ولكن.. ماذا عن نفط العراق..؟!
ثريا الشهري
شهد عام 2004 تصعيداً موجهاً لتخريب وتعطيل المنشآت النفطية العراقية بشمالها وجنوبها، توقف معها تصدير النفط لفترات متقطعة، بلغت خسائرها ثمانية مليارات دولار، لتؤكد تقديرات المجلس الوطني للمخابرات الأمريكية في يوليو 2004 بشأن سير الوضع الأمني في العراق، على احتمالية تطور الموقف خلال الشهور الـ18 القادمة (أي حتى بداية عام 2006) من سيناريو الاستقرار المهزوز القابل للانهيار إلى اندلاع حرب أهلية، فتأتي الأيام لتنبئنا بإجابات مختلطة عن معالم هذه الساحة السياسية، فمن يقرأ المشهد بحربه الآتية، إلى من يحلل بشيء من التعميم بضرورة تجنب حرب تؤدي إلى تفكيك الدولة، أمّا كيف السبيل إلى ذلك! فبالاتفاق وإيجاد وحدة وطنية تمثل الشعب بمختلف انتماءاته وطوائفه. إنه مجرد كلام في السياسة يحمل مع سيولة الأحداث وتداعياتها المستمرة والمفاجئة من الاحتمالات والاستنتاجات ما يجعل من مهمة أي مختص بالشؤون العراقية شاقة ومحفوفة بالتكهنات. ومع هذا كان يمكن لنا التحقق من فرص تلك الفرضيات المطروحة، والتي مللنا سماعها، إلا أن اهتمامنا اليوم قد انصرف إلى ملف أكثر غموضاً وإثارة.. إلى النفط العراقي، وأصل الحكاية كلها. هل فشلت سلطات الاحتلال في تحقيق الزيادة المرجوة في إنتاج النفط العراقي، أو في تأمين منشآته وخطوط إمداداته؟ للحقيقة أنه لم تحظ شركة نفط الجنوب العراقي منذ ثمانينات القرن الماضي، بأية تقنية نفطية حديثة، تقلل من كلفة الإنتاج أو تحسن نوعيته، أو تضخه بصورة عقلانية وعلمية وبموجب معايير الإنتاج العالمي للنفط، دون أن يستثنى من ذلك عقد التسعينات، الذي أفضى بدوره إلى عزل هذا القطاع الحيوي تماماً عن تحولات صناعة النفط من حوله، فإذا أخذنا في الاعتبار ما تعرضت له رابع أكبر شركة نفط عالمية من إجهاد مضاعف من قبل حكومة صدام لاستخراج كميات إضافية من آبارها دون مراعاة للجوانب الفنية، فمعناه العلمي الإصابة بشقوق طبيعية بسبب القدم وتخلف طرق الصيانة، أو بعبارة أوضح، ارتفاع نسبة النفاذية وتوقف الإنتاجية في وقت مبكر مقارنة بالتوقعات، فماذا بعد انتقالنا إلى مرحلة ما بعد صدام؟ ومع معلومة تقول أن لكل بئر عمراً اقتصادياً وفنياً يبلغ فيه ذروة يبدأ منها ومع تواصل «حلبه» بالتراجع، فهل والحال هذه اتخذت القوات المتحمسة لما «وراء الاحتلال» الإجراءات المفصلية للحيلولة دون هكذا تدهور؟ كان من المؤمل عقد مؤتمر عالمي للنفط في البصرة ترعاه شركة نفط الجنوب في ابريل عام 2004، ولكن يبدو أن هنالك جهات لم يرق لها تطوير حقول الجنوب، وإعادتها إلى معدلاتها الإنتاجية، إلى حيث أعلى إنتاج نفطي للعراق عام 1979 حين وصل إلى3.7 مليون برميل يومياً، منها 2.7 مليون برميل من نفط الجنوب وحده، ومع هذا، تبقى قضية إعاقة انعقاد مؤتمر لإنعاش حقول نفط العراق الجنوبي غير مرشحة للعناوين الرئيسية، فهناك ما هو أخطر منها وأعوص! فماذا عن خسارة ملايين