"حرب النجوم"...بأسماء أخرى!

 

د. أكمل عبد الحكيم 

 

 

في نطاق تغطية وسائل الإعلام العالمية منتصف الشهر الماضي، لخبر خروج قمر اصطناعي أميركي عن السيطرة، واحتمال سقوطه على مناطق مأهولة، كان مجمل التركيز ينصب على ما يمكن أن تتسبب فيه شظايا القمر من إصابات ووفيات. ولكن بمرور الوقت، بدأت الشكوك تتزايد في أن القصة برمتها، ما هي إلا تغطية لاختبار كلاسيكي للصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية، وهي الشكوك التي عبرت عنها وزارة الدفاع الروسية من خلال تصريح شديد اللهجة عبر وكالة أنباء "إيتار- تاس" في السابع عشر من الشهر الجاري. وهذا القمر المعروف باسم (USA 193)، كان قد تم إطلاقه في ديسمبر من عام 2006 لغرض التجسس العسكري، من قبل أحد أجهزة الاستخبارات الأميركية (National Reconnaissance Office)، المتخصصة في مجال التجسس الدولي عبر الأقمار الاصطناعية. وبعد قرابة شهر من الإطلاق، أعلنت الولايات المتحدة أن القمر قد أصيب بعطب وتوقفت محركاته، ثم بدأ في الخروج عن مداره، والسقوط نحو الأرض بمعدل خمسمائة متر في اليوم الواحد مع بداية العام الحالي. وهو ما حدا بالحكومة الأميركية للإعلان عن عزمها تدمير القمر في الفضاء الخارجي، باستخدام صواريخ معدلة ستطلق من على أسطح بوارج حربية متمركزة في المحيط الهادي، وهو ما تم بالفعل يوم الخميس الماضي.

وبالنظر إلى أن سقوط أجزاء من الأقمار الاصطناعية إلى سطح الأرض قد وقع بالفعل عدة مرات منذ أن نجح الإنسان في الوصول إلى الفضاء الخارجي، دون أن تنتج عنها أية وفيات أو حتى إصابات خطيرة، ظهر الكثير من علامات الاستفهام حول الدافع الحقيقي خلف اتخاذ مثل هذا القرار من قبل المؤسسة العسكرية الأميركية. حيث سارع البعض إلى التخمين بأن السبب ربما يكون احتواء القمر (USA 193) على تقنيات تجسس حديثة جداً، قد تعرض الأمن القومي الأميركي للخطر إذا ما وقعت في يد دولة أخرى. ولكن بالنظر إلى مدى التلف الذي سيصيب مثل هذه التقنيات أثناء دخولها الغلاف الجوي، ثم قوة ارتطامها بسطح الأرض، يصبح من الصعب تخيل أنها ستظل في حالة تجعلها ذات قيمة لأية دولة أخرى. أما على الصعيد الرسمي، فقد ادعت الحكومة الأميركية أن القمر يحتوي على خزان وقود، يزن قرابة نصف طن، من مادة الهيدرازين (Hydrazine) التي يمكنها أن تسبب تهيجاً شديداً في المجاري التنفسية العليا، وربما الوفاة إذا ما استنشقت بكميات كبيرة. ومثل هذا الادعاء تعيبه عدة نقاط، منها أن دخول القمر إلى الغلاف الخارجي ينتج عنه احتكاك شديد يولد درجة حرارة مرتفعة جداً، من شأنها في الغالب أن تتسبب في انفجار خزان الوقود المزعوم وتدمير القمر بأكمله. وحتى إن لم يحدث ذلك، فمساحة كوكب الأرض، الذي تغطي المياه ثلاثة أرباع سطحه، وتتركز المناطق المأهولة بالسكان في مساحات محدودة من الربع الباقي منه، تجعل احتمالات سقوط القمر على مناطق سكانية محدودة جداً وهو ما يؤكده سقوط قمر اصطناعي واحد على الأقل كل عام، خلال العقود الأخيرة، دون أن يتسبب أي منها في وفاة أو حتى إصابة خطيرة لإنسان.

إن هذا التحليل المنطقي، لابد وأن يقودنا للتفكير في أن القصة برمتها ما هي إلا تطور جديد في ما يعرف بحرب الفضاء، وبالتحديد في مجال الصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية (Anti-satellite weapons) فخلال العقود الأخيرة أصبحت الأقمار الاصطناعية سلاحاً لا يمكن الاستغناء عنه، وهو ما كان جلياً وواضحاً بداية من حرب الخليج الثانية، التي يحلو للبعض تلقيبها بحرب الفضاء الأولى. فخلال تلك الحرب استخدمت قوات التحالف الأقمار الاصطناعية بشكل مكثف، لم يشهده تاريخ العمليات العسكرية من قبل، وهو السيناريو الذي عاد ليتكرر مرة أخرى في الاعتداء الأميركي الأخير على العراق. وإن كانت ولادة عصر استخدام الفضاء للأغراض العسكرية، تعود للأيام الأولى لإطلاق الأقمار الاصطناعية. بينما ولدت فكرة تدمير هذه الأقمار، في بداية عقد الثمانينيات ضمن مبادرة الدفاع الاستراتيجي (Strategic Defense Initiative) التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان، وعرفت بحرب النجوم. وتنص هذه المبادرة ببساطة -في الجزء الخاص منها بالأقمار الاصطناعية- على أن الأهمية البالغة التي أصبحت تحظى بها الأقمار الاصطناعية في العمليات العسكرية، تجعل تدميرها من الأهداف الاستراتيجية فائقة الأهمية أيضاً. وهو ما ترجم أثناء سنوات الحرب الباردة في شكل ميزانيات من مليارات الدولارات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، لتطوير ما أصبح يعرف بأسلحة الفضاء (Space Weapons) ومع انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، تراجع الاهتمام من قبل الجانبين بهذا المجال العسكري برمته. وإن كانت السنوات الأخيرة، وما ترافق معها من ازدياد في التوتر الدولي، قد شهدت اهتماماً متزايداً أيضاً بالأسلحة الفضائية، ليس فقط من الولايات المتحدة وروسيا، بل ومن الصين أيضاً. حيث قامت الصين في يناير العام الماضي، بتدمير قمر اصطناعي تملكه، كان يستخدم لدراسات الطقس، باستخدام صاروخ باليستي متوسط المدى تم تعديله لهذا الغرض. وبخلاف أن مثل هذه التجارب تعتبر سباق تسلح جديداً، وتخلق مخلَّفات وشظايا فضائية تهدد الأقمار الاصطناعية الأخرى بالتلف إذا ما اصطدمت بها، فإنها تظهر مدى سهولة تدمير الأقمار الاصطناعية التي أصبحنا نعتمد عليها جميعاً في العديد من جوانب حياتنا في القرن الحادي والعشرين.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitihaad-25-2-2008