نهاية الزرقاوي أم نهاية العقل المضلل؟

 

 

جابر حبيب جابر

 

كتب جابر حبيب جابر مقالاً بعنوان نهاية الزرقاوي أم نهاية العقل المضلل؟ مما جاء فيه:

من التجني على الحقيقة القول بأن تفاعل العالمين الاسلامي والعربي، كان بمستوى الحدث الذي ألم بأبشع منظمة إرهابية لم يعرف لها التاريخ مثيلا من حيث العقلية والمنهجية التي تؤدي بالفرد المعتنق لأفكارها الى قطع رؤوس الأبرياء ووضعها في صناديق الفاكهة أو في الأكياس السوداء، ومن ثم ارسالها الى أهلها كهدية لطفلة فقدت أباها ولم تره منذ أيام أو لأم فقدت ابنها وهي تتنظر عودته أو لأب أتعبه عناء البحث عن ولده، وكان الحظ حليفه في الخلاص من الحزام الناسف تارة ومن السيارة المفخخة تارة أخرى، واذا به يتسلم رأس ولده مقطوعا ومن دون جسد وبإمضاء امير قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين ابو مصعب الزرقاوي. فالأمة التي هناك من يفخر بأن الزرقاوي شهيدها من الأجدر بها أن تخرج من التاريخ ومن أوسع أبوابه، كما دخلته من أوسعها ايضا حينما ملأت الدنيا علما ومعرفة وحضارة، امة ينطق باسمها أبو قدامة ورموز «حماسية» لا يمكن أن توصف بأنها قليلة الوعي والفهم تجاه مسؤولياتها الربانية وحسب، بل انها تخلت وبشكل تام عن قيمها واخلاقها الرسالية السامية، والتي تقف على رأسها تسمية الاشياء بأسمائها فمن يستهدف الابرياء والمدنين العزل في الشوارع العامة والاسواق الشعبية وتجمعات عمال البناء والاضرحة المقدسة والمزارات الشريفة كيف يوصف بأنه من قادة تحررها وينبغي الوقوف الى جانبه ودعمه وتمجيد ذكراه .

رغم ان خارطة العنف العراقية اصبحت من التوزع والتجذر بالقدر الذي يصعب اعتبار أن أي انتكاسة خطيرة تصيب مفاصلها، ستشكل تغيراً دراماتيكياً يفضي بنفسه الى تحقيق السلم والاستقرار، كما ان المبالغة بالأماني من شأنها ان تصيب الشارع باليأس، كونه بات يظن ان العنف اصبح قدراً ملازماً، بسبب من تلاشي احلامه التي علقها على ان تطور العملية السياسية ورسوخها واتساع دائرة المشاركة فيها ستفضي الى حسر وانهاء العنف، لذلك يعد مبالغة خطيرة اعتبار مقتل الزرقاوي، ايذاناً بانجلاء ليل العراقيين وخاتمة دوامة عنفهم.

ولكن ايضا ان التقليل من شأن هذا الحدث، واعتباره سقوطاً لأحد القيادات ليس الا، كون العمل المسلح أخذ جانبا مؤسساتيا، سيكون هو ايضاً ميلاً خطيراً، ويختزن انحرافات وقراءة مضللة للواقع تعبر عن أماني مكبوتة لا يجرؤ اصحابها على التصريح عنها اذ انهم ثكلوا بمقتل الزرقاوي، ويمنون النفس باستمرار زخم عنفه.

