الواقعية مطلوبة ايضا من ايران
الياس حرفوش
تكشف المبادرة الاميركية حيال ايران كثيرا من الحقائق التي يؤكدها العرض باجراء حوار مباشر مع طهران هو الاول على هذه الصورة العلنية (اذا حصل طبعا) منذ 27 سنة. انها تكشف قوة تلك الكلمة المؤلفة من سبعة احرف (بالانكليزية) وهي كلمة «نووي» (nuclear) كما لاحظت صحيفة «الواشنطن بوست». بكلام آخر، لولا الخوف الاميركي الجدي من تطور البرنامج الايراني النووي الى غير اغراضه «السلمية» التي يتحدث عنها الايرانيون، هل كانت واشنطن مضطرة الى تقديم هذا التنازل الذي لم تقدمه حتى للرئيس محمد خاتمي على رغم كل محاولاته الجادة لاطلاق «حوار ثقافات» مع الاميركيين والخطوط التي فتحها مع نخبة من اعلامييهم ومثقفيهم؟ كان امام طهران مثال كوريا الشمالية التي انتهى اعلانها عن امتلاك سلاح نووي الى تراجع الولايات المتحدة عن لغة التهديد وقبول التفاوض معها والاعتراف بمصالحها في شبه الجزيرة الكورية. ويبدو ان طهران تعلمت درسا، وهو أن الطريقة الوحيدة لفرض الاعتراف بدورها الاقليمي وللتعامل مع مصالحها في المنطقة هي بامتلاكها قوة تضطر الآخرين الى التفاهم معها على ضبطها. هذا الاستنتاج بشأن تقدم البرنامج النووي الايراني، اذا كان صحيحا كما يتخوف الاميركيون، فانه لا يثير مخاوفهم وحدهم، بل من شأنه ان يثير مخاوف كثيرين من جيران ايران ويبدد التطمينات التي تلقوها حول مشروع طهران وخططها للمستقبل. من هنا فان العرض الاميركي للتفاوض مع طهران يبعث الاطمئنان في نفوس هؤلاء الجيران لكن فشله ورفض ايران التجاوب معه سيشكلان مصدرا كبيرا للقلق الاقليمي. تكشف المبادرة الاميركية قوة كلمة اخرى هي كلمة «الديبلوماسية» التي يمكن ان تؤدي الى تحقيق مكاسب اكثر من الحرب وبكلفة اقل. انه سلوك جديد غير مألوف من ادارة الرئيس جورج بوش، او «درس في الانحناء» كما وصفته مادلين اولبرايت الوزيرة السابقة للخارجية الاميركية. في ماض غير بعيد، عندما كانت التحضيرات قائمة لضرب العراق، لم تكن كلمة الديبلوماسية موجودة في لغة ادارة الرئيس بوش. لم تستبعد الديبلوماسية وحدها آنذاك بل القي جانبا أي جهد لاقناع حلفاء اميركا بمشاركتها في رسم خطة الحرب ومن ثم ما سيترتب عليها. الخطة الاميركية الآن هدفها الاساسي افساح المجال امام روسيا والصين للانضمام الى أي خطوة مقبلة سيتخذها مجلس الامن. وتشير المعلومات التي تناقلتها الصحف الاميركية الى ان الرئيس بوش حصل على تأكيدات من قادة هذين البلدين باتخاذهما موقفا اكثر تشددا حيال ايران، اذا لم يوفر العرض الاميركي مخرجا مقبولا للازمة معها. من هنا يمكن القول ان مبادرة واشنطن تستهدف موسكو وبكين بقدر ما تستهدف طهران. اما النتيجة الثالثة التي لا تخفى وراء هذا الاتجاه الجديد في سلوك ادارة الرئيس بوش فهي انحسار نفوذ «المحافظين الجدد» داخل ادارته لمصلحة توجه اكثر واقعية وليونة في ادارة العلاقات الدولية، على رأسه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. قبل اسبوعين فقط كان نائب الرئيس ديك تشيني يعترض علنا على اي حوار مع طهران، لانه يعتبره «مكافأة» للمعتدي. ومنذ الفترة التي كان يتولى فيها الجنرال كولن باول وزارة الخارجية كان احتمال الحوار مع ايران مطروحا على الطاولة، خصوصا في وقت كان عدد كبير من معارضي النظام العراقي (المدعومين سياسيا من واشنطن) يقيمون في طهران. في ذلك الوقت كانت نظرة تشيني ان عزلة النظام الايراني ستؤدي الى تغيير من الداخل. وكانت بالطبع من بين الرؤى غير الواقعية الى العالم التي «يتمتع» بها بعض المسؤولين في الادارة الاميركية. لقد اثبتت الازمة النووية انها مصدر لقوة النظام الايراني حاليا، فقد ادت الى تقوية معسكر المتشددين واسكات تيار المعتدلين، رغم ملاحظات بعض رموز هذا التيار على «اللغة» المستخدمة في المواجهة مع العالم. والازمة مع ايران ليست وحدها التي ادت الى اضعاف «المحافظين الجدد» في واشنطن. فالمأزق الذي وضعوا فيه ادارة الرئيس بوش في العراق والذي يؤدي الى انهيار شعبيته يوما بعد يوم يكفي وحده لطرح الاسئلة حول سلامة القرار الذي اتخذ بشأن العراق او على الاقل حول سلامة الطريقة التي اتبعت لتنفيذ الاهداف العراقية. الاكيد ان الدرس العراقي هو وراء الاتجاه في طريق مختلف مع ايران. لكن نجاح هذه السياسة الجديدة لا بد ان يعتمد على تجاوب طهران ايضا. فمثلما هناك «محافظون جدد» في اميركا هناك ايضا «ثوريون جدد» في ايران، وعلى رغم رسالة الرئيس احمدي نجاد الى بوش، فان الفترة المقبلة سوف تكشف قدرة هؤلاء «الثوريين» على سلوك طريق واقعي هم ايضا. اما اذا اختاروا غير ذلك فانهم يكونون قد قدموا لادارة بوش فرصة نادرة للانتصار، بينما تشرف على آخر سنواتها وتعاني من الهزائم في اكثر من مكان. ليس هذا فقط، بل ان رفضهم التجاوب مع الواقعية الجديدة في التعامل معهم ستعزز الشكوك في نياتهم لدى جيرانهم ولدى العالم. فاذا كان مشروع ايران النووي سلميا فعلا فليس هناك ما يستوجب مواجهة مسلحة مع العالم لن تنتهي الى الاحتفاظ بهذا المشروع وستكون كلفتها باهظة على الجميع. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الحياة اللندنية-3-6-2006
|