتغير فيها شيء بينما تتحرك المناورات السياسية بأساليب تذكر بتلك التي تستخدمها عصابات المافيا .

وأشارت الصحيفة الى أن التقارير الأمنية اليومية تتشابه في محتوياتها منذ خمسة شهور، مثل مقتل ثمانية عمال من شركات النفط والعثور على 20 مخبأ للصواريخ الروسية بالإضافة الى ركيزة لإطلاق الصواريخ في مؤخرة سيارة إسعاف والعثور على شاحنة نفط مسروق متوقفة عند مبنى جرى تحويره ليكون مسجداً ووقوع حوادث إطلاق نار بين ميليشيات الأحزاب وقوات الشرطة.وقالت الصحيفة نقلا عن مسؤولين في المحافظة أن عدد القتلى الذي سجل في المحافظة في شهر مايس الماضي بلغ 85 ضحية وبما يعادل ثلاثة أضعاف ضحايا شهر كانون الثاني الماضي وتحولت المدينة الهادئة الى مدينة مثقلة برعب المواطنين من الميليشيات والخراب الذي يحيط بصناعتها النفطية.وأضافت الصحيفة أن احد الأساتذة الجامعيين امتنع عن إعطاء تصريح صحفي صريح معللا ذلك بكونه غير منتم الى حزب معين ولايتمتع بالحماية من ميليشيا تكفل له حرية الحديث.وتمضي الصحيفة فتشير الى إن قصة البصرة مع الوضع الحالي تبدأ مع مسار الحرب الأخيرة التي بدأت عام 2003 فيها لإسقاط نظام صدام وكانت اول محافظة تحتك بالغزو لتنتهي الحرب فيها قبل بقية المحافظات . وفي الوقت الذي كانت بغداد تواجه الأيام الأخيرة للحرب تركت البصرة بلا سيطرة لفترة من الزمن . وبعد تحول بغداد الى مدينة تقاتل الحركات الإرهابية في الوسط والغرب أصبحت البصرة منفردة في محاولة تدبير أمورها السياسية والإقتصادية بدون تدخل العاصمة فيها فواجهت الفراغ الإداري الذي خلقه سقوط حكومة صدام وتحولت الدوائر الرسمية فيها الى غرف خالية إلا من أوراق قليلة وأثاث محطم أو منهوب.

وتصف الصحيفة بداية تجول الميليشيات في شوارع ومؤسسات المحافظة بعيد سقوط صدام بصورة بدائية تمثل كل فئة منها حزبا صغيرا أو حديث التكوين لايستطيع مواجهة المواقف الكبيرة المحيطة بالبلاد في حين تغرق البصرة وسط بحيرة نفطية كبرى، وشرعت بعض الميليشيات تسير دوريات لمحاسبة السلوك العام في الشارع والجامعة لتنتقل بعد ذلك الى مواقع السلطة وشبكة نقل الثروة النفطية في المحافظة.

وتمضي الصحيفة في القول بأن رئيس الوزراء نوري المالكي يواجه موقفا صعبا لكون عناصر المشكلة من داخل المدينة لا خارجها ، وقد واجهت تهديده بإستخدام القبضة الحديدية ضدهم بتفجير مفخخ راح ضحيته 27 مواطنا في سوق شعبي بعد أيام من زيارته للمحافظة.

وتقول الصحيفة أن الصراع في البصرة هو صراع بين أطراف القوة فيها للسيطرة على السلطة .وتنقل الصحيفة عن عقيل طالب العضو القيادي في حزب الفضيلة الذي ينتمي إليه محافظ البصرة بأن احد اوجه الخلاف بين الأحزاب هو موضوع الفدرالية . ويقول طالب ان حزب الفضيلة يريد حصر الفدرالية بمحافظة البصرة فقط بدون الجنوب وهو يختلف في هذا مع الأحزاب الإسلامية الأخرى ( الدعوة والمجلس الأعلى).

وتنقل الصحيفة عن أحد المتخصصين السياسيين في بغداد قوله: ليس الصراع بين الأحزاب في البصرة صراع منطق بل هو صراع يعتمد على السلاح .

 وسجلت الصحيفةخلال أربعة أيام من الأسبوع الأول من شهر مايس الماضي مقتل عضوين في إدارة شركة نفط البصرة التي يصفها البعض بانها خزينة البلد المالية.

ويتهم مسؤولون في بغداد الأحزاب في البصرة بتورطها بدور كبير في السرقات في واردات المحافظة . وتنقل الصحيفة عن موفق الربيعي مستشار الأمن الوطني قوله أن الفرق بين سجل التصدير الرسمي وسجل التصدير الفعلي اليومي للنفط هو 6000 برميل نفط لتذهب قيمتها الى جيوب أمراء الحرب و الميليشيات والعصابات المنظمة والأحزاب السياسية . أما وضع الشرطة فيقول ضباط الشرطة العسكرية البريطانية أن غالبية عناصر الشرطة هم من ميليشيات الأحزاب السياسية في المحافظة ولايستطيع مدير الشرطة رفض تعيينهم بسبب ضغوط الأحزاب عليه ، وينطبق هذا الوضع على جميع أفواج الحراسة وحماية المنشآت النفطية في المحافظة، ناهيك عن الفساد في مراكز مكافحة الجرائم الكبرى.

وتصف الصحيفة الإدارة في المحافظة بأنها مشلولة ولايمكنها فرض القانون على منفذي الجرائم الغامضة لوجود ضغوط سياسية تتم عبر الهاتف وتمنع تنفيذ العقوبات والتحقيقات ، ويؤيد هذا الجنرال إيفرارد القائد البريطاني في المحافظة وذكر مثالا بشأن تعطيل المحافظ لقرار عزل مدير شرطة في المحافظة لنفس الأسباب . ويقول القائد البريطاني ان الأحزاب نفسها تتهم بعضها البعض بالعمالة لإيران في سياق خلافاتها المستمرة ويقول بان قواته تقبض يوميا على 190 متسللا إيرانيا يأتون عبر الحدود.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: جريدة الصباح نقلاً عن نيويورك تايمز-29-6-2006