نحو
ستراتيجية تفاوضية ناجحة للاتفاقية العراقية ـ الأميركية؟
سعد
سلوم
اصبح بحكم الموضة ان
يطالب السياسيون باشراكهم او في الاقل تمثيلهم في كل قرار يهم مستقبل
البلاد، طبقا لثقافة المحاصصة التي تنال اللعنات والانكار في العلن
ويتم التنعم بثمارها والتمسك بها في الجلسات الخاصة، وكأن المصير
العراقي قابل للتجزئة والابحار في مياه الشرق الاوسط المتلاطمة يحتاج
الى الانغلاق داخل الكتل السياسية المختلفة الاتجاهات.بالمقابل نفى
الناطق باسم الحكومة اختيار الوفد العراقي المفاوض لإنجاز الاتفاقية
العراقية الأميركية على اساس المحاصصة الطائفية، اذ أكد انه لا توجد
محاصصة وتقسيم سياسي في الوفد المفاوض وقد تم اختيار الوفد بعيدا عن أي
من التقسيمات السياسية المعروفة الآن وكأن هذا الاختيار انجاز
باهريتجاوز المنطق المحاصصي الذي بنيت الحياة السياسية على اساسه، وان
يمثل الوفد المفاوض بشأن قضية تحدد مستقبل الاجيال اللاحقة، "كل
العراقيين" ولا يمثل حزبه او طائفته او القوى التي تقف من ورائه .
-
اسئلة لابد منها
في هذه اللحظات الفاصلة،
يبدو مهما الحديث عن مؤهلات الوفد المفاوض ومتطلبات العملية التفاوضية،
لا سيما ان هناك كثيرا من الاسئلة تطفو على سطح ذهن المراقب، وهي
اسئلة تستجلي طبيعة تفكير الوفد الاميركي المفاوض من جهة، وحدود مؤهلات
وصلاحيات الوفد العراقي المفاوض من جهة اخرى، مثل: هل ستكون الاهداف
المعلنة للسياسة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط ككل هي سقف ما تسعى
المفاوضات الى بلوغه وتأطيره في اتفاق ثنائي؟ وهل ستتطابق الاهداف التي
سبق ان أعلنت من خلال اعلان مبادىء المالكي - بوش مع ما سيتم بلوغه من
اهداف من خلال المفاوضات؟ وهل ستتم المفاوضات بصورة سرية ام علنية، وهل
ستنشر وقائع المفاوضات وسيتم الاطلاع على المجرى الذي تسير فيه؟ اذ
كثيرا ما يكون من المرغوب فيه في المفاوضات إحاطتها بجانب من السرية
من أجل ابعاد التأثيرات الخارجية لا سيما ان العراق محاط بعدد من دول
الجوار التي ترغب بشدة في ان تأخذ علاقاته مع الولايات المتحدة طابعا
يتماشى مع مصالحها وهو ما لايتوافق بالضرورة مع المصالح العراقية او
المصالح الاميركية.
