من هم أعداء العرب؟
محمد الحمادي
هناك فئات ومجموعات في مجتمعاتنا العربية تحاول أن تضع حجاباً بيننا وبين دول العالم الغربي أو الشرقي كي لا يكون بيننا وبينها أي اتصال إيجابي... وهناك آخرون يبذلون جهوداً أكبر كي يضعوا سواتر حديدية تعزلنا عن العالم وتبقينا في قمقمنا العربي بعيدين عن العالم من حولنا والحجة هي أن هؤلاء أعداؤنا وأولئك يعادوننا!... أما كيف يعادوننا فهنا يكمن مربط الفرس... فمن لا يعادي عدونا فهو يعادينا... ومن يختلف مع أفكارنا فهو ضدنا وبالتالي فإنه يعادينا... ومن لا يؤمن بعقيدتنا فهو لا يؤمن بمعتقداتنا وبالتالي فإنه يؤمن بمعتقدات أخرى تعادينا... وهلم جرا. ولقد أدى بنا هذا الأسلوب في التفكير إلى أن أصبح أعداؤنا أكثر من أصدقائنا... بل وتحول بعض الأصدقاء إلى خانة الأعداء بسبب عدم اتفاقهم "المطلق" معنا! من المهم أن نفكر في أهمية الاختلاط مع الشعوب الأخرى والتجادل مع الأفكار المعارضة لنا واحترام العقائد المختلفة التي لا تسيء إلى عقيدتنا فالعالم صار صغيراً ونحن في العالم العربي نقع في قلب العالم ليس جغرافياً وإنما سياسياً واقتصادياً أيضاً وصار من المهم أن ندرك أن مواقفنا تؤثر وتتأثر بكل المتغيرات لذا يجب أن تكون متعقلة وغير متصادمة مع الآخر وإن اختلفت ولم تتفق... حتى تسير الأمور بشكل سليم. مشكلتنا إلى اليوم هي أننا لا نعرف من هو عدونا بالضبط هل هو الرئيس الأميركي جورج بوش ؟ أم هو رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أم بلفور... أم هي دولة إسرائيل أم الشعب اليهودي؟!... أم أنها الشيوعية التي سقطت أم أنها الرأسمالية التي تحكم العالم؟!... لا نعرف هل عدونا بيننا أم أن عدونا خارجي يتسلل إلينا؟!... لا ندري هل هي منظمة الأمم المتحدة أم كل دول المنظمة؟! من الواضح أننا إلى اليوم ما نزال نعيش عقدة قديمة زرعت فينا من زمن بعيد وهي أننا أمة مستهدفة وأن الجميع يتربص بالعرب وبالمسلمين... صحيح أن لكل أمة أعداءً ولكن حالة الخوف والتخوف التي نمر بها مبالغ فيها إلى درجة أننا وصلنا إلى مرحلة صرنا على استعداد لأن نضع في خانة الأعداء أي شخص أو دولة لا تتفق معنا في أبسط الأمور... بل صرنا لا نفرق بين الخطأ الذي يرتكب في حقنا –بقصد أو دون قصد- وبين العداوة التي تكون لأسباب سياسية أو عقائدية أو تاريخية وأكبر مثال على ذلك ما حدث مع الرسومات الدانمركية المسيئة في حق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وردة الفعل "القوية" التي تزامنت مع هذه الأزمة والتي كادت توصلنا إلى مراحل لا تحمد عقباها... وهنا يجب أن نعترف أن هذا ليس خطأ الجماهير أو الشعب وإنما هو خطأ المثقفين والنخبة التي يفترض أن توصل للجماهير حقيقة ما يحدث وطريقة التعامل مع التطورات والمتغيرات والأحداث، ولكن للأسف فإن مثقفينا في حالة يرثى لها فهم منغلقون على أنفسهم مشغولون بقضاياهم الخاصة والشخصية ولا علاقة حقيقية لهم بالمجتمع وبهمومه ومشكلاته التي تتطلب دوراً حقيقياً منهم... أما الآخرون من المتدينين المعتدلين فإنهم يعانون من حالة طغيان الموقف العقائدي على الموقف الاجتماعي والسياسي فكل شيء عندهم ينطلق من منطلق عقائدي "فقط"... وهنا لا نحاول أن نقلل من أهمية الموقف العقائدي وإنما نبين أن هناك أموراً أخرى مهمة أيضاً لا يجب