مقالات و محاضرات

 

 

انتقادات الغرب تدفع الصين إلى الكشف عن خاصرتها الرخوة

 

مارك ماجنير

 

يبدو أن المسؤولين الصينيين استقروا على لازمة جديدة في اجتماعاتهم مع زوارهم البارزين من الأجانب. وهي لازمة تتردد على مسامع كل من يفِد إلى الصين: لقد رأيتم ما يكفي من شانغهاي وبكين، واليوم حان الوقت لتقوموا بجولة في مناطقنا الريفية وتروا كيف تكافح الجماهير الكادحة والمنهكة من أجل لقمة العيش. وليس خافياً أن الدعوات اللطيفة لزيارة الريف الصيني تكمن وراءها رسالة أكثر عمقاً مفادها أنه إذا كنتم تنظرون إلى الصين كخطر استراتيجي يهدد بسرقة وظائفكم والرفع من أسعار الغاز والطاقة، فضلاً عن تخوفكم من سيطرتها على العالم، حاولوا النظر إلى ما وراء ناطحات السحاب وبريق الأضواء وستتعاطفون مع مشاكلنا المتراكمة في الأرياف والقرى البعيدة، وربما حينها ستكفون عن معاملتنا بقسوة والنظر إلينا بشك وريبة. وفي هذا الصدد صرح "كاي وو"، مدير المكتب الإعلامي في الحكومة الصينية، أمام مجموعة من الصحفيين في بكين مؤخراً قائلاً: "عليكم أن تزوروا المناطق البعيدة عن شانجهاي وبكين لتروا الحقيقة بأعينكم".

وحتى خلال زياراتهم الخارجية لا يضيِّع المسؤولون الصينيون فرصة لدعوة نظرائهم الأجانب إلى زيارة الريف الصيني. ففي زيارة قام بها عمدة بكين "وانج كيشان" إلى لوس أنجلوس حرص على تذكير رجال الأعمال الأميركيين الذين التقى بهم بأن المزارعين الصينيين يكسبون أقل من نصف مبلغ الـ4557 دولاراً التي يحصل عليها سكان المدن الصينية. وليس الهدف الوحيد من وراء تشجيع السلطات الصينية لزيارة الأجانب إلى قراها كشف التناقضات الصينية فقط، بل إن لها أيضاً أهدافاً تكتيكية يمكن قراءتها من خلال الرسائل المتعددة التي تحاول الصين إيصالها إلى العالم الخارجي. ولعل أهمها أن الرقم القياسي الذي سجله فائض تجارتها الخارجية مع الولايات المتحدة السنة الماضية والمقدر بـ202 مليار دولار ليس بالحجم المتخيل إذا ما وزع على مليار ونصف المليار الذين يشكلون عدد سكان الصين. أما الرسالة الثانية التي تركز عليها بكين فتتمثل في إبراز مشاكلها الداخلية المتراكمة، وطمأنة العالم بأنها غير معنية بتهديد جيرانها.

وفي هذا السياق يقول "جزياو كونجين"، أستاذ التاريخ في جامعة شانغهاي "لقد تغيرت الأساليب القديمة للحكومة الصينية التي كانت دائماً تسعى إلى إظهار الوجه المشرق للصين وإخفاء الندوب، بحيث أصبحت السلطات اليوم تسعى إلى إطلاع الغربيين على مدى تخلف الصين عن الركب، وبُعدها عن تهديد الآخرين". وتأتي المحاولات الصينية لكشف النقاب عن مشاكلها الداخلية على خلفية إصدار "البنتاغون" في أواخر الشهر الماضي تقريراً يفيد بأن الصين ماضية في تطوير قدراتها العسكرية، ما يجعلها منافسة محتملة للولايات المتحدة، وتهديداً قائماً لباقي الدول. وهو ما حدا بالصين للإسراع بنفي نتائج التقرير والتأكيد على أن تطوير قدراتها العسكرية إنما يندرج ضمن خطة دفاعية، متهمةً واشنطن بالتخندق وراء أفكار قديمة ترجع إلى حقبة الحرب الباردة. بيد أن دعوة الصين للمسؤولين الأجانب إلى زيارة قراها الفقيرة وسكانها المعدمين تعكس الثقة بالنفس التي باتت تتمتع بها المملكة الوسطى. فلم يمض وقت طويل بعد على المرحلة التي كانت فيها السلطات الصينية تجاهد لإخفاء التناقضات والتستر على أصغر السلبيات خوفاً من تعرض النموذج الاشتراكي الصيني للانتقاد.

وفي هذا السياق يذكر رجل الأعمال الأميركي "هوارد سايندر" كيف أنه عندما قدم لأول مرة إلى الصين سنة 1981، لتعلم اللغة الصينية، كانت الرقابة مشددة على التنقل خارج المدن الرئيسية، لاسيما بالنسبة للأجانب. فقد كان يطلب من الأجانب تسجيل أسمائهم لدى السلطات قبل السفر إلى المناطق القريبة، وكانت الزيارات إلى الريف تقتصر على بعض القرى النموذجية. وعندما استطاع "سايندر" سنة 1982 التسلل إلى إحدى المناطق الريفية أثناء دراسته بجامعة بكين تعرض المشرف الذي كان مكلفاً بمراقبته لتعنيف رجال الشرطة. وبينما ترحب الصين بتلك الزيارات في الوقت الراهن، كانت في السابق تستثير حفيظة السلطات الصينية وتسبب غضبها. ويعزا التشدد الصيني الذي كان سائداً وقتها، حسب "سايندر"، إلى خوف المسؤولين من إبراز الصين على أنها بلد متخلف يرزح سكانه تحت وطأة الفقر والحرمان. لكن بعد سنوات من النمو الاقتصادي المتواصل، وتزايد القوى العالمية التي تدق على أبوابها، أصبحت الصين أكثر انفتاحاً وأقل انزعاجاً من الانتقادات.

وينسجم التغيير الحالي في السياسات الصينية ودعوتها الأجانب إلى زيارة القرى النائية مع مبادرات القيادة الصينية في هذا الاتجاه التي تختلف جوهرياً مع توجهات الرئيس السابق زيانج زيمين في تشجيعه للطبقات المدنية. ولا يجب أن ننسى أن التركيز على الريف الصيني يندرج في إطار مساعي السلطات لحل مشاكله المتعددة المرتبطة أساساً بالتفاوت الاجتماعي الصارخ بين سكان المدن والقرى، ومكافحة الفقر وغيرها من التناقضات التي أصبحت تلقي بظلالها على النجاح الاقتصادي الصيني، لاسيما بشأن مدى استفادة عموم الصينيين من فيئه. هذا ولم يقتصر ترحيب السلطات الصينية على الأصدقاء الأجانب، بل بادرت أيضاً بدعوة عضوي مجلس الشيوخ الأميركي "تشارلز شومر" و"ليندسي جراهام" لزيارة القرى الصينية بعد تقدمهما بمشروع قانون يقضي بفرض رسوم تصل نسبتها إلى 27.5% على البضائع الصينية إذا لم تقم بكين بإعادة تقييم عملتها.

مراسل "لوس أنجلوس تايمز" في بكين

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-3-6-2006