العودة للبيوت القديمة
عبد الرحمن الراشد
الفان وخمسمائة جندي من قوة حفظ السلام عادوا الى ما كان يسمى بتيمور الشرقية لوقف شرور العصابات التي عاثت في البلاد. وفي الصومال تعود القضية الى الأمم المتحدة من اجل تدخل دولي بعد ارتفاع حدة القتال بين الاطراف المحلية، وتسلل تنظيم القاعدة اليها أيضا. فأي خطأ حدث ليعيد الأزمة الى بلدين منسيين؟ الذي حدث ان القوى غادرت لكن النار ظلت مشتعلة. الصومال، مثلا، لم يعرف عاما مستقرا واحدا بل ظل مضطربا منذ بداية حربه الأهلية. نسيه العالم لأن بوصلة الاهتمام اميركية وقاعدية. الاميركيون يهتمون بالأماكن التي يذهب اليها اولادهم، وخصومهم يهتمون بالشيء نفسه. دفع الاميركيون ثمن تعجلهم في الدخول ثم دفع الصوماليون تعجل الاميركيين في الخروج، وعاشت البلاد فوضى دائمة بين ميلشيات متحاربة تدعي كل واحدة منها انها الحكومة. ورغم لقاءات القاهرة ومساعي الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية وغيرها لم يصل الاهتمام حد حسم الوضع هناك. فجأة صار مهما لأن الجماعات الارهابية اختارته قاعدة وميدانا. أما التيموريون فقد حصلوا على ما أرادوا، وانفصلت ارضهم الصغيرة اخيرا عن اندونيسيا، واعترفت الأمم المتحدة بجمهوريتهم. جاء انفصالها لصالح الاندونيسيين الذين بددوا جهدهم ثلاثين عاما في عناد بلا معنى. بطردهم منها لم يخسروا عمليا شيئا. ثبت لهم أن لا قيمة لتيمور، وثبت للجمهورية الوليدة، تيمور، أن ما ظنت فيه خلاصها كان مقتلها، فقد استمرت الفوضى والنهب واستمر العنف بصفته الاجرامية الى درجة لم تستطع القوات الاسترالية، التي وفدت لحفظ السلام، حتى في حفظ مستودعات الاغذية من سلب العصابات. الدرس الماثل امامنا في قضيتي الصومال وتيمور ان نسيان القضايا لا ينهيها. يغادرها الممثلون الدوليون، ويهجرها الصحافيون، ويظن العالم ان الأزمة انتهت. بدون حل دائم لنظام ثابت مدعوم دوليا ستبقى النيران مشتعلة، وستعود اشباحها تطارد العالم، والصومال اكبر دليل على ذلك. إن اكبر تحدٍ واجهه العالم، ويواجهه حتى اليوم، هو القاعدة فكرا وتنظيما التي نبتت في خرابات افغانستان بعد إهمالها. افغانستان صارت حينذاك ملاذا للجماعات الهاربة، ومزرعة كبيرة للمخدرات، ومعسكرا للتدريب، وممرا للتهريب. حدث ذلك لأن العالم أدار ظهره لافغانستان بعد ان انتهت اللعبة الكبرى بين القوتين السوفياتية والاميركية بخروج الأولى. تركوها ساحة تتعارك فيها القوى المحلية ومخابرات الدول الاقليمية، ووجدت فيها القاعدة نفسها حتى كبرت وصارت لاعبا على المسرح الدولي. البوارج البحرية للدول الكبرى كانت تمخر بمحاذاة السواحل الصومالية عقدا كاملا تتجنب التورط في العراك الصومالي بين القبائل على أمل ان تحسم احداها المعركة، وحينها يمكن التعامل معها. مثل افغانستان، صار الصومال ملاذا للهاربين من دول الجوار، وممرا لتهريب الاسلحة، وساحة للقتال تغذيها الفتن القبلية والنزاعات الاقليمية. ثم فجأة اصبح الصومال مهما فقط لأن القاعدة استأجرت فيه ييتا. أما كان من الافضل والأرخص لو ركزت الجهود في العقد الماضي على وضع حد للنزاعات وتأسيس سلطة مركزية أمنت للبلاد الاستقرار، وللعالم ايضا؟ alrashed@asharqalawsat.com و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-14-6-2006
|