الوصول
إلى البيت الأبيض الجزء السهل من المهمة
فيليب
ستيفنز
العاصفة التي اجتاحت
الأسواق المالية أدت إلى تغيير ملامح السباق الرئاسي في الولايات
المتحدة. النتائج المترتبة على هذا الانهيار، سياسياً واقتصادياً،
ستكون لها آثار عميقة على مسار الرئاسة المقبلة.حالات الانهيار التي
تعرضت لها الأسواق المالية وفشل جون ماينارد كينز في استعادة مكانته،
مكنا باراك أوباما من إحراز تقدم قوي في السباق نحو البيت الأبيض. إن
أمريكا تعيش إحدى تلك اللحظات النادرة التي يُنظر فيها إلى الحكومة على
أنها الحل وليست العائق. فالناخبون يريدون الحماية من العواصف.
استطلاعات الرأي على المستوى الوطني أعطت أوباما تقدماً بمتوسط ثماني
نقاط. وبحسب الخبراء الاستراتيجيين في الحزب الديمقراطي، حتى هذه
الميزة لا تعكس قوة موقفه بالكامل في الولايات ذات الأهمية البالغة في
معركة الانتخابات. ويعترف بعض الجمهوريين في مجالسهم الخاصة بأن موقف
أوباما ربما يكون حصيناً. وفي استطلاع للرأي أجرته "ناشونال جورنال"
وسط المستشارين السياسيين في الحزب الجمهوري، تبين أن أربعة من كل خمسة
منهم يتوقعون فوز الحزب الديمقراطي.قبل وقت ليس بعيدا بدا من المرجح أن
تدور الانتخابات حول الموقف من الوضع في العراق. وكان أوباما يرى أن
تعهده بإنهاء الحرب عنصر أكيد لكسب أصوات الناخبين. أما جون ماكين فقد
عثر على ثغرة مكنته من جعل إطار الانتخابات يدور حول الخبرة المطلوبة
في القائد العام للقوات المسلحة.
الجمهوريون أحرزوا بعض
التقدم مبدئياً كذلك من خلال الاستراتيجية المجربة، المتمثلة في تركيز
الأضواء على خصمهم. أما الهدف المسكوت عنه فهو "غيرية" أوباما: لأسباب
متنوعة تشمل إرثه الأمريكي الإفريقي، وما يزعم من انتمائه إلى الصفوة،
وشكوك حول وطنيته. وبإقدام ماكين على اختيار شخصية شعبية مثل سارة
بالين رفيقة في البطاقة الانتخابية، فهو بذلك يؤكد أن أوباما بعيد عن
الانتماء لأمريكا وطنا وبلدا غربيا.
كل ذلك تم القضاء عليه
ومعه الحوافز البالغة عشرة ملايين دولار، التي اعتبرتها بنوك الاستثمار
في وول استريت حقاً مشروعاً لها. وأظهرت استطلاعات الرأي أن أكثر من
ثلثي الأمريكيين الآن يعتقدون أن الاقتصاد هو أهم قضية. ولا يزال
العراق يأتي في المرتبة الثانية، لكن حسب "جالوب" هناك عدد يزيد قليلاً
عن 10 في المائة يعتبرون الحرب عنصراً حاسماً في نتيجة الانتخابات
وسيكون أمراً مضللاً أن نقول إن المرشحين ارتفعا إلى مستوى هذا التحدي
الجديد, الاقتصاد، بالطبع، يحتل مركز الصدارة في كل خطاب سياسي. وجاءت
المبادرات تترى بسرعة، لكن المعالجات كانت عبارة عن مسكنات للأزمة وركز
كلا الرجلين على برامج قصيرة الأجل لتنشيط الاقتصاد – خفض الضرائب،
برامج الإنفاق، أو كليهما - من أجل التقليل من حدة الألم من الركود
المقبل. ولم يكن أي منهما يرغب في الحديث عن التضحيات المطلوب تقديمها
خلال السنوات الأربع المقبلة، إذا أرادت أمريكا إجراء إعادة توازن
أساسية لاقتصاد غارق في الديون.
أوباما هو الأكثر
اطمئناناً لموقفه. فالرزانة التي أظهرها في الحوار الثالث والأخير
الأسبوع الماضي تظهر مرة أخرى تمتعه بالثقة والهدوء. والحوار الذي دار
كان هو الأكثر أهمية في اللقاءات الثلاثة التي تمت. لكن يبدو من غير
المحتمل أن تغير مسار المنافسة. ويواجه ماكين صعوبة متزايدة يوماً بعد
يوم في كبح مشاعر الإحباط التي يحس بها ويمكن أن تعرف سبب ذلك،
فالتعهدات الكثيرة التي قدمها أوباما حول الضرائب والإنفاق بالكاد
تتلاءم مع العجز المتزايد في الميزانية. ونغمة الحمائية المتصاعدة في
تعهداته بحماية فرص العمل للأمريكيين تتصادم مع الوعد باستعادة وضع
البلاد في العالم. إن خطاباته تحمل وهجاً مهنياً وضعته مجموعة من
المستشارين الاقتصاديين من عهد كلينتون وعلى النقيض من ذلك بدا ماكين
يحاول التشبث بالحلول. وعد بخفض للضرائب هنا، وآخر هناك. فالانطباع
العام هو غياب الاستراتيجية. وفي غضون ذلك، الأخبار الاقتصادية السيئة
تنذر بارتباط وثيق بتركة الدين التي تبعث على الإحباط، التي خلفتها
إدارة بوش ربما تحس بارتفاع حدة غضب ماكين هذا الأسبوع عندما بدا أنه
يتهم بوش بقضاء الثماني سنوات الماضية "وهو ينتظر حدوث تغير في حظه".
