روسيا... مفتاح الحل مع إيران

 

 جيفري كمب

 

إلى جانب الحرب الدائرة في العراق، أضحت الأزمة النووية الإيرانية تحتل الأولوية القصوى ضمن السياسة الخارجية لإدارة الرئيس بوش. فبينما تواصلت الجهود الحثيثة في مجلس الأمن لخلق إجماع بين الدول الخمس دائمة العضوية وإقناعها بممارسة المزيد من الضغوط على إيران بغية التخلي عن برنامجها للتخصيب النووي، يبرز الدور الحاسم لروسيا الذي من دونه لن يكتب النجاح لتلك الجهود. فلا شك أن روسيا في جعبتها الكثير لتقدمه من أجل حل الأزمة النووية الإيرانية، إذا ما أرادت، بالنظر إلى نفوذها الواضح في إيران. كما أنه من غير المرجح أن تظل الصين، العضو الدائم في مجلس الأمن، المعارض الوحيد للإجراءات العقابية الكفيلة بحمل إيران على الخضوع لقرارات المجلس إذا ما قامت روسيا بالخطوة الأولى في ذات الاتجاه. بيد أن الرهانات الاقتصادية والاستراتيجية التي تعول عليها روسيا من خلال علاقاتها الجيدة مع الجمهورية الإسلامية، تجعل من الصعب ضمان موافقة موسكو على مسألة فرض عقوبات ضد طهران. ومع ذلك يعتقد أغلب المراقبين بأن روسيا لن تتخذ إجراءات ضد إيران إلا في سياق حوافز تمس القضايا الحيوية لموسكو تؤمنها لها الولايات المتحدة.

لكن ذلك لن يرى النور مع الأسف إذا ما أخذنا الزيارة الأخيرة لديك تشيني إلى منطقتي البلقان وآسيا الوسطى كمعيار للسياسة الخارجية الأميركية. فقد أدلى نائب الرئيس الأميركي في كل من ليتوانيا وكازاخستان بخُطب أغضبت كثيراً حكومة الرئيس بوتين، حيث وجه تشيني تهماً لروسيا بقمع حرية المواطنين، وبتوظيف صادراتها الهائلة من النفط والغاز الطبيعي "كسلاح" ضد جيرانها. وفي تلميح واضح إلى سياسة روسيا تجاه أوكرانيا صرح تشيني "بأنه لا شيء يبرر إضعاف الوحدة الترابية لدولة جارة، أو التدخل لوأد الحركات الديمقراطية". ولئن كانت تصريحات نائب الرئيس جاءت لتعكس قلقاً حقيقياً يشعر به الأوروبيون والأميركيون بشأن السياسة الروسية إزاء الدول الصغيرة المجاورة لها، إلا أنها غير موفقة من الناحية السياسية، خصوصا في ظل سعي الولايات المتحدة إلى تأمين تعاون روسيا حول الملف الإيراني.

لكن تصريحات نائب الرئيس تشيني لا تدل على أنه مهتم كثيرا بالأولوية الأميركية المرتبطة بإيران. فمن ناحيتها تنظر روسيا إلى إيران باعتبارها شريكاً مهماً تقع أراضيها ضمن جزء حيوي من العالم يتميز بعدم الاستقرار، وهي مطلة على القوقاز وآسيا الوسطى، في حين ترى روسيا أن السياسة الأميركية في جوارها القريب، ترمي إلى المواجهة والصدام. ولم يعد سراً أن الهدف الذي سطرته الإدارة الأميركية وتعمل على تحقيقه يتمثل في تعزيز الحريات في منطقة آسيا الوسطى وتشجيعها، فضلا عن تطوير طرق متعددة لأنابيب نقل النفط في سياق أمن الطاقة الأميركي. وفي ظل هذا الوضع، على الولايات المتحدة أن تسأل نفسها ما الذي تستطيع تقديمه لروسيا حتى تقنعها بالتخلي عن شريك استراتيجي مهم كإيران؟ وبالطبع ليس خافياً على أحد الحوافز التي يمكن أن تقدمها واشنطن؛ مثل التعهد بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، والكف عن الإدلاء بالتصريحات المستفزة على أعتاب روسيا قبل أسابيع قليلة فقط من استضافتها لقمة مجموعة الثماني الكبرى. والأكثر من ذلك أن روسيا لا تتخوف فقط من التدخل الأميركي في حديقتها الخلفية، بل تتوجس أيضا من احتمال إبرام واشنطن "لصفقة كبرى" مع طهران تفقد خلالها روسيا مكانتها السياسية ونفوذها الاقتصادي على إيران.

وما لم يطرأ تغيير جوهري على السياسة الأميركية تجاه روسيا، سيبقى الوصول إلى أي اتفاق في مجلس الأمن بشأن الملف الإيراني أمراً صعب المنال، وهو ما سيشرع الباب أمام الولايات المتحدة للسعي نحو تشكيل "تحالف للدول الراغبة"، ستعمل من خلاله كل من أميركا والدول الأوروبية واليابان على حشد تأييد بعض الدول لفرض عقوبات اقتصادية على إيران دون ترخيص من الأمم المتحدة. ورغم العواقب الوخيمة التي ستترتب على هذا السيناريو، في حال حدوثه، على الاقتصاد الإيراني، فإنه من غير المرجح أن ينجح في دفع إيران إلى تغيير سياساتها النووية، لا سيما إذا ما ظلت روسيا والصين خارج تحالف الدول الراغبة.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-21-5-2006