بلدان جديرة بالاهتمام... لكن قيادتها تتعثر بشكل خطر
سكوت جونسون
في أواخر نوفمبر،
خلال اجتماع رفيع المستوى لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب
أفريقيا، قدم خبير استراتيجي بارز يدعى جويل نيتشيتينزي تقييما لاذعا
عن حال بلده. ففي وثيقة سرية، حذر نيتشيتينزي من أن الإجرام أصبح "وباء
متفشيا" ومن أن فيروس الإيدز (أتش آي في) يحصد عددا هائلا من الضحايا،
ومن أن تفاوت الدخول يتفاقم ومن أن الملايين من مواطني جنوب أفريقيا
مازالوا يعيشون في الفقر. صحيح إنه خلال الأعوام الـ13 منذ إفلات البلد
بشكل سلمي من قبضة الفصل العنصري - وهو أحد أكثر الأحداث الملهمة خلال
تسعينات القرن الماضي - قامت الحكومة بتعزيز
الاقتصاد، محولة إياه إلى سوق نامية جذابة» وشجعت المصالحة العرقية»
وحالت دون هجرة الأدمغة وساعدت على إعادة بناء مجتمعها الممزق. لكن
البلد يواجه رغم ذلك أزمة عميقة. وقد كتب نيتشيتينزي: "لا يطيب لنا
التفكير في المصاعب، لكن لا يسعنا أن نتجنب مواجهتها".
كان محقا.
فالكثير من مواطني جنوب أفريقيا بدأوا يشعرون بأن بلدهم ــ الذي أصبح
قدوة للديموقراطية والقيادة الملهمة ــ يحيد تدريجيا عن المسار الصحيح.
خلال تسعينات القرن الماضي، كان وباء الإيدز في البلد شديد الخطورة لكن
ليس أخطر مما كان عليه في معظم أنحاء أفريقيا. والأمر نفسه ينطبق على
الجرائم العنيفة. اليوم، باتت أزمة الإيدز-
الذي يودي بحياة أكثر من 900 مواطن جنوب أفريقي يوميا ــ من بين الأسوأ
في العالم. والجريمة متفشية لدرجة أن دولة جنوب أفريقيا اقتربت من وضع
سيراليون أو كولومبيا. في الواقع، فإن عدد ضحايا العنف نسبة إلى عدد
السكان كان أعلى من عدد القتلى في أفغانستان عام 2007» مع أن أفغانستان
هي الجبهة الأمامية المزعومة للحرب على الإرهاب.
فضلا عن ذلك، ثمة
شعور سائد بأن منافع الديموقراطية لم تتغلغل في المجتمع بشكل كاف.
وبالرغم من النمو الاقتصادي، فإن تفاوت الدخول بين السود بالأخص يزداد
حدة. وكذلك الفساد. الرئيس ثابو مبيكي ــ الذي ستنتهي ولايته عام 2009
ــ يزداد استبدادا. نتيجة لذلك، فإنه مع اجتماع حزب المؤتمر الوطني
الأفريقي لاختيار قائده التالي (الذي من شبه المؤكد أنه سيكون الرئيس
التالي) في أواخر ديسمبر ــ حيث المرشح الأوفر حظا هو خصم مبيكي
الأساسي ونائبه السابق جيكوب زوما ــ كان الكثيرون هنا يواجهون مسألة
مقلقة: هل وقعت جنوب أفريقيا ضحية للآفة نفسها التي أطاحت الكثير من
الدول الأفريقية المستقلة؟ يقول ويليام غوميدي، وهو محلل سياسي ومؤلف
كتاب عن المؤتمر الوطني الأفريقي سيصدر قريبا: "الكثير من حركات
التحرير الأفريقية تتعثر في لحظة من اللحظات". بالنسبة إلى جنوب
أفريقيا، يبدو أن تلك اللحظة قد حانت. ويضيف غوميدي: "هناك شعور بأن
أمرا لا يمكن السيطرة عليه بدأ بالحدوث".
