تقسيم العراق خطأ قاتل للولايات المتحدة الأميركية

 

أنطوني كوردسمان

 

أميركا ومخاطر تقسيم العراق

يقوم بعض الخبراء والساسة بالترويج لفكرة أن أميركا تقوم حالياً بالتفكير في تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات، على أساس أن ذلك التقسيم لن يؤدي فقط إلى القضاء على التمرد الذي أزعجها، ولكن سيساعد أيضاً على تأمين خروج مبكر لقواتها من ذلك البلد. وهؤلاء الخبراء والساسة مخطئون في رأيي: فتفتيت البلد لن يخدم مصالح العراق ولا مصالح الولايات المتحدة، علاوة على أنه سيجعل الحياة أكثر مشقة مما هي عليه الآن بالفعل بالنسبة للمواطن العراقي العادي.

المشكلة الأولى، هي أن العراق ليست لديه قائمة واضحة بالخطوط التي يمكن على أساسها إجراء التقسيم العرقي. فلم يكن هناك في أي وقت في الماضي إجماع محدد وواضح بخصوص العراق يبين بشكل محدد الكيفية التي يتم تقسيمه بها إلى سُنة وشيعة وأكراد، والأماكن التي تعيش فيها كل جماعة. والانتخابان اللذان عقدا منذ إطاحة صدام حسين، أوضحا أن مدن العراق، ومحافظاته الثماني عشرة توجد في كل منها أقليات كبيرة العدد إذا جاز القول.

لذلك فإن أية محاولة لتقسيم العراق وفقاً لخطوط طائفية وعرقية، ستتطلب عملية إعادة توزيع واسعة النطاق للسكان. والأرجح أن مثل هذا الأجراء سيتم من خلال الإجبار، وسيؤدي إلى إفقار السكان الذين أجبروا على الرحيل من أراضيهم وبيوتهم، علاوة على أنه سيترك إرثاً من الخوف والكراهية، مما سيؤدي بالتالي إلى تعطيل تعافي العراق السياسي والاقتصادي.

علاوة على ذلك، فإن العراق دولة تسكن غالبية سكانها في المدن. ويبدو هذا بوضوح في مدينة بغداد الكبرى، ومدينة الموصل، اللتين يسكنهما قرابة 40 في المئة من إجمالي سكان العراق. لقد رأينا صعوبة تقسيم المدن وفقاً للخطوط العرقية في أيرلندا الشمالية والبلقان وغيرها من الدول التي تسكنها أعراق مختلفة. وفي دولة مثل العراق ذات نظام خدمات مركزي ومتداع، واقتصاد فقير، فإنه لن يكون من الممكن فصل العنف عن الاقتصاد. فالقيام بتحديد إلى من تنتمي مدينة مثل كركوك مثلاً، وهي مدينة نفطية رئيسية، سيضع الأكراد في مواجهة مع جميع الطوائف العراقية المتبقية. أما البصرة وهي الميناء الرئيسي في البلاد فتقع بالفعل تحت سيطرة الشيعة والمليشيات الإسلاموية، ويمكن بالتالي أن تفقد شخصيتها العلمانية إذا ما تم تقسيم البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لا يمكن تقسيم البلاد من دون تقسيم الجيش، وقوات الأمن، والشرطة. ومن المعروف أن القوات المسلحة النظامية في العراق شيعية إلى حد كبير، كما يوجد بها أيضاً عدد كبير من الأكراد. أما القوات التابعة لوزارة الداخلية فهي شيعية إلى حد كبير كذلك، في حين أن الشرطة مختلطة -بشكل يستحيل معه فصلها- مع المليشيا، وقوات الأمن المحلية التي تنقسم وفقاً لارتباطاتها القبلية والطائفية والعرقية. وتقسيم البلاد يعني في جوهره تقسيم الجيش، وقوات الأمن، وتعزيز المليشيات، وهي كلها خطوات لو تمت فإنها ستؤدي إلى المزيد من العنف.

وبالطبع ليست هناك طريقة لتقسيم العراق لا ينتج عنها إطلاق صراعات حول السيطرة على النفط. فمن المعلوم أن ما يزيد على 90 في المئة من عوائد الحكومة العراقية تأتي من صادرات النفط، وأنه نظراً لأن الغرب السُّني لا توجد به حقول نفط عاملة، فإن هذا الجزء من العراق لن يحصل على عائدات من النفط. وإذا ما انتقلنا إلى موضوع الأكراد، فسنجد أنهم يريدون حقول النفط الشمالية، ولكن مشكلتهم أنه لا يوجد لديهم حق شرعي في المطالبة بها، ولا طريقة عملية لتصدير النفط الذي ينتجونه (جيرانهم في سوريا وإيران وتركيا لديهم أقلياتهم السكانية الكردية المضطربة، وبالتالي فليس لهم أي مصلحة في مساعدة أكراد العراق على تحقيق حريتهم والمحافظة عليها). والسيطرة على البصرة ستكون أيضاً من الموضوعات ذات الأهمية، خصوصاً إذا ما عرفنا أن المجموعات الشيعية المختلفة تتطلع إلى السيطرة على منابع النفط في الجنوب.

هذا فضلاً عن أن تقسيم العراق سيضر بالاستقرار الإقليمي والحرب على الإرهابيين كذلك. فالجماعات السُّنية الإسلاموية المتطرفة المرتبطة بـ"القاعدة"، سيطرت فعلياً على المتطرفين السُّنة. وبالتالي فإن أي تقسيم ستنتج عنه حتماً زيادة سيطرتهم على العراقيين العاديين. ونظراً لأن السُّنة العراقيين بعيدون عن أموال النفط، فإن الدول العربية السُّنية مثل مصر والمملكة العربية السعودية ستجد نفسها مضطرة لمساعدتهم، على الأقل لتجنب جعل المتطرفين الإسلامويين يستحوذون على هذا الجزء من العراق.

إيران ستقوم بالتنافس مع غيرها على الشيعة العراقيين. أما الأكراد، فهم من دون أصدقاء، لأن تركيا وإيران وسوريا ستسعى جميعها إلى خلخلة استقرار الشمال، واستغلال الانقسامات الموجودة بين الحزبين الكرديين السياسيين الرئيسيين. وفي النهاية، فإن هذه الانقسامات يمكن أن تفيض على باقي الشرق الأوسط والعالم العربي، ما يؤدي إلى انبعاث خطر وقوع صراعات محلية، وإلى نوع من التوتر الديني الذي سيصب في النهاية في مصلحة التطرف الإسلاموي.

لقد ارتكبت واشنطن أخطاء خطيرة في العراق، قد تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية، ولكن الأمر المؤكد بالفعل، هو أن تقسيم العراق سيجعل الأمور أسوأ بكثير لأنه سيوصل رسالة مؤداها أن أميركا قد هزمت، وتخلت عن أمة وعن شعب. وحتى إذا ما استطعنا أن نتغاضى عن حقيقة أن الولايات المتحدة قد قامت فعلياً بكسر ظهر العراق، وأن عليها مسؤولية تجاه 28 مليوناً من سكانه، فإنه من المستحيل علينا أن نتمكن من إنكار أن ترك فراغ قوة وراءنا في منطقة خطرة بالفعل، لا يمثل استراتيجية قابلة للحياة.

باحث رئيسي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن

و كل ذلك بحسب راي أنطوني كوردسمان في المصدر المذكور .

المصدر : ICAWS -  ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز" – 11-5-2006