الأزمة الصومالية... و دبلوماسية واشنطن تجاه الحركات الإسلامية

 

هوارد لافرانتشي

 

بعد فشلها في التغلب على الفصائل الإسلامية في الصومال عبر العمل السري –وإن كانت لا ترغب في رؤية هذا البلد الذي ينعدم فيه حكم القانون يتحول إلى ملجأ آمن للمتطرفين الإسلاميين– يبدو أن الولايات المتحدة قد اختارت نوعاً جديداً أكثر دبلوماسية بخصوص الصومال، حيث انضمت الولايات المتحدة أول من أمس الخميس إلى خمسة بلدان أخرى هي بريطانيا وإيطاليا والنرويج والسويد وتنزانيا، وذلك في إطار "مجموعة اتصال دولية" تم تشكيلها بهدف بحث سبل إعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد الإفريقي الذي يجمع الخبراء على وصفه بـ"الدولة الفاشلة".

بالنسبة للعديد من الأميركيين، يرتبط اسم الصومال بمحاولة إلقاء القبض على زعيم حرب صومالي عام 1993 في مقديشو انتهت بمقتل 18 جندياً أميركياً، وهو الحادث الذي أدى إلى انسحاب أميركي متسرع، والفيلم السينمائي "بلاك هوك داون". غير أن الصومال يقدم أيضاً –في رأي عدد من الخبراء- مثالاً جيداً لكيفية استغلال فراغ السلطة بدولة فاشلة من قبل القوى المناوئة للمصالح الأميركية –وخصوصاً في وقت تعتمد فيه الولايات المتحدة مقاربة قوية تجاه الإسلام المتشدد عبر العالم.

وقد زادت الولايات المتحدة من تحذيراتها بخصوص الوضع في الصومال الأسبوع الماضي عندما بسطت الفصائل الإسلامية، المنضوية تحت لواء "اتحاد المحاكم الإسلامية"، سيطرتها على العاصمة مقديشو بعد تغلبها على زعماء الحرب العلمانيين المنافسين، وذلك بالرغم مما أوردته بعض التقارير من أن الولايات المتحدة كانت تمد زعماء الحرب المعارضين للإسلاميين بالدعم والمساعدات، التي ضمت الأسلحة وما لا يقل عن 100000 دولار شهرياً. غير أن أكثر ما يخشاه المسؤولون الأميركيون هو أن توفر القوات الإسلامية الملجأ لأعضاء تنظيم "القاعدة" الذين تطاردهم الولايات المتحدة لصلتهم بأعمال إرهابية في إفريقيا استهدفت المصالح الأميركية والغربية.

وبالرغم من هذه المخاوف، فإن الولايات المتحدة أرسلت إشارات للمصالحة إلى "اتحاد المحاكم الإسلامية"، الذي تعهد بتحويل الصومال إلى دولة دينية تحت حكم الشريعة. فعلاوة على تشكيل "مجموعة الاتصال الدولية"، تصدر وزارة الخارجية الأميركية بين الفينة والأخرى بيانات منفتحة وحذرة في آن واحد بخصوص الإسلاميين.

ويرى المراقبون أن النبرة الأميركية توحي بموقف تمت إعادة النظر فيه بعناية. أما الخلاصة -يضيف هؤلاء المراقبون- فهي أنه يجدر بالولايات المتحدة التمييز بين العدو والصديق داخل الحركات الإسلامية السياسية، بدلاً من رفض التعامل مع المجموعات الإسلامية السياسية منذ البدء. وفي هذا السياق، يقول "جيم بيشوب"، الذي كان آخر سفير للولايات المتحدة في الصومال، قبل أن تخلي الولايات المتحدة سفارتها هناك عام 1991، "يبدو أن المخطط الأول لم ينجح، وبالتالي فيستحسن أن نجرب المخطط البديل"، مضيفاً "إنه أمر مزعج أن نرى ما يبدو أنها مساعدات أميركية تضم الأسلحة لمجموعة واحدة أمضت السنوات الخمس عشرة الأخيرة في قتل المدنيين الأبرياء". وتابع يقول "بطبيعة الحال أننا نريد الاستقرار، ولا نريد أن نرى ملجأ آمناً للإرهابيين هناك، غير أن النقاش والتوصل إلى توافق أفضل من المخطط الأول".