-
الأسلوب العراقي للتفاوض
يجري اليوم امام انظار
الشعب تحديد مستقبل الوجود الاميركي في العراق عبرالتفاوض بشأن مستقبل
العلاقات العراقية الاميركية، وذلك بحياكة ترتيبات تفصيلية ستنظّم
العلاقة الثنائية بعد انتهاء تفويض قرار مجلس الأمن بموجب الفصل السابع
ولايخفى على كل مراقب عليم ان التفاوض حول الاطار الحاكم
لمستقبل العلاقات يعني بداية عملية شاقة من المفاوضات بين الجانبين،
وبما ان طبيعة التفاوض معلنة حيث الهدف، اذ انها تفاوض من أجل تطبيع
العلاقة (Normalization) والمقصود بذلك " إعادة
تأسيس علاقة دبلوماسية جديدة " لكن ينبغي
الاخذ بنظر الاعتبار ان التفاوض بصدد الاطار الحاكم قد يفرز اتفاقا
لصالح الطرفين وهو اذا ما انتهج الطرفان المتفاوضان مبدأ المصلحة
المشتركة او ما يعرف بمباراة "اكسب واكسب" والستراتيجيات التفاوضية
التي يحاول الطرفان تبنيها هي تطوير التعاون الراهن وتعميق العلاقة
القائمة وتوسيع نطاق التفاوض ومده الى مجالات جديدة أو سيكون التفاوض
من أجل مكسب لأحد الاطراف وخسارة للطرف الآخر: وهذا النوع(
win-Lose) يحدث عندما لا يتحقق توازن في القوة بين الطرفين،
والستراتيجيات التفاوضية المنتهجة هنا هي ستراتيجيات تصارعية مثل إنهاك
واستنزاف الخصم وإحكام السيطرة عليه. تمثل المفاوضات الطريق المألوف
لعقد المعاهدات والاتفاقات الدولية والوسيلة الرئيسة لتنظيم وتنسيق
العلاقات الثنائية . وكل طرف من اطراف العملية التفاوضية "يملك سلطة
تفاوضية معينة، نقاط قوة يرتكز عليها في أدارة عملية التفاوض، ولكونه
من جهة اخرى، لايستطيع فرض ارادته ومطالبه على الطرف الآخر، لانه لا
يملك السلطة المطلقة التي تتيح له التحكم بالطرف الآخر تماما، ومن هنا
كان لزاما عليه اللجوء الى التفاوض بوصفه المخرج الوحيد المناسب الذي
يمثل اداة فعالة لها أكبر الاثر في حسم القضايا والمشاكل والوصول الى
اتفاق يرضي الاطراف المتفاوضة" وبذلك يمكن القول بأن التفاوض سيكون
عبارة عن "مشروع تعاوني يتم البحث من خلاله عن مصالح مشتركة بين
الاطراف المتفاوضة للتوصل الى اتفاق" وتبدو اهمية المفاوضات حول مستقبل
العلاقات كإقرار ضمني بأن هناك مشاكل وعثرات وتجاذبات ستبرز حول تحديد
ماهية العلاقات ومستقبلها ما سيتطلب من وفدي المفاوضات التباحث بشأنها
وتبادل وجهات النظر والتحاور والنقاش شفاها او بتبادل المذكرات،
والتنازل عن المواقف وتهيئة البدائل وممارسة التكتيكات التفاوضية
واتباع اسلوب المساومات القائمة على عنصر المناورة وصولا الى نقطة
التوازن وتحقيق الالتقاء والتوافق واقناع الطرف الآخر بوجهات النظر
التي تحقق المصالح الوطنية.
-
الستراتيجية التفاوضية للطرف العراقي
يبقى مهما بالنسبة
للطرف العراقي المفاوض الاستعداد لنيل اكبر مكاسب ممكنة، لا سيما انه
سيواجه فريقا محترفا من المفاوضين مسلحا بجميع القدرات والمهارات
التفاوضية، و سيتم التفاوض حول مسألة في غاية الحساسية بالنسبة للسياسة
الاميركية ومستقبلها في المنطقة الا وهي شكل وطبيعة وحجم الوجود
الاميركي طويل الأمد في العراق وما سيرتبه ذلك من التزامات على العراق.
لكن قبل اجراء المفاوضات ينبغي طرح بعض الاسئلة ومحاولة ايجاد اجوبة
لها تترتب طبقا لها ستراتيجيات تفاوضية، مثلا: بأية لغة سيكون نص
الاتفاقية؟ واذا كان الاتفاق باللغتين العربية والانكليزية فعند
الاختلاف في التفسير اي النصين سيرجح، الانكليزي ام العربي؟ ومن سيقود
المفاوضات : هل هم القادة السياسيون ام فريق من المفاوضين المحترفين
والخبراء؟
قبل الاجابة على هذه
الاسئلة وحسمها قد يكون من المفيد ان نتفحص مليا في النصيحة التي
قدمها الخبير الاميركي "بيتر و. غالبريث" للقادة الاكراد حين طلبوا
منه مراجعة الجوانب العملية لمجرى المفاوضات حول الدستور الانتقالي اذ
قال: " لو كنت أجري المفاوضات لصالح سلطة التحالف لكنت أريد السيطرة
على النص. ففي المفاوضات التي نتجت عنها أتفاقيات دايتون للسلام (والتي
شاركت فيها) بادر كبير المفاوضين الاميركيين-السفير ريتشارد هولبروك-
إالى جعل الأطراف يوافقون على مبادىء عامة، ثم ترك لخبراء أميركيين
إدخال التفاصيل بالطريقة التي كنا نريدها. كما كنا نعمل بنص باللغة
الانكليزية، الامر الذي كان لصالحنا، وليس لصالح الاطراف الناطقة
باللغات الصربية والكرواتية والبوسنية"ويذهب غالبريث( وهو من دعاة
تقسيم العراق) الى انه قام بحث القادة الطالباني والبارزاني على العمل
من خلال مفاوضين، بدل مشاركتهما المباشرة في المباحثات الدستورية،
فالقادة في رأيه نادرا ما يفهمون المعاني المبطنة في النصوص، وحين
يجلسون الى مائدة المفاوضات، يقعون تحت ضغوط تقديم الإجابات الفورية.