الدولارات بفعل الهجمات المكررة على أنابيب النفط! ماذا عن مليوني لتر على أقل تقدير يتم تسريبها يومياً من المنتجات النفطية! ماذا عن عصابات النفط ونفوذها في بيعه وتهريبه، حيث الأنابيب الممددة تحت الأرض والمحملة بالنفط الخام إلى قوارب تنتظر نقله للمياه الإقليمية! ماذا عن التغاضي عمداً عن عمليات التهريب خوفاً من مواجهة مفتوحة أو تحسباً لتورط مسؤولين! ماذا عن صادرات هبطت في ديسمبر الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2003 إلى حد 1.1 مليون برميل يومياً! ماذا عن تفجيرات تخريبية لم توفر حتى أنابيب نفط الشمال باتجاه تركيا! ماذا عن خسائر تقدر بنحو 2.5 مليار دولار في ميزانية الربع الأول فقط من عام 2006! ثم ماذا عن استمرار عمليات استيراد المشتقات النفطية الخليجية والإيرانية والتركية من قبل دولة تملك ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم! والآن، وبغض النظر عن السرقات وهبوط الصادرات والانقسامات والاتهامات، ماذا عن أرباح نفط العراق نفسه! ماذا عن إيراداته! فهي مهما انخفضت تبقى رقماً ذا خانات وأصفار، فماذا عنها! من يتسلم هذه الأموال وهذا التناحر والتقاطع الدائر! وأين تذهب العائدات! وكم نصيب القوات الأمريكية منها! فلا أظن أنها تكبدت النار من أجل عيون الرماد، ثم من يقرر تقسيم أموال النفط، وكيف تقسم، وكم يخصص منها لإعمار البلاد وبناء بنيتها التحتية، وكم يذهب منها للنهوض بحياة شعب، ومن يرأس مجلس الطاقة العراقي ولجنة العقود الحكومية بقوله: «النفط يملكه الشعب لا الحكومة»، وعليه، لا يكون تبجحاً منا لو سألنا عن صفقات النفط التي يتم التفاوض عليها سراً وتكتماً داخل العراق وخارجه، بمباركة الحكومات وكبار الشركات، وتتناول توزيع «الجائزة» الكائنة في الشرق الأوسط، التي تحدث عنها ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي ورئيس شركة «هاليبرتون» الأمريكية لخدمات النفط في العام 1999، فالنفط للشعب، أليس هذا ما قيل. ثم، وفي خطوات التحضير لخروج القوات الأمريكية والبريطانية في عام2007 وكما أعلن، فالسؤال الاقتصادي إنما يحوم حول ماهية المشاريع والاتفاقات التي سيطلب من الحكومة العراقية المنتخبة قبل الانسحاب التصديق عليها لتقاسم الإنتاج مع شركات متعددة الجنسيات وبهيمنة أمريكية وبريطانية! فإلى كم سنة قادمة ستمتد العقود طويلة الأجل مع شركات الأمريكان، وخاصة مع إلغاء إدارة بوش لكامل ديونها المتجاوزة الأربعة مليارات دولار، والمستحقة لواشنطن على العراق! صحيح، قد لا يكون أمام العراق من بديل عن هذا النمط من العقود، الذي يضمن معه أقلها التمويل لإصلاح مرافق صناعة نفطه، ولكن هل يعادل أو يقارب مكسب أمريكا من غزو العراق خسائرها فيه! أم هل يعوض النفط أو ما بقي منه عن تاريخ معاناة! أم أن مصير أوطاننا في تحول نعمها إلى نقم، تدفع ثمنها الشعوب دائماً؟ وكل ذلك بحسب المصدر ونصا . المصدر: الشرق الأوسط- 3-4-2006
|