وقد تصدر هذا القلق إزاء الوضع في الصومال موضوعات البحث عندما قام الرئيس بوش بتقييم تقدم الإسلاميين الصوماليين الأسبوع الماضي، حيث قال "إن مبعث قلقنا الأول بطبيعة الحال هو أن تتحول الصومال إلى ملجأ آمن لتنظيم القاعدة، وأن تصبح مكاناً يحيك فيه الإرهابيون المؤامرات ويضعون الخطط ".

غير أن عدداً من المراقبين يرون أن المقاربة الأميركية الحذرة تعكس وعياً في واشنطن بأن الدعم السري الأميركي أتى بعكس النتائج المتوخاة منه، إذ يعتقد أن الدعم الخارجي لزعماء الحرب دفع الإسلاميين إلى التحرك، كما دفع أعداداً متزايدة من الجمهور التواق إلى الأمن للانضمام إلى المجموعات الدينية. أما السبب الثاني للحذر الأميركي، فيتمثل في أن المليشيات الإسلامية ليست مجموعة موحدة. وهو ما يفسر سعي الولايات المتحدة إلى خطب ود الفصائل الأكثر اعتدالاً في "اتحاد المحاكم الإسلامية"، بهدف فصل العناصر التي أعربت عن معارضتها لتقديم المأوى للإرهابيين عن العناصر المتشددة.

ويرى الخبراء في البلدان الإسلامية أنه على الولايات المتحدة تحاشي النظر إلى جميع الحركات السياسية الإسلامية عبر منظار "الحرب على الإرهاب"، والنزول بثقلها في صراع ضد النشطاء الإسلاميين مثل ذلك الذي تشهده الصومال. وفي هذا الإطار، يقول "جيمس دوبينز"، الخبير في القضايا الأمنية في "مؤسسة راند" بفرجينيا والدبلوماسي السابق في البلقان وأفغانستان: "علينا انتقاء معاركنا بعناية وتجنب أوضاع تختار لنا فيها القاعدة حلفاءنا"، مضيفاً: "لو كان الأمر كذلك، لكنا وقفنا في صف صربيا أثناء حرب البوسنة".

ومما لاشك فيه أن الولايات المتحدة ما زالت تذكر الوضع في أفغانستان حيث وصلت حركة "طالبان" إلى السلطة عام 1996، واعدة بالاستقرار بعد سنوات من التناحر الداخلي. غير أن زعماء حركة "طالبان" فرضوا نظاماً إسلامياً قمعياً ووفروا ملجأ آمناً لزعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن ومخيمات التدريب التابعة له. والواقع أن عدداً من المراقبين يرون أن ذكريات أفغانستان ينبغي ألا تدفع الولايات المتحدة إلى التوجس خيفة وريبة من تقدم الإسلام السياسي. وفي هذا السياق، يقول "تشارلز دونبار"، السفير السابق في اليمن وقطر: "يقلقني أن ننظر إلى كل شيء على أنه معركة ضد القاعدة".

ويضيف الدبلوماسي السابق أنه عندما يتعلق الأمر بـ"القاعدة"، فإن الولايات المتحدة تقف أمام "متطرفين متصلبين"، غير أنهم ليسوا سوى "أقلية قليلة جداً" من القوى الإسلامية السياسية، مشيراً إلى أنه في حال إجراء انتخابات حرة حقاً في العديد من البلدان الإسلامية، فإنها ستتمخض عن صعود أنظمة إسلامية، وبالتالي -يضيف "دونبار"- يتعين على الولايات المتحدة تجنب اعتماد سياسة واحدة إزاء جميع الحركات الإسلامية.

محرر الشؤون الخارجية في "كريستيان ساينس مونيتور"

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمتي "نيويورك تايمز" و"كريستيان ساينس مونيتور"-17-6-2006