وتعود جذور هذا
القلق إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي ساهم في تحرير البلد عام
1994 وحكمه منذ ذلك الحين. فعبر أجيال بعد تأسيسه عام 1912، برز حزب
المؤتمر الوطني الأفريقي على أنه حركة التحرير الأفريقية الوحيدة
تقريبا ذات السياسات التقدمية التي تتقبل تعدد الآراء وتقوم على أسس
ديموقراطية وغير فاسدة نسبيا. لكن اليوم، تتضاءل أعداد نجوم هذه
الحركة» الجيل الذي قادها من زنزانات روبن آيلاند ومن المنفى في زامبيا
وإنجلترا. فالشخصيات الملهمة، مثل نيلسون مانديلا وماك ماهاراج تقاعدت،
في حين أن آخرين، أمثال والتر سيسولو وأوليفر تامبو، توفوا بعد طول
عمر. يقول غوميدي: "التغير جذري. نشهد هلعا حقيقيا داخل حزب المؤتمر
بشأن ما يحدث للحزب وفي جنوب أفريقيا".
لا عجب في ذلك.
مع رحيل القادة الأكبر سنا، فإن القيم الأساسية التي وجهت الصراعات
الثورية طوال نصف قرن بدأت تحل مكانها السياسات الكيدية والطموحات
الشخصية. كما أن الإدارة السيئة في الداخل لطخت سمعة البلد، والتفوق
الأخلاقي الذي كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يتميز به بدأ يتلاشى
بسبب تقبله المثير للعجب لأنظمة استبدادية في زمبابوي والسودان وبورما.
رئيس الأساقفة ديزموند توتو، الحائز على جائزة نوبل والشخصية البارزة
في الصراع لمكافحة التمييز العنصري، قال عن علاقة الحكومة بزمبابوي:
"يا لها من وصمة عار في سجلنا. هل نأبه فعلا لحقوق الإنسان؟ هل نأبه
لأن إخواننا الأفريقيين يعاملون كالحثالة، بطريقة تكاد تكون أسوأ من
معاملة العنصريين المتشددين لهم؟".
يبدو أن جواب
بريتوريا هو "لا" وبشكل متزايد. في الوقت نفسه، فإن الفساد ــ وهو
الآفة التي تعانيها أفريقيا ــ بدأ يتفاقم بشكل ملحوظ. والاتهامات
بتحقيق مكاسب شخصية تطال الآن المسؤولين في أعلى المناصب. ومع أن قائد
الشرطة، المفوض جاكي سيليبي ينفي التهم الموجهة ضده بشدة، فقد لطخت
سمعته فضيحة رشاوى، وكذلك مبيكي وزوما. يقول آندرو فاينستاين، وهو نائب
سابق في البرلمان من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ترك الحزب بعدما منع
من استكمال تحقيقاته بشأن الفساد وكتب عن هذه الاتهامات في كتاب حديث:
"الكثير من الناس محبطون مما آل إليه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي".
لكن المشاكل
تتعدى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. لنأخذ الاقتصاد بعين الاعتبار. فقد
أحرزت دولة جنوب أفريقيا تقدما ملحوظا بعد تحريرها: الازدهار طوال عقد
انتشل الملايين من الفقر. ويبدو أن هذا التقدم سيستمر، فمن المتوقع أن
تصل نسبة النمو إلى 5 بالمائة السنة المقبلة. لكن وفقا للبنك الدولي،
تصنف دولة جنوب أفريقيا الآن على أنها من أقل المجتمعات تكافؤا في
العالم، والأمور تزداد سوءا. في الفترة الزمنية الممتدة بين 1975
و2005، تضاعفت نسبة التفاوت بين الفقراء والأثرياء. وتقلصت الهوة
الاقتصادية بين البيض والسود، و"داخل مجتمع السود، ثمة مجموعة أصبحت
أفضل حالا مما كانت عليه خلال حقبة التمييز العنصري. لكن هناك مجموعة
أكبر بحالة أسوأ من أي وقت مضى"، كما يقول الخبير الاقتصادي جاك
لوبشير. ووفقا لدراسة أجراها معهد العلاقات بين الأعراق عام 2006، فإن
الـ 10 بالمائة الأكثر فقرا بين الجنوب أفريقيين يحصلون الآن على الحصة
نفسها من الدخل القومي التي كانوا يحصلون عليها عام 1993، أي قبل سنة
من انتهاء الفصل العنصري. وعدد الناس الذين يعيشون على أقل من دولار
يوميا ازداد من 9.1 مليون عام 1996 إلى 2.4 مليون عام 2006. يقول آدم
حبيب، مساعد نائب رئيس جامعة جوهانسبورغ: "نحن نواجه أزمة". في الواقع،
اجتاحت البلد عام 2007 سلسلة من التظاهرات الغاضبة المطالبة بخدمات
وفرص أفضل.
