تطورات الملف العراقي... وأجواء التفاؤل في البيت الأبيض
بيتر بيكر
في بيت أبيض يبدو وكأنه قد نسي كيف تبدو الأنباء الطيبة، جاءت الأسابيع القليلة الماضية لتحمل معها بعض النسمات المنعشة، وذلك بعد أن فاز "الجمهوريون" بأحد الانتخابات الفرعية في الكونجرس، واختار الرئيس بوش أحد خبراء "وول ستريت" لمنصب وزير الخزانة، وقتلت القوات الأميركية "أبو مصعب الزرقاوي" قائد تنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين، واستطاع "كارل روف" مهندس سياسات بوش تجنب تهم جنائية. والسؤال الآن هو ما إذا كان هذا الارتفاع الأخير في حظوظ إدارة بوش سيستمر فترة أطول بكثير من الفترة التي استغرقتها الزيارة الخاطفة التي قام بها بوش إلى بغداد أول من أمس. وكان بوش قد سيطر على خشبة المسرح السياسي العالمي خلال زيارته التي استغرقت خمس ساعات، والتي جاءت بعد مصرع الزرقاوي بأيام، والتي استغلها في تلميع صورة الحكومة العراقية الجديدة التي يأمل أن يتمكن من تحويل مسؤولية الحرب إليها في نهاية المطاف. ولكن هذه المحاولات لن يكون لها نفع كبير، إذا لم تتمكن هذه الحكومة من معالجة الصدوع المجتمعية، وقامت بإعداد وتنصيب قوات أمنية فعالة. بالنسبة لبوش، فإن أي تقدم يتم في الوقت الحاضر يعتبر تقدماً في غاية الأهمية. فموضوع العراق كان دائماً في قلب المشكلات التي يعاني منها الرئيس الأميركي حيث كان يبعد عنه الناخبون الذين كانوا قد ملوا من الحرب، كما كان يهز استقرار حلفائه في الكونجرس، الذين يواجهون استحقاقاً انتخابياً في الخريف القادم، ويعكر الحالة المزاجية للجمهور تجاه المبادرات التي تقوم بها الإدارة. وحتى المشكلات القانونية التي كانت تواجه مدير مكتبه "كارل روف" كانت تنبع من العراق ومن المحاولات التي كان يقوم بها البيت الأبيض لتبرير قرار الغزو. ويأمل البيت الأبيض بعد أن حدث تحسن في الأوضاع المشار إليها أن يتفرغ الآن لموضوعات أخرى على أجندته مثل موضوع الهجرة، والمفاوضات المباشرة مع إيران بشأن ملفها النووي. وقد أدت تلك التطورات إلى رفع نسبة تأييد بوش من 31% في مايو إلى 38% هذا الأسبوع حسب استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة "يو إس إيه توداي" بالتعاون مع مؤسسة "جالوب"، كما أن هناك الآن 48 %من الأميركيين يعتقدون أن أميركا ستكسب حربها في العراق مقارنة بنسبة 39 في المئة في شهر أبريل. ولكن لحظات مماثلة قدمت إيحاءات شبيهة بتلك السائدة الآن ثم اتضح بعد فترة من الوقت أنها خطأ. فالقبض على صدام حسين على سبيل المثال أظهر إلى أي مدى يمكن أن تكون إحدى لحظات النصر عابرة. فشعبية بوش في ذلك الوقت ارتفعت أربع نقاط على الفور، ولكن ذلك الارتفاع لم يستمر سوى لشهرين. ونظراً لأنه يعرف ذلك جيداً، فإن بوش نظم مجموعة من الأنشطة بشأن العراق في الأيام القليلة الماضية بما في ذلك رحلته السرية إلى بغداد، وعقد اجتماع لمجلس حربه في كامب ديفيد، وإيجاز في "كابيتول هيل" كي يبين أن التقدم في العراق يعني أكثر من موت الزرقاوي. ويتفق المحللون على أنه وبعد رئيسي وزراء ضعيفين، فإن بوش على ما يبدو وجد شريكاً قوياً ممثلاً في شخص رئيس الوزراء العراقي الجديد، نوري المالكي الذي قابله للمرة الأولى خلال زيارته المفاجئة الأخيرة لبغداد، وإن كان ذلك لا يقلل من جسامة الأخطار التي تواجههما ومنها: الصراع الطائفي، وانقطاع التيار الكهربائي، والمليشيات الخاصة، وبطء تدريب قوات الشرطة وغير ذلك. لذلك، كان بوش حريصاً على إعلان أن هناك عقبات لا تزال تواجه العراق، وأن مصرع الزرقاوي لا يعني أن التمرد قد انتهى. ولكن الملاحظ أن مساعدي بوش -ربما للمرة الأولى هذا العام- بدوا أكثر تفاؤلاً، وأكثر استعداداً لطمأنة الجمهور عن المستقبل، وعن إمكانية حدوث تطور في مسار الأحداث، وتقليص من حدة المشكلات التي واجهت البيت الأبيض على امتداد فترة طويلة من الوقت. فظهور بوش في بغداد على سبيل المثال تزامن مع تبرئة مدير مكتبه "كارل روف" من الشبهات التي كانت تدور حوله. وكان الخطر الذي ظل محدقاً بـ"روف" قد ظل يخيم على أجواء البيت الأبيض، في الوقت الذي راح فيه زملاؤه يتخيلون كيف يمكن أن تسير الحياة بدونه في "ويست وينج". ويذكر في هذا السياق، أن القلق كان قد انتاب الكثيرين من المحللين "الجمهوريين" خارج نطاق البيت الأبيض من أن المشكلات القانونية التي يواجهها "روف" كانت تتسبب في تشتيت ذهنه، وأنها أدت إلى انتكاسات كان من الممكن تلافيها إذا لم يكن ذهنه مشغولاً، وكان قادراً على تركيز اهتمامه على الأمور التي يواجهها. ومن النكسات التي استشهد بها هؤلاء المحللون للتدليل على ذلك، المحاولة المجهضة التي قام بها البيت الأبيض لترشيح "هارييت مايرز" للمحكمة العليا، وكذلك المعركة التي دارت حول عقد شركة "موانئ دبي". ويعتقد مساعدو بوش أنهم إذا ما حافظوا على سيطرتهم على مجلس النواب ومجلس الشيوخ، فإنه ستكون لديهم في هذه الحالة فرصة أخرى، لتحقيق إنجازات في الأولويات الرئيسية التي يمكن أن تصوغ شكل تركة بوش الرئاسية، أما إذا ما فاز "الديمقراطيون" بانتخابات مجلس النواب، فإن إدارة بوش ستكون مضطرة في هذه الحالة إلى قضاء السنتين الأخيرتين من عمرها في الدفاع عن خطوطها الخلفية . لذلك فإن البيت الأبيض ينظر إلى الأمر على المدى البعيد نسبياً سواء في الداخل أم في العراق، مراهناً في ذلك على أن مسار التحسن الحالي سيستمر، ومحاولاً في نفس الوقت تجنب فقدان اتجاهه بسبب تأثير أنباء اللحظة سواء كانت طيبة أم سيئة. كاتب ومحلل سياسي أميركي و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" -15-6-2006
|