أن تغيب عن رجال الدين المتنورين الذين يفترض أن يكونوا عناصر إيجابية في المجتمع، فمن غير المنطقي أن نرفض الحوار مع الغرب لأنه مسيحي أو مع الشرق لأنه بوذي فهناك قواسم أخرى مشتركة في الحياة غير العقيدة يفترض أن تساعدنا على الحوار مع الآخر حتى لا نعتبره عدواً لنا. مشكلتنا الحقيقية مع الآخر هي أننا نتعامل معه على أنه شعب واحد وأمة واحدة وفكر واحد وعقيدة واحدة وهذا خطأ كبير... فهناك اختلافات في المجتمعات الغربية نفسها، فصحيح أن هناك من يكرهون العرب ولكن في المقابل هناك من يحبون العرب ويحترمون تاريخهم وحضارتهم ولا يجب وضع الفئتين في سلة واحدة... بل هناك جماعات ومنظمات تؤيد القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية وتقف ضد إسرائيل في احتلالها وبعضها تواجه مضايقات كثيرة بسبب مواقفها الواضحة. الشيء الوحيد الذي لم يفهمه العالم الغربي -أو ربما لا يريد أن يفهمه أو لا يستطيع أن يفهمه في الوقت الحالي- هو أن مشكلة العرب مع العالم بسبب إسرائيل، فهذا الاحتلال الذي دام على مدى نصف قرن من الزمان جعل المواقف العربية على مختلف مستوياتها وأنواعها تنطلق من علاقة العالم بإسرائيل فقبل إسرائيل لم يكن للعرب أعداء متجددون بل هناك أعداء تقليديون معروفون... أما اليوم فمن الواضح أن الوضع قد تغير وبالتالي فإنه ما دامت إسرائيل موجودة سيبقى المبرر لخلق العداوات موجوداً ومتجدداً. إن استمرار إصرار بعضنا على تصوير الغرب على أنه عدو لنا هو خطأ يجب تداركه... وأما ما يفعله البعض من وضع كل من يخالفنا أو لا يتفق معنا في الأفكار أو المواقف في خانة الأعداء فهذا خطأ أكبر ويجب ألا يغيب عنا أننا لا نبحث عن خلق أعداء جدد مجاناً فمن يعادينا نعاديه، أما من يختلف معنا فنختلف معه فقط دون أن نعاديه ونتهمه بكل الاتهامات... والأهم من ذلك أن نحاول أن نتقرب منه ونوصل إليه أفكارنا التي ربما لا تكون واضحة بالنسبة إليه والتي بسببها اتخذ المواقف المعاكسة لنا. الملك هنري الرابع كان يرى أن أفضل وسيلة للتخلص من العدو هي في تحويله إلى صديق... بالطبع فإن هذه المهمة ليست سهلة بل على العكس إنها صعبة جداً وتحتاج إلى حكمة وذكاء وغالباً ما لا يستخدم الأعداء الحكمة في الخلاف بينهم قدر ما يستخدمون القوة. من المهم أن يحدد العرب أعداءهم حتى يعرفوا من هم أصدقاؤهم وبالتالي يستطيعون أن يعيشوا بشكل طبيعي مع العالم دون تربص أو تخوف من أحد أو تردد تجاه شيء ما، فحالة الشك التي يعيشها الإنسان العربي بمن حوله يفترض ألا تستمر طويلاً وخصوصاً أن أعداء العرب الحقيقيين ليسوا كثيرين بل على العكس هم القلة ولكنهم يكونون أحياناً في مركز القوة فيظهرون وكأنهم كثر... والمشكلة التي يجب الانتباه إليها هي أننا أحياناً عندما نسيء إلى أعدائنا أو من يعادوننا فإننا نسيء إلى أنفسنا دون أن نقصد. أخيراً يجب أن نعترف بأننا أكثرنا الحديث عن الحوار مع الآخر وأهمية التواصل معه وأهمية استيعابه وإيصال الحقيقة إليه، وصار من المهم أن نبدأ بخطوات عملية سواء مع الغرب الأميركي أو الأوروبي أو حتى مع الشرق الآسيوي من أجل إغلاق ملف الحوار وبالتالي تقليص عدد الأعداء وحصرهم في عدد صغير جداً لا يتعدى أصابع اليد الواحدة. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية-31-5-2006
|