من الجوانب المختلة لهذه الرؤية على المستوى الأمني، نجد أن بعض المتخصصين في الشوؤن الإسلامية وشوؤن الجماعات المسلحة، والذي لا أدري أين سيذهبون عندما نصبح أمة راشدة تكف عن تقتيل أبنائها وتحطيم اقتصادياتها بهدف إغاضة أعدائها، هؤلاء «النخب» وعواجيز الأكاديميات العسكرية، التي لم تخرج إلا خطط الفشل وجنرالات الهزيمة، يقفزون على حقيقة ان الزرقاوي حاز كارزما لا يمكن لأي قائد يخلفه أن يحصل عليها لكون الظروف التي تهيأت له لن تتكرر، وانها أهلته لكي يتخطى ويضع في الظل زعامات القاعدة الاساسيين كابن لادن والظواهري، وجعلهم يكتفون بالبيانات والدعاء له، ثم ايضاً إن الطريقة التي تم فيها التمكن منه تشي باختراقات أمنية داخل شبكته، وهذا مما سيوسع دائرة الشك والريبة بينهم، ايضاً ان الملاحظ دائماً أن القيادات البديلة، عندما يقتل الرأس تكون فترة بقائها قصيرة لتخلخل الاجماع عليها وضعف خبرتها ومراسة تحوطاتها، فضلاً عن ان ذلك سيؤدي الى بروز عدد من الانقسامات والصراعات البينية والتشرذمات اللاحقة، بجانب ان الزرقاوي وشبكته هي الاكثر رعباً وسطوةً بلا منازع، لذا فإن مقتله سيؤدي الى انكسار حاجز الخوف لدى الجماعات المسلحة المحلية التي طالما تقاطعت معها، وكذلك يؤدي الى إعادة المبادأة الى العشائر وابناء المناطق المزدهرة بالعنف ضد هذا التنظيم، الذي صادر إرادتهم واستباح مناطقهم وعرضها للردات الانتقامية من القوات العسكرية الملاحقة لهذه الجماعات.

على المستوى السياسي، إن الزرقاوي صاحب اخطر مشروع على المنطقة، لذا نفترض ان موته والذي يجب ان يعقبه الإجهاز على إرثه وبنية التفكير التي يرتكز عليها، وان يكون ذلك عملاً جماعياً لدول وشعوب المنطقة، اذ ان غاية هذا التنظيم والجماعات المتفرعة عنه، اقامة امارة اسلامية طالبانية المنهج، تقوم على انقاض كل نظم المنطقة، واذا كانت المنطقة ما زالت تعاني من عقابيل ظاهرة الافغان العرب، والتي نشأت في مكان قصي من العالم ومحدود الأهمية والتي ما زالت تلهم كل التوترات الأمنية، فكيف سيكون تأثير الجماعات المسلحة، إذا ما غادرت العراق، وارتدت بهجرة عكسية حاملة تجاربها وفكرها الاقصائي العنفي، وايضاً على الجانب الآخر من هذا المشروع، بما أثاره من نزاع طائفي من الممكن أن يتسع وينعكس بآثار مدمرة على دول الإقليم، خصوصاً تلك التي تحتفظ بنفس التماثل المذهبي، لذا فإن تصفية هذا المنهج من الضروري أن يكون استراتيجية جماعية، للحفاظ على بنية المجتمعات وعلى السلم الأهلي.

فضلاً عن ان مشروعه التكفيري دائم الاتساع، اذ انه لم يضم الشيعة والكرد، بل امتد لكي يؤذي السنة ايضاً، والذي حرص الاطار العربي على مصالحهم، إذ انه منعهم وأرهبهم من الاشتراك في العملية السياسية، مما انعكس على مصالحهم وغيبهم من المشاركة، وفي أن يكونوا جزءا اساسيا من اعادة تأسيس الجيش والأجهزة الأمنية، مما وسع الشرخ والهوة بينهم وبينها، وأقام حاجز عدم الثقة، بجانب ان مناطقهم اصبحت شبه مهجورة ومدمرة، بسبب عنفه المفرط والرد المسلح عليه.

ان الخطاب الاعلامي المهيمن والمتناغم مع شارع مضلل، ظل يتبنى فكرة أن الزرقاوي اسطورة ووهم خلقه المحتل، حتى ظهوره العلني قبل شهرين، ونجده الآن يقلل من قيمة انهيار الاسطورة وموت الوهم، في حين انه درج على اعتبار ان اسقاط طالبان ومحاربة القاعدة، لم يأتيا بنتائج ذات قيمة، كون بن لادن ما زال حياً، في حين في العراق عندما يقتل الزرقاوي يقللون من قيمة الحدث، بل انهم يعتبرون ان هذا الحدث تمت شخصنته بتضخيم الزرقاوي، غافلين اننا في العالم الثالث نشخصن الزعماء، ونشخصن مناوئيهم، وبالتالي فإن سقوط الرموز يمثل انهيارا لمشاريعها، رافق ذلك ايضاً مفهوم آخر تم ضخه، وهو أن الأمريكان والحكومة العراقية عملا على شيطنة الزرقاوي. أ تحتاج أفعال وسلوك حفلت به الفضائيات، وانشغلت به مواقع المعلومات لأكثر شخصية دموية عرفها العالم منذ عقود لأحد ان يشيطنها.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-13-6-2006