الرئيس الأمريكي الجديد و"فراغ" المرحلة الانتقالية

 

ريتشارد أرميتاج 

 

 

ربما تكون الأشهر الأولى من عام 2009، أكثر الأشهر زعزعة في التاريخ الأميركي. فمع وصول الرئيس المقبل إلى البيت الأبيض، سيكون بانتظار صدور أوامره حوالي 350 ألف جندي من الجنود المنتشرين خارج حدود الولايات المتحدة، في أول خطوة انتقالية حربية من نوعها منذ إدارة كل من جونسون ونيكسون قبل 40 عاماً ولن تقع على الإدارة المقبلة مسؤولية تحمّل وزر حربين جاريتين فحسب، وإنما يتوقع لها أن ترث عبئاً من التحديات الأمنية الكبيرة: الصراع الدولي ضد العنف والتطرف، استمرار نشر الأسلحة النووية من قبل الدول المعادية لبلادنا، تزايد التحديات المرتبطة بأمن الطاقة والتغير المناخي، الإجهاد العسكري بسبب تعدد جبهات القتال وتزايد الالتزامات الحربية الخارجية، تراجع الأداء الاقتصادي وانحداره صوب الكساد، إضافة إلى تراجع مكانة أميركا ودورها عالمياً، أكثر من أي وقت مضى ولهذه الأسباب مجتمعة، فإن الفراغ الأمني في البيت الأبيض خلال الفترة الممتدة بين موعد انعقاد المعركة الانتخابية الرئاسية الفاصلة، وتاريخ تنصيب الرئيس الجديد، يحمل معه الكثير من المخاطر هذه المرة، ولتجنبها فإنه لابد من إنجاز هذه الفترة الانتقالية بأسرع وأفضل ما يمكن. فكما لاحظ الأدميرال مايكل مولين، رئيس أركان القيادة المشتركة مؤخراً: "فإن من الأهمية بمكان أن يتم تعيين أكبر عدد ممكن من المسؤولين في الوظائف القيادية الأمنية في أسرع وقت ممكن في زمن الحرب".

وفيما لو اتخذنا من التاريخ الأميركي القريب مرشداً عاماً لنا في ملء هذا الفراغ القيادي الأمني في البيت الأبيض عقب انتهاء ولاية كل رئيس أميركي، فإن المرجح أن تستغرق هذه العملية ستة أشهر أو ما يزيد عليها بقليل. ففي إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، تمت إجازة ترشيح وكيل أول وزارة الدفاع لمنصبه في شهر مايو من العام التالي للانتخابات. بل في تاريخ أقرب من ذلك، اضطر وزير الخارجية السابق كولن باول إلى الانتظار لمدة ستة أشهر قبل أن يفرغ كبار موظفي فريق وزارته من سلسلة الإجراءات الطويلة المؤلمة المتصلة بالترشيح، ثم إجازة الترشيح وصولاً إلى إجراءات براءة الذمة الأمنية غير أن العالم لن يتوقف أو ينتظر حتى نفرغ نحن من تنصيب رئيسنا الجديد، ولطالما وُوجه العديد من رؤسائنا السابقين باختبارات جدية صعبة خلال الأشهر الأولى من توليهم لمنصبهم. فقد تورط الرئيس جون كنيدي في مأزق خليج الخنازير في أبريل عام 1961، وكذلك أمر ريتشارد نيكسون بتنظيم حملة قصف جوي سرية على كمبوديا في مارس 1969، بينما ورث كلينتون وضعاً أمنياً متدهوراً في الصومال في مايو 1999، لنصل إلى تصدي الرئيس الحالي جورج بوش لحادثة إسقاط الصين لطائرة EP-3 التابعة لسلاح البحرية الأميركي في أبريل من عام 2001. والمرجح أن يتعرض الرئيس المقبل لاختبار أكثر قرباً من توليه لمنصبه بكثير، أي يسبق استلامه مقاليد الأمور رسمياً. وهذا ما يدعم حقيقة أنه ليس في مقدور أمتنا الانتظار لمدة ستة أشهر لاحقة لتنصيب الرئيس، حتى يتم شغل المناصب الأمنية الرئيسية. وليكن الهدف إذن أن يُنجز هذا الواجب خلال أيام أو أسابيع فحسب، شريطة ألا يتجاوز تاريخ 20 يناير من العام المقبل ولن يتحقق هذا إلا بتسريع إجراءات براءة الذمة الأمنية للمرشحين لشغل هذه الوظائف، حتى يتمكن الرئيس من تكليف فريقه الأمني بتطوير استراتيجية أمنية فاعلة وقادرة على تحديد أهدافها وأولوياتها بكل وضوح وكفاءة، إلى جانب تحديد الكيفية التي يتم بها تنفيذ هذه الاستراتيجية ووضع القرارات اللازمة للتعامل مع ما هو طارئ منها. ولعل النموذج التاريخي الأمثل لهذا هو "عملية سولاريوم" التي شهدتها بدايات إدارة الرئيس الأسبق إيزنهاور. فبموجبها تم تعيين ثلاثة فرق قيادية كلفت بوضع خطط بديلة متعددة لتحديد كيفية التعامل مع الاتحاد السوفييتي.