لذلك رأى غالبريث ان من الافضل للفريق المشارك في المفاوضات أن يكون
في وسع ممثله القول إنه يترتب عليه عرض أي اتفاق مقترح على صاحب القرار
الغائب، فهذا لايتيح وقتا للتأمل فحسب، بل يمكن استغلاله من أجل الحصول
على بعض التنازلات الإضافية. ويقول غالبريث بالاستناد الى خبرته "إن
القادة بشكل عام ليسوا افضل المفاوضين لكون غريزتهم السياسية تملي
عليهم السعي الى اسعاد الناس، وهذا يعني في معظم الاحوال الإجابة بنعم.
أما المفاوض الناجح فلا بد له من أن يتلذذ بكلمة كلا.
-
الستراتيجية التفاوضية الناجحة
يمكن تلخيص انطلاق
الستراتيجية التفاوضية الناجحة للطرف العراقي من خلال تفحص وتلبية
متطلبات المحاور الاتية :
-
(لغة الاتفاقية) لابد من
السيطرة على نص الاتفاقية فمن الافضل ان تكون لغة الاتفاقية العربية
والانكليزية وعند الخلاف يرجح النص العربي.
-
(فريق المفاوضين) : لا بد
من أن يقود المفاوضات خبراء ومفاوضون محترفون يرجعون الى القادة
السياسيين لاتخاذ القرارات النهائية والحاسمة، من اجل تدعيم موقفهم
التفاوضي من جهة وكسب مزيد من الوقت لاجراء المساومات والحصول على
تنازلات مفيدة من جهة اخرى.
-
(الجانب المعلوماتي) : من
المهم استطلاع وجهات نظر الطرف الآخر للعملية التفاوضية، وتوفر القدرة
على جمع البيانات والمعلومات المستخدمة او الداخلة في عملية التفاوض
والتي لها علاقة مباشرة او غير مباشرة بها، وكذلك وجود القدرة على
تحليل واستخدام المعلومات. مع عدم نسيان مصدر مهم في المفاوضات
الحكومية هو المصدر الاستخباراتي. فالطرف الذي يمتلك المعلومات الجيدة،
يستطيع ادارة عملية التفاوض لصالحه، ويكون.
-
(توازن القوى بين
الطرفين): قبل اجراء عملية التفاوض يجب توفر توازن القوى، أي ان يكون
توزيع القوة بين اطراف العملية التفاوضية قريبا من نقطة التوازن، والا
فأن احد الاطراف سيكون تحت رحمة الطرف الآخر، وستملى عليه الشروط من
قبل الطرف القوي، وعدم التكافؤ بين اطراف العملية يجعل المفاوضات تسير
بشكل غير ناجح بالنسبة للطرف الضعيف، لاسيما اذا تعارضت المصالح، وحصلت
في مجرى العملية التفاوضية مساومات قسرية تجعل الطرف الضعيف يخضع لشروط
مجحفة وحققت مكاسبا للطرف القوي، وربما يكون من البطر طرح مثل هذه
النقطة لاسيما اننا نتحدث عن الولايات المتحدة (أعظم قوة في النظام
الدولي) والعراق (الدولة المتصدعة منقوصة السيادة) لكن لنكن واقعيين
فانه من دون هذا التوازن سنكون ازاء عقد أذعان اكثر من كوننا امام
اتفاق متكافىء الاطراف.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alsabaah-31-5-2008
|