بئر نفط أميركا العظيمة
توماس فريدمان
ذهبت يوم الاثنين الماضي لحضور حفلة تخرج نظمتها مدرسة ثانوية فوجدت أن هناك مؤتمرا ضخما للأمم المتحدة فيها. كانت هناك ابنتي ناتالي، والمدرسة هي «مونتغمري بلير» في سيلفر سبرينغ بولاية ميريلاند، ومعها كان هناك ما يقرب من 700 تلميذ يتسلمون شهاداتهم، ومع جلوسي هناك لساعتين استمع لاسم كل منهم، أصبحت مشغوفا ومتأثرا في آن واحد للتنوع المثير للدهشة من حيث العرق والدين والانتماء الاثني للمتخرجين. أنا أعرف أن مدرسة ابنتي متنوعة لكن لم تكن لدي فكرة أنها متنوعة إلى هذا الحد. استطيع أن أقرأ بعض أسماء تلاميذ صف ابنتي: محمد وقار، آفي وولفمان ـ ارنت، فكتوريا ساندوفال، اليزابيث بيكر، رامونا سينغ، أنوجا شاه، سمير بول، اكتا تانيجا وغيرهم. وفي صفها هناك خمسة أسماء تتضمن «سميث». بينما في ثانويتي بمينسوتا كان الأمر عكس ذلك: كأنه لم يكن هناك سوى خمسة أشخاص بدون «سميث». أخبرتني ابنتي أن أسماء التلاميذ الصعبة اللفظ في صفها هو أمر سائد وهذا ما جعل المدرسة تطلب من كل تلميذ أن يكتب اسمه على بطاقة بالحروف المخصصة للفظ بحيث يتجنب المذيع تشويهها أمام العائلة والأصدقاء. هناك أمور كثيرة تدعو للقلق في أميركا اليوم: الحرب في العراق التي أصبحت أسوأ لا أحسن، والإدارة الأميركية التي سندفع لفترة طويلة ثمن تهورها في إنفاق الأموال، النظام التربوي الذي لا ينتج قدرا كافيا من الشباب الأميركيين الماهرين في الرياضيات والعلوم، ومراكز المدن، حيث يفشل فيها عدد كبير من الذكور السود، علينا أن نعمل بشكل أكبر وأن نكون أكثر ذكاء إذا كنا نريد أن نحتفظ بمستوى حياتنا. لكن إذا كان هناك سبب واحد يدعو للتفاؤل حول أميركا فهو هذا التنوع المدهش القائم في مدرسة «مونتغمري بلير» عام 2006. فأميركا ما زالت أكبر مغناطيس يجذب البشر من كل صوب وحدب. نحن لسنا البلد الوحيد الذي يحتضن التنوع، لكن هناك شيئا ما حول مجتمعنا الحر وسوقنا الحرة يجذب الناس بطريقة لا تتحقق في أي مكان آخر من العالم. فذخيرتنا الحقيقية لا تكمن فقط في جذب أكثر الأفراد غنى من حيث القدرات من شتى أنحاء العالم بل في قدرتنا أيضا على جذب الأفراد الأقل مهارة، ولهذا السبب أنا غير مستعد لتسليم القرن الواحد والعشرين للصين لأن الأميركيين من أصل صيني سيهزمون الصينيين عبر المنافسة. هذا الدفق الواسع من المهاجرين الأذكياء هو بئر نفطنا العظيمة التي لن تنضب يوما ما، فهي مصدر لا متناه للطاقة البشرية المتجددة وابداعاتها، لذلك فإن على الكونغرس الكف عن مناقشة قضايا من نوع زواج المثليين ويبدأ بإعطائنا إطار عمل لإبقاء تدفق الهجرة الشرعية إلى بلدنا. ما يثير الدهشة بالنسبة لثانوية «مونتغمري بلير» هو أنها ليست سوى مدرسة ثانوية عامة، وهي لم تصمم كي تكون متنوعة، صحيح أن فيها برامج مغرية، لكن الجزء الأكبر من برامجها يعكس فقط محيطها ـ ثلث الطلاب هم من السود وثلث من الهيسبانيك (من أصل أميركي لاتيني) والثلث الآخر هو خليط من بقية الأصول. مع اختلاطي بآباء آخرين بعد ذلك بانتظار خروج أطفالنا من المراسم، وجدت نفسي في وقت ما محاطا بأسر لا يتكلم أي منها الانجليزية. جاء الصوت الأليف الوحيد لأذني من أم أميركية من أصل أفريقي حينما قالت «هذا الدبلوم هو لي! أنا سأحتفظ بهذا لي». وقالت إنها جهدت كثيرا مع ابنها من أجل هذا اليوم، ليباركها الله أنا متأكد من أنها تحدثت بالنيابة عن الكثير من الآباء. من الصعب متابعة حفل تخرج كهذا بدون التفكير في أعدائنا في العراق وأفغانستان ـ طالبان، والمستبدين الاصوليين مثل بن لادن والزرقاوي والأنظمة التي تدعمهم، فعقولهم منصبة في كيفية تنقية العالم من «الآخر»، من التنوع ، من «الكفرة»، ومع قسوة عالية يمتلكونها قد ينتصرون في العراق، أما أنا فما زلت آمل ألا يتحقق ذلك. لكنهم لن يربحوا المستقبل أبدا ـ لأنهم حال انتهاء نفطهم ستنضب مجتمعاتهم، أما بالنسبة لنا فإن منابع نفطنا هي على العكس ستستمر في العطاء، إنها موجودة هناك متخفية في دفتر أسماء تلاميذ مدرسة «مونتغمري بلير». و كل ذلك بحسب رأي توماس فريدمان في المصدرنصا ودون تعليق . المصدر : الشرق الاوسط – * خدمة «نيويورك تايمز» - 8-6-2006
|