مقالات و محاضرات

 

 

حقائق جلية تُبدد الخوف في المسألة العراقية

 

ديفيد بروكس

 

بلغت الحرب في العراق عامها الثالث ومازلت لا أفقه في الأمور العسكرية كثيراً. ولكن لحسن الحظ أنني وجدت أشخاصاً خبراء في المسائل العسكرية، حيث أنشأتُ ما يشبه "مجلس حرب" خاصاً بي يضم ما بين 20 و30 شخصاً ممن أثبتت الأحداث وجاهة أحكامهم وسداد آرائهم، وممن يبنون تحاليلهم على المعلومات المستقاة من المصدر والمعروفين بحيادهم.

الحقيقة أن جميع أعضاء مجلسي أضحوا أكثر تشاؤماً خلال العام الماضي. فبعضهم يرى أن نسبة احتمال النجاح تفوق 50 في المئة، في حين يرى آخرون أنها دون ذلك بكثير. لكن لا أحد منهم يعتبر أنه حان وقت الإقرار بالهزيمة والانسحاب. ويرتكز إيمانهم بأن احتمال النجاح لازال قائماً على بضع حقائق رئيسية. أولها أن معنويات القوات الأميركية ما زالت مرتفعة، حيث قال الجنرال المتقاعد "باري ماكافري" عقب زيارته الأخيرة إلى العراق "في كل مناسبة تجمعني بالقوات الأميركية، أبحث عن الضعف، فأجد الشجاعة، والإيمان في المهمة، وثقة كبيرة في رؤسائهم وزملائهم".

ثانياً: تقوم القوات العراقية بمهامها بكفاءة متزايدة. فإذا كانت أول محاولة لتدريب القوات العراقية قد باءت بالفشل، فثمة اليوم نحو 235000 جندي عراقي. كما يرى "أندرو كريبينفيتش" من "مركز التقييم الاستراتيجي" أنه بالرغم من أن القوات العراقية غالباً ما تفتقر إلى التجهيز الكافي، فإنها لا تفر من المعارك ولم تخيب ظن المستشارين الأميركيين، وتحارب ببسالة وقوة.

ثالثاً: ساعد السفير الأميركي في العراق زلماي خليلزاد على تحقيق معجزة سياسية. فإذا كانت نتائج انتخابات ديسمبر 2005، قد بدا أنها تمنح الأصوليين الأفضلية، فإنه ساهم إلى جانب العراقيين في تشكيل حكومة تتمتع بالمصداقية متجاوزة الانقسامات الطائفية وممثلة لمختلف طوائف البلاد.

رابعاً: الشعب العراقي ليس منقسماً ومتصدعاً على نحو لا يمكن رأبه. وفي هذا السياق، كتبت "فيبي مار" من "معهد السلام" الأميركي التي عادت من العراق مؤخراً تقول إنه من المؤكد أن "الأوضاع تدهورت بشكل كبير"، ولكن وكما أخبرت "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، "كل من أعرفه يشعر بالامتعاض حيال ما آلت إليه الأحوال. فهم لا يرغبون في العنف، ولا يرغبون في حرب طائفية".

خامساً: تحاول الحكومة العراقية على الأقل إنشاء هياكل إدارية تتميز بالكفاءة خارج "المنطقة الخضراء". وفي هذا الإطار، يقول "جون بورنز" مراسل "نيويورك تايمز" حسن الاطلاع "لو طلب مني أن أراهن، لكنت قلت إن نسبة احتمال النجاح ضئيلة، ولكنها اليوم أفضل مما كانت عليه قبل ثلاثة أشهر، وهذا أكيد".

سادساً: اليوم وقد بات العراقيون يتوفرون على حكومة شرعية وجيش فعال، تم الشروع في تنفيذ استراتيجية "نظف المكان وسيطر عليه ثم عمِّره" التي أعلن الخريف الماضي. والواقع أن "مجلس الحرب" الذي شكلته منقسم بخصوص الدور الذي ينبغي على واشنطن أن تلعبه في هذا الإطار، حيث يرى البعض أن الولايات المتحدة تمثل مصدر إزعاج وينبغي إبقاؤها في الساحة الخلفية كي لا يستعديها العراقيون. في حين يرى عدد متزايد أن العراقيين يكرهون الفوضى والانفلات الأمني أكثر من القوات الأميركية. وبالتالي فعلى الجنود الأميركيين الخروج من قواعدهم إلى الشوارع للسهر على الأمن. غير أن الجميع يتفق على أنه بالإمكان القضاء على التمرد في حال توفر العدد الكافي من القوات.

سابعاً: قرر البيت الأبيض أخيراً بدء نقاش مفتوح حول كيفية التعاطي مع موضوع العراق. حيث تمت مؤخراً دعوة أربعة من أعضاء "مجلس الحرب" الذي أنشأته إلى كامب ديفيد لمناقشة الوضع في العراق مع الرئيس بوش ودونالد رامسفيلد والجنرالات حول كيفية الاستفادة القصوى من القوات الأميركية.

الحقيقة أن بعض السياسيين في واشنطن يعتقدون أنه علينا أن نغادر العراق بسرعة، لكن الزعماء العراقيين لا يتفقون مع هذا الرأي. كما أن المحللين الذين أثبتت آراؤهم نجاحها في اختبار الواقع يرون أن الانسحاب سيكون كارثياً. والواقع أنه لا وجود للمتفائلين ضمن فريق الخبراء الذي أستشيره، كما أنه لا وجود لليأس أيضاً. وبعد ثلاث سنوات، تعلمت أن أثق بالمتشائمين الذي يرفضون الخوف.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"-19-6-2006