استراتيجية لسد ثغرات الاتفاق النووي الأميركي- الهندي
مايكل إيه ليفي وتشارلس دي. فيرجسون
يبدو أن إدارة بوش قد وضعت الكونجرس أمام خيارين ضيقين كلاهما صعب ومستحيل: فإما المصادقة على صفقة التعاون النووي الأميركي- الهندي, وبالتالي تقويض معاهدة حظر الانتشار النووي, أو رفض الصفقة, مما يعني تقهقر العلاقات بين واشنطن ونيودلهي إلى ما كانت عليه سابقاً من قطيعة وجفوة. وبالنتيجة فقد أحاطت الشكوك بالتشريع الذي سيصدره الكونجرس بهذا الخصوص. لكن وعلى رغم هذه الصعوبة البادية, يظل في وسع الكونجرس التصدي لأهم وأكبر هواجس الانتشار النووي, في ذات الوقت الذي يتمكن فيه من إصدار تشريع من شأنه تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن ونيودلهي. ولكن الذي يلزم هو المزيد من الصبر وسد بعض الثغرات التشريعية هنا وهناك. فحتى هذه اللحظة تظل الصفقة المقترحة بعيدة جداً عن كونها مثالية -آخذين في الاعتبار بمعايير ونصوص معاهدة حظر الانتشار النووي- إلا أنها ليست مجافية لنصوص المعاهدة المذكورة تماماً. وفي سبيل تصحيحها وسد ثغراتها, فإن على الكونجرس المصادقة على إطارها العام المعلن من قبل كل من الولايات المتحدة والهند, بتاريخ يوليو الماضي. والمعلوم أن ذلك الإطار يوفر عدة ضمانات منها على سبيل المثال: أولاً التزام الهند التام بوقف أنشطة اختبارها النووي, وكذلك بالقيود الصارمة المفروضة على تصدير المواد والمعدات الحساسة. ثانياً: قبول أميركا بعدم اتخاذ الهند من الصفقة المقترحة ستاراً للتغطية الرسمية والقانونية على ترسانتها النووية, كما لو كانت جزءاً أصيلاً لا يتجزأ من الصفقة. ثالثاً: رغبة أميركا في وضع المفاعلات النووية الهندية مستقبلاً تحت إشراف ورقابة المفتشين الدوليين. ثم رابعاً وأخيراً, رغبة الهند في تحرير التعاون المستقبلي النووي مع واشنطن, من قيود المراجعة التشريعية السنوية من قبل الكونجرس. وفي المقابل, فإن على كل من واشنطن ونيودلهي, قبول التفويض الممنوح للكونجرس بأداء دور تشريعي فاعل, في صياغة تفاصيل الإطار العام للصفقة, الذي وافق عليه الطرفان. ويبقى على الكونجرس الإسراع في دعمه لفكرة التعاون النووي بين أميركا والهند, اعتماداً على روح القرارات التي يصدرها. لكن وبدلاً من موافقته السريعة على التشريع النهائي المقترح, فإن عليه تحديد المتطلبات النهائية لإبرام اتفاق تعاون نووي أميركي- هندي. ويمكن لهذه المتطلبات أن تشمل اتفاقية تفتيش نووي بين الهند والوكالة الدولية للطاقة الذرية, وكذلك قوانين مجموعة "الموردين النوويين الجدد" التي تسمح بالتجارة النووية مع الهند. كما يمكن للكونجرس أن يطالب بأن يشترط التعاون النووي مع الهند, بتجميد الأخيرة لاختباراتها النووية, وأن يتضمن الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية, استدامة عمليات التفتيش الدولي على المرافق والمنشآت النووية الهندية, في ذات الوقت الذي يستثني فيه الاتفاق مع مجموعة "الموردين النوويين الجدد" أي تعاون مع باكستان أو الصين, باعتباره جزءاً من الاتفاق. وعلى الكونجرس فرض هذه الشروط عن طريق امتناعه عن المصادقة على الصفقة, إلى حين الوفاء التام بالشروط المذكورة. وينبغي على الكونجرس كذلك, توفير الدعم المالي والقانوني لمشروع التعاون مع الهند, بغية تحسين رقابتها على المواد والصادرات الحساسة. ومن شأن استراتيجية كهذه, أن تعكس الأهداف العليا لسياسات حظر الانتشار النووي الأميركية. ومما لاشك فيه أن أحد أهم هذه الأهداف, منع الهند من العودة مجدداً إلى اختباراتها النووية, خاصة وأن مثل هذه الاختبارات, تكون بمثابة دعوة مفتوحة لكل من الصين والهند, كي تواصلا اختباراتهما, مما يعني ضرب نظم حظر الانتشار النووي في مقتل. وينبغي أن يكون الهدف الأعلى الثاني للولايات المتحدة, تشديد الرقابة على المواد والصادرات النووية, علماً بأن ضعف هذه الرقابة سيفتح الباب على مصراعيه أمام الجماعات الإرهابية, والدول المارقة المستميتة من أجل الحصول على السلاح النووي. واستراتيجية كهذه كفيلة بسد الثغرات وتصحيح الأخطاء والعيوب التي يتضمنها نص صفقة التعاون النووي الأميركي- الهندي المقترح حالياً, بما يضمن نجاح الصفقة وتنفيذها. على أن من الواجب عدم السماح بحدوث أية انتكاسة في علاقات بلادنا مع الهند. ذلك أنه غني عن القول إن في تعزيز هذه العلاقات, ما يحسن من موقف بلادنا دولياً وآسيوياً في ذات الوقت. وهل ثمة شك في مدى الفائدة الاستراتيجية الجمة التي يمكننا أن نجنيها, فيما لو توطدت علاقتنا مع الجارة المباشرة للصين؟ وبما أن الوجهة العامة للسياسات الخارجية الأميركية, هي تعزيز الديمقراطية ونشرها على نطاق العالم, فإن من الأحرى توطيد علاقتنا بالهند, باعتبارها أكبر ديمقراطية عالمية معاصرة. ولنذكر أن استبعاد أميركا للهند طويلاً عن مجال التجارة النووية, أثر كثيراً على العلاقات الأميركية- الهندية. لذا فإن في إزالة هذه العقبة ما يفتح الطريق أمام تحسين وتطبيع العلاقات بينهما. بيد أن كل هذا لا يقدم مبرراً كافياً للقرار الذي اتخذته الإدارة بإبرام صفقة التعاون النووي بينها ونيودلهي, في شهر يوليو من عام 2005. ومع أنه توجد أكثر من عقبة واحدة أمام تحسن العلاقات بين واشنطن ونيودلهي, غير أن هذه العلاقات لم تكن لتتضرر إلى كل هذا الحد, فيما لو بادرت أميركا للتعبير عن هواجسها ذات الصلة بحظر الانتشار النووي هذه, قبل عامين أو ثلاثة أعوام سابقة لتاريخ اليوم. مايكل إيه ليفي وتشارلس دي. فيرجسون : زميلان باحثان في مجال العلوم والتكنولوجيا بـ"مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي و كل ذلك بحسب رأي مايكل إيه ليفي وتشارلس دي. فيرجسون في المصدر المذكور . المصدر : الاتحاد الاماراتيه : نشرته بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" – 8-6-2006
|