إيران والغرب... وحدود استخدام "ورقة النفط"
أدت المواجهة النووية الإيرانية مع الولايات المتحدة وأوروبا، إلى إثارة تكهنات عديدة بأن سعر برميل النفط سيصل إلى 100 دولار، وسعر برميل الجازولين إلى 4 دولارات في الولايات المتحدة. وهذه التكهنات لو تبلورت حقاً فإن ذلك سوف يؤدي إلى أزمة طاقة عالمية، وإلى حالة من الركود الاقتصادي العالمي. والغرب يشك بالفعل أن برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني ما هو إلا غطاء لتصنيع قنبلة نووية. وإيقاف هذا البرنامج يمكن أن يتطلب قيام مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على طهران، كما يمكن أن يتطلب أيضاً اتباع خيار أخطر من ذلك هو أن تحاول الولايات المتحدة أو إسرائيل توجيه ضربة قاضية جوية أو صاروخية للمنشآت النووية الإيرانية. وفي حالة توجيه ضربة عسكرية إليها، فإن إيران قد تقرر الانتقام -حتى لو كان هذا الانتقام سيأتي على حساب مصالحها الاقتصادية- من خلال تخفيض صادراتها النفطية بشكل كبير. ومما يذكر في هذا الصدد أن قائد الحرس الثوري الإيراني، حذر في سبتمبر الماضي من أن "أي مقاطعة ضد إيران" يمكن أن تؤدي إلى رفع أسعار النفط حتى تصل إلى 100 دولار للبرميل الواحد. تعليقا على ذلك يقول "ميلتون إزراتي" الخبير الاقتصادي لدى شركة "لورد أبيت" بجيرسي سيتي في ولاية نيوجيرسي وهي شركة استثمار مشترك في الأسهم والسندات: "من السهل أن نرى سعر برميل البترول وقد وصل إلى 100 دولار ولكن إذا ما رأت شركات تجارة النفط أن الإجراء الذي اتخذته إيران، وأدى إلى وصول النفط إلى هذا السعر هو مجرد مناورة دبلوماسية قصيرة الأمد، فإن سعر النفط سرعان ما سيعاود النزول مرة أخرى لمستوى 62 دولاراً للبرميل". ويحذر "إزراتي" من أن القيام بعمل طويل الأمد ضد إيران سيتسبب في ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات عالية، كما سيؤدي إلى التأثير سلباً على التعافي الاقتصادي الذي لا يزال في مراحله الأولى في أوروبا واليابان، كما سيؤدي أيضاً إلى إبطاء الاقتصاد الأميركي بصورة خطيرة. الكثير من الإيرانيين يقولون إن بلادهم تعامل بصورة غير عادلة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. ويبدو هذا واضحاً من الأسئلة التي يتم توجيهها إلى أجهزة الإعلام أو يتم نشرها على شبكة الإنترنت، وذلك كما يقول "آيه. إف. الحاجي" الاقتصادي في "جامعة شمال أوهايو" الأميركية. من ضمن تلك الأسئلة: لماذا يتم حرمان إيران من حقوقها الاقتصادية من خلال فرض عقوبات اقتصادية عليها تستمر لعقدين من الزمان؟ قد يكون لدى الولايات المتحدة وحلفائها إجابة على هذا السؤال، لكن البروفيسور "الحاجي" يتساءل فيما إذا كان يمكن للضغوط السياسية الداخلية في إيران، والناتجة عن المشاعر القومية المحتدمة للشعب، أن تؤدي إلى إجبار الحكومة الإيرانية على الانتقام من خلال قطع صادراتها النفطية أو الحد منها؟ يجيب "الحاجي" نفسه على السؤال بالقول بأن إيران تستطيع أن تقوم بإجراء آخر بدلاً من هذا. فهي تستطيع أن تعطي الأوامر لعملائها في العراق كي يقوموا بتخريب صادرات النفط العراقية من ميناء البصرة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن الشيعة هي الطائفة المسيطرة سواء في جنوب العراق أو جنوب إيران. وهذا التخريب للصادرات يمكن أن يؤدي إلى تقليص الصادرات النفطية العالمية بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً وهو ما سيؤدي إلى هبوط كميات النفط المصدرة إلى الأسواق العالمية بنسبة 1.3%. و"الحاجي" يرى أنه إذا ما تم توجيه ضربة جوية أميركية أو إسرائيلية إلى إيران فإن كل الرهانات ستصبح مفتوحة. فيمكن مثلاً في حالة مثل هذه أن تقوم إيران على سبيل الانتقام بمنع تصدير وشحن البترول عبر مضيق هرمز وهو ما سيؤدي إلى الحيلولة دون وصول شحنات نفط دول الخليج إلى الأسواق العالمية. ونتيجة لأن سقف الرهانات سيكون مرتفعاً، بمعنى أن أي شيء يمكن أن يحدث في حالة استخدام القوة العسكرية ضد طهران، فإن القوى الكبرى وإيران ستواصل المباحثات لحل لهذه الأزمة، بل إن هناك تقارير صحفية تفيد بأن هناك مباحثات مباشرة تجري بين الولايات المتحدة وإيران حول العراق. واستخدام النفط كأداة للمساومة من جانب طهران له قيمة محدودة. يرجع السبب في ذلك أن إيران تحصل على 90% من عوائدها الحكومية من النفط حيث تبلغ صادراتها من النفط 2.5 مليون برميل يوميا، تشكل 80 في المئة من إجمالي صادراتها من جميع المواد، علاوة على أن النفط يوفر لإيران ما نسبته 40 في المئة من ناتجها القوي الإجمالي. مع ذلك فإن إيران هي الدولة النفطية الوحيدة التي تعاني من عجز في الميزانية العامة. والشعب الإيراني يعتمد اعتماداً كبيرا كما يقول "الحاجي" على الإعانات الحكومية، للحصول على السلع الأساسية وعلى احتياجاته من الوقود. وخلال الفترة ما بين 1980 إلى 2005 ارتفع عدد سكان إيران من 22.4 مليون نسمة إلى 68 مليون نسمة، في حين لم يرتفع إنتاجها اليومي من النفط خلال تلك الفترة إلا بمقدار 600 ألف برميل بترول. ولذلك يرى بعض المراقبين أن قيام إيران بتخفيض كميات النفط التي تقوم بتصديرها للخارج سينعكس بصورة خطرة على الأوضاع الداخلية بها. وحول هذا يقول السيد "الحاجي": إذا ما كان الإيرانيون يرغبون في الانتحار فإنهم يمكن أن يقوموا بذلك". في نفس الوقت فإن الضربة التي ستوجهها طهران إلى أميركا من خلال ذلك لن تكون عنيفة. الدليل على ذلك أن إعصار "كاترينا" حرم السوق النفطي الأميركي من 1.5 مليون برميل كان يتم تصديرها يوميا من خليج المكسيك ومع ذلك لم ترتفع أسعار النفط سوى بمقدار 10 دولارات فقط. علاوة على ذلك فإن أي خفض في كميات النفط الإيرانية المصدرة، سوف يمكن تعويضه من خلال زيادة الكمية التي يتم ضخها من الدول الأخرى الأعضاء في منظمة "أوبك"، ومن خلال اللجوء إلى استخراج كميات إضافية من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي ذاته. *ديفيد فرانسيس : كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية و كل ذلك بحسب الراي ديفيد فرانسيس في المصدر المذكور . المصدر : الاتحاد الاماراتيه – 8-4-2006
|