كما أقدمت بالين على رجم الرئيس: "نحن لا نريد شخصاً آخر في البيت
الأبيض يبدد الأموال". يا إلهي، بهذا القدر من الانتقادات سيبدأ الناس
قريباً الشعور بالأسى على بوش سيئ الحظ وفوق كل ذلك، الاضطراب العنيف
في أسواق المال ينبغي أن يكون منبهاً على السرعة التي يمكن أن تتغير
بها الأمور.
مؤيدو أوباما يعانون من
تغيرات حادة في المزاج. في لحظة من اللحظات يكونون مقتنعين بأن
الديمقراطيين يتجهون نحو فوز كاسح، وفي لحظة أخرى ينتابهم إحساس بأن
الجائزة ربما تختطف منهم في الدورة الأخيرة من السباق وفي كاليفورينا،
حيث قضيت الأيام القليلة الماضية، كان الديمقراطيون مسكونين بما يعرف
بـ "تأثير برادلي". توم برادلي خسر سباق المنافسة على منصب حاكم
الولاية عام 1982، على الرغم من أن استطلاعات
الرأي أعطته تقدماً مقنعاً. والسبب أن برادلي كان أسوداً.
أكثر شيء يثير انتباه
المراقب الخارجي هو المسافة بين الخطاب التعبوي والحقائق الاقتصادية
التي تواجه الرئيس الجديد. فكلا المرشحين ظل يتحدث عن إصلاح النظام
المالي ولم يعترف أي منهما، ربما حتى لأنفسهما، بأن إصلاح الاقتصاد
سيكون مشروعاً أكثر صعوبة.الأزمة المالية العالمية مرآة تعكس التحولات
الضخمة في القوة الاقتصادية في العالم. وأحد أكبر الدروس التي يمكن
للرئيس المقبل استنتاجها أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاعتماد إلى
ما لا نهاية على الاقتصادات الصاعدة في آسيا لتمويل الإنفاق في البلاد،
فهي لديها بالفعل قدر كاف من الدولارات وحتى قبل إضافة تكلفة إنقاذ
البنوك وبرامج التنشيط التي وعد بها المرشحان إلى الحسابات، تشير
التقديرات إلى أن عجز ميزانية الولايات المتحدة في العام المقبل سيزيد
عن 500 مليار دولار. وربما تتكشف الأمور عن عجز
يساوي ضعف ذلك المبلغ الضخم لقد سمعت مؤيدين لأوباما يقولون "لا يهم".
فبمجرد فوزه، يمكنه أن يعلن بأن الأمور أسوأ بكثير مما كانت تبدو عليه.
ووجود كونجرس يسيطر عليه الديمقراطيون من شأنه أن يحد من طموحاته وحتى
إذا تمت تنحية الشكوك في صدقية النوايا السياسية جانباً، فإن ذلك لا
يظهر الحجم الحقيقي للتحدي. فإصلاح الاقتصاد - بإقناع الناخبين
بالإقلال من الاستهلاك وزيادة الإدخار وإعادة توجيه الإنفاق نحو
الاستثمار في البنيات الأساسية المتهالكة في البلاد - يتطلب مستودعاً
هائلاً من السلطة الأخلاقية. ماذا يقول الناخبون عندما يقول لهم أوباما،
إذا كتب له الفوز، إن الخزانة لا تتحمل تكاليف تنفيذ الخطة الصحية التي
وضعها؟
منذ بداية الحملة، وعد
أوباما بأن يستعيد الاحترام لقيادة الولايات المتحدة في العالم.
والطريق إلى ذلك، كما قال، هو إنهاء الحرب في العراق. وأي شخص يعرف أن
ذلك سيكون أمراً أصعب بكثير مما يعترف هو به لكن في نهاية الأمر، سلطة
أمريكا تعتمد على الاقتصاد. فالرئيس المقبل ينجح فقط إذا أظهر أنه
يمتلك القوة السياسية لاستعادة العافية الاقتصادية. بيل كلينتون كان
على صواب؛ إنه الاقتصاد فعلا أيها الغبي.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:aleqt.com
|