الأمر المقلق
أيضا هو وباء الإجرام. يقدر آنتوني آلتبيكر، وهو خبير جنائي أمضى سنوات
في دراسة مواضع الخلل في المجتمع الجنوب أفريقي، أن البلد أصبح أحد
الأمكنة الخمسة الأكثر عنفا في العالم» وتحصل فيه ثمانية أضعاف عدد
جرائم القتل التي تحدث يوميا في الولايات المتحدة (وهي تكبره بسبعة
أضعاف تقريبا من حيث الحجم). أعمال العنف ليست محصورة بالفقراء فحسب:
في يونيو، تم الاعتداء على خمس مجموعات من السياح الدوليين وسرقتهم.
وقام مسلحون بنصب كمين لسفير الأمم المتحدة لدى جنوب أفريقيا. كما تم
الاعتداء على دبلوماسيين من إثيوبيا وفرنسا والغابون وغانا وباكستان
وتايلند خلال الأشهر الستة الماضية.
مع ذلك، فإن
المهمشين هم أكثر المتضررين عادة. ويعاني البلد الآن موجة من
الاعتداءات الجنسية. يتذمر مدير أحد المستشفيات في كيب تاون قائلا:
"عندما تأتي الضحايا إلى المستشفى، لم نعد نسألهن إن تعرضن للاغتصاب.
لقد أصبح الاغتصاب جماعيا الآن، لذا نسألهن كم رجلا اغتصبهن". ويصف
آلتبيكر الوضع بالقول: "العنف أصبح جزءا لا يتجزأ من ثقافتنا الوطنية
وهو يتفاقم". فسنوات القمع والتفاوت الاجتماعي الكبير وانتشار إدمان
الكحول مقرونة بقلة الثقة بالحكومة أدت إلى وضع فتاك.
ثم هناك الإيدز،
الذي ربما يجسد المقاربة الحكومية المهمًلة. طوال ولاية مبيكي الأولى
التي دامت حتى عام 2004، رفض الرئيس ــ الذي لطالما شكك في الرابط بين
فيروس نقص المناعة المكتسبة (أتش آي في) والإيدز ــ السماح لنظام الصحة
العامة بتوزيع أدوية مضادة للفيروسات الرجعية. وأخيرا، بعد تعرض
بريتوريا لضغوط شديدة، حسنت سياساتها بعض الشيء، وأعدت خطة عمل وطنية
تنسق توزيع الأدوية. لكن ذلك لم يمنع مبيكي من طرد نوزيزوي مادلالا
روتليدج، نائبة وزير الصحة واسعة الشعبية والكفؤة الصيف الماضي، أو من
تجديد تأييده لرئيستها المثيرة للجدل، وزيرة الصحة مانتو تشابالالا
مسيمانغ، التي دعت بشكل علني إلى استعمال الشمندر الأحمر والبطاطس
الأفريقية لمعالجة المرض. لا عجب أن في جنوب أفريقيا نحو 5.5 مليون شخص
مصابين بفيروس الإيدز (حسب إحصاءات الأمم المتحدة) وأن معدل الإصابة
بين الراشدين يبلغ 19 بالمائة.
لسوء حظ مواطني
جنوب أفريقيا، فإن معركة رئاسة الحزب في ديسمبر لم تظهر أن الأمور
ستتحسن إلى حد كبير. فوز مبيكي سيتيح له اختيار خلفه عندما تنتهي
ولايته الرئاسية عام 2009» لكن إذا فاز زوما كما هو متوقع، فسوف يحظى
بالمنصب. وفي يونيو عام 2005 عمد الرئيس إلى طرد زوما الذي كان يحميه،
بعدما وجهت إليه اتهامات بالفساد لا تزال عالقة حتى الآن. مع ذلك، فإن
هذه الاتهامات لم تؤثر على شعبية زوما، وكذلك اتهامه بالاغتصاب (لم تتم
إدانته). كل هذا يدعو للقلق. لقد كانت ولاية مبيكي حافلة بالمشاكل، لكن
زوما سياسي شعبوي مستواه العلمي متدن ويخشى الكثير من نقاده أن يقوض
النمو الاقتصادي في جنوب أفريقيا ويشوه صورتها أكثر فأكثر (إنه رجل
استخف بالمخاوف بشأن انتقال عدوى الإيدز من خلال القول إنه أخذ حماما
باردا بعد ممارسته الجنس مع امرأة مصابة بفيروس الإيدز).
يقول مؤيدو زوما
إنه يتعرض للافتراءات، وإنه لا يستطيع القