الانفتاح في مواجهة الانغلاق
دافيد بروكس
اذا ما تخيلنا امكانية تشكيل السياسة الاميركية من جديد اليوم فإن الجدل الرئيسي لن يكون بين الليبرالية والفكر المحافظ . بل ان المعركة الرئيسية ستكون بين الفكر الوطني الشعبي والفكر التقدمي العالمي. والحزب الوطني الشعبي سيكون ليبراليا من الناحية الاقتصادية ومحافظا من ناحية القيم وواقعيا في السياسة الخارجية. وسيجمع معا مجموعة من الشخصيات يشعرون بخيبة أمل من النخبة في الاحزاب التي ينتمون اليها. وفيما يلي ما يمكن ان يقوله مرشح للحزب الوطني الشعبي: «نحن شخصيات عادية نتحمل اعباء هذا البلد. ونحن الذين نعمل بجدية ونؤسس المجتمعات. لقد حان الوقت لنتجمع معا ونعترف بأن الولاء للأميركيين يأتي اولا. «ويعني ذلك انه لا يمكن إسالة دمائنا الثمينة ولا ثرواتنا على حروب أعدت إعدادا سيئا لتحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط. ونحتاج الى الخروج من العراق الآن. ويعني ذلك ضرورة تأمين حدودنا ضد الارهابيين واللاجئين غير الشرعيين الذين يخالفون القانون ويحصلون على وظائفنا ويتسببون في خفض المرتبات. «ونحتاج الى مواجهة اصحاب المصالح المالية الكبرى الذين يهتمون بأرباحهم اكثر من اهتمامهم بأبناء بلادهم، الذين يرسلون الوظائف الى الصين والهند، والذين يدمرون النقابات ويتحكمون في واشنطن. «ونشعر بالضجر من الصفوة في قطاع الأعمال والصفوة الثقافية. ونريد قيادات تفهم مشاعر قلقنا، وتشعر مثلنا بالضجر من عالم ليس آمنا». مثل هذه الوطنية الشعبية يمكن ان تكون فعالة. وستكون ضد الحرب بدون ان تبدو ساذجة. والحزب الثاني، الذي ينتهج توجها تقدميا ومنفتحا نحو العالم، يتبنى اقتصاد السوق والقيم الليبرالية والتعامل مع الشؤون الخارجية والتدخل من منطلق جماعي وليس احادي الجانب. الشخص المناسب ليكون كبير المتحدثين باسم هذه الحركة هو رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. وعلى مستوى الولايات المتحدة يمكن ان يقود هذه الحركة المتطلعون للوصول الى البيت الأبيض مثل جون ماكين وهيلاري كلينتون وميت رومني ومارك وورنر ورودي غولياني. قادة هذا التيار وأنصاره سيقولون ان القوة الدافعة والعوامل المشجعة لانتهاج هذا الطريق تتمثل في الفرص التي افرزها عصر العولمة، وتبني القيم والتوجهات المترتبة على هذا الواقع من تنوع ثقافي والنشاط والحركة في مجال تطوير التكنولوجيا والابتعاد عن السياسات التي تهدف الى افادة دول على حساب دول اخرى. من ضمن قضاياهم ايضا اصلاح نظام التعليم، والعمل على تحسين المهارات سعيا لرفع نسبة النجاح مع اصلاح معايير واسس الأهلية والاستحقاق حتى يصبح الاقتصاد اكثر مرونة. من ضمن القضايا الأخرى ذات الأهمية بالنسبة لهذه الحركة العمل على الآخرين بغرض التوصل الى علاج لمشكلة الاحتباس الحراري والاعتماد على النفط وحواجز الحماية الاقتصادية، كما سيؤكدون على أهمية إدراك ان لهذا العالم المتنوع والمنفتح اعداء، مع ضرورة مواجهة الجماعات الأصولية المتطرفة فكريا وعسكريا ومعالجة المشكلة من جذورها بالديمقراطية والحريات. هذا التوجه التحديثي المنفتح سيكون فاعلا على الصعيد السياسي، إذ سيزدهر وسط المتعلمين والمتطلعين خارج دائرة المدن الكبرى والصقور، وأيضا وسط المهاجرين الذين ينظرون الى المستقبل أكثر من نظرتهم إلى الماضي. هذه التحالفات لن تصبح واقعا بين ليلة وضحاها. يجب ان نضع في الاعتبار ان السياسة لم تعد مجرد اليسار في مواجهة اليمين، بل الانفتاح في مواجهة الانغلاق. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-خدمة «نيويورك تايمز»-17-6-2006
|