وإذا ما تكررت "عملية سولاريوم" هذه اليوم تارة أخرى، فإنها سوف توفر للرئيس المقبل فرصة لا تقدر بثمن لرسم نهج جديد للولايات المتحدة الأميركية ودورها في المسرح الدولي، إضافة إلى ما توفره له من فريق أمني متماسك ومتفق على رؤية أمنية مشتركة وقادرة على فهم اتجاه الرئيس ونواياه وبسبب ظروف الحرب التي تمر بها الولايات المتحدة الآن، فإنه ليس بوسعها التعامل مع إجراءات الترشيح وإجازة الترشيح وبراءة الذمة الأمنية بذات النهج البيروقراطي العادي الذي تتم به هذه الإجراءات في الأوقات العادية الأخرى. فنحن بحاجة للتوصل إلى إجماع ثنائي حزبي بين المرشحيْن الرئاسييْن والجهاز التنفيذي ومجلس الشيوخ، بشأن تنسيق وتسريع إجراءات تعيين نحو 40 أو 50 من كبار مسؤولي فريق الأمن القومي التابع للرئيس الجديد وعلى وجه التحديد، فإن المطلوب من كلا المرشحيْن الرئاسييْن أن يقدم قائمة ترشيح تتراوح بين 40 إلى 50 اسماً لكبار مسؤولي الأمن القومي بوزارات الخارجية والدفاع والأمن الوطني والأجهزة الاستخباراتية بحلول الأول من ديسمبر المقبل. ثانياً: على "مكتب إدارة شؤون الموظفين" أن يتعهد بتسريع إجراءات التعيين في شتى مراحلها ومستوياتها. ثالثاً: يجب على مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيره من الأجهزة المسؤولة عن إصدار براءة الذمة الأمنية أن تتعهد هي الأخرى بتسريع إجراءاتها. رابعاً: يتعين على مجلس الشيوخ ولجانه المتخصصة والمعنية بإجراءات التعيين هذه، الالتزام بتسريع عقد جلسات السماع الخاصة بإجازة أسماء المرشحين. خامساً: على مسؤولي الإدارة الحاليين ممن يتولون مسؤوليات أمنية أو عسكرية قيادية متعلقة بالحرب على العراق وأفغانستان، القيام بواجب تنوير من يخلفونهم في هذه الوظائف تذليلاً لمهمة انتقال المسؤوليات. وأخيراً على الإدارة المقبلة الإبقاء على كبار المسؤولين الأمنيين الحاليين في مناصبهم الحالية إلى حين التأكد من إجازة أسماء المرشحين الجدد لهذه المناصب.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alittihad