الإصلاح وعلل الفرد العربي
د. علي محمد فخرو
في حلقة نقاش حول الإصلاح والديمقراطية، طرح أحد المتحدثين معوقات الإصلاح في بلاد العرب. ومن أهم المعوقات التي ذكرها، كان تجذُّر الفساد السياسي والمالي، وابتلاع الدولة للمجتمع المدني، وغياب المؤسسات الديمقراطية، وشخصنة الدولة في رئيسها، وضعف الطبقة الوسطى... والكثير غيرها من علل هذه الأمة المستباحة. غير أن القائمة لم تحتوِ على واحد من أهم المعوقات: جهل الفرد العربي وضعف ممارسته السياسية. فإضافة إلى أهداف الإصلاح، وهي في مجملها متَّفق عليها، هناك موضوع آلية الإصلاح والقوى الحاضنة له والمناضلة من أجله. وإذا أردنا استبعاد الانقلابات العسكرية التي أثبتت فشلها في الغالب من الأحوال، وإذا كنا قد قطعنا الأمل في وجود الحكمة والإخلاص والتقوى عند الغالبية الساحقة من قادة العرب، وإذا كانت الطبقة الوسطى، وهي حاضنة الإصلاحات الكبرى في التاريخ، تزداد ضعفاً في بلاد العرب، وأصحاب رؤوس الأموال العرب هم في عمومهم من أزلام السلطة السياسية الريعية... فإن الذي يبقى هو القوى السياسية الحزبية كأدوات للإصلاح والتغيير. وهنا تكمن المشكلة. هنا تكمن مشكلة ضعف وجهل الفرد العربي في ممارسته للسياسة. فعندما ينتظم الفرد العربي في حركة سياسية حزبية يمارس المآسي الثلاث التالية: فأولاً: هناك إشكالية الجديّة؛ فالعربي المنتظم في حركة سياسية لا يعتبرها مدخلاً أساسياً لحلّ مشاكله الحياتية، وبالتالي فإنه لا يسعى إلى تجنيد بقية الأعضاء لتبني القضايا التي لها ارتباط بمشاكله تلك. إنه ينتظر من قيادة حركته أن تشخّص الأوضاع التي يعيشها المجتمع ثم تحدد القضايا التي ستتعامل الحركة معها. ومع مرور الوقت تكبر الفجوة بين اهتمامات العضو واهتمامات الهيئة الحزبية التي ينتمي إليها، والتي بدورها تغذي سلبية العضو وتضمن بقاءه على هامش الهيئة وانقلاب الحركة إلى موضوع هامشي في حياته. إنها حلقة مفرغة تؤدى إلى أن تصبح الحركات السياسية العربية رؤوساً بالغة القوة فوق أجسام بالغة الضعف والترهُّل. وليس السبب في كل ذلك إلا غياب الجديّة الصارمة في تعامل الفرد العربي في الحياة السياسية. ثانياً: هناك إشكالية انتقال عدوى خضوع الفرد العربي للاستبداد الذي تمارسه الدولة والأسرة عليه، فحتى في المؤسسة السياسية العربية التي من المفترض أن تمارس فيها كل أسس الديمقراطية والشفافية، يسمح الفرد العربي لنفسه بأن يكون ضحية الاستبداد والاستغلال والعيش في الظلام، وتنقلب الحركة التي ينتمي لها من حركة تحرير وإغناء لحياته إلى مؤسسة استعباد أخرى حيث يمارس الاستعباد بصور خفيّة وملتوية. إن السقوط المذهل للديمقراطية في الأحزاب العربية هو نتيجة لتنازل الفرد العربي، طوعاً وعن طيب خاطر، عن حريته وكرامته وحقوقه، ولكسله عن الدفاع عما هو من حقّه في كل مكان يتواجد فيه. ثالثاً: هناك إشكالية التقوقع حول الذات؛ فعدم قدرة الفرد العربي على العمل كفريق واحد مع الآخرين هي من حقائق السوسيولوجيا العربية. ومن هنا يكتفي عضو الحزب بالانضمام للعضوية دون أن يسعى بقوة وباستمرار وبإلحاح لإدخال الآخرين. وإذا كان أفراد الطبقة الوسطى من المتعلمين قد التحقوا في الماضي بالأحزاب بسهولة فإن مهمّة إدخال أفراد الطبقة الفقيرة المسحوقة ستكون أصعب وستحتاج لمن يؤمنون بالمشاركة ويسعون إلى دفء الجماعة. ويخطئ من يعتقد أن أحزاباً قليلة العدد، قليلة الأتباع، تستطيع أن تكون أداة إصلاح وتغيير. إن أحزاباً تضمّ أعضاء بهذه العلل السلوكية ستبقى أحزاباً صغيرة متشرذمة لا جذور لها في الواقع العربي، ولن تكون أكثر من دكاكين التعاونيات التي تبيع البضاعة على أعضائها. وهي ستدور في هذه الحلقة الجهنميّة ما لم تنقلب إلى مدارس تغيير جذري في نفسية وسلوكيات من ينضمّون لصفوفها. إن الوضع العربي بالغ الصعوبة وبالغ التعقيد وسيحتاج من أجل إصلاحه لقوى سياسية بالغة التنظيم والانتشار معتمدة على أناس بالغي النضج، أي لقوى لم ترَها الأرض العربية بعد! و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر الذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية-18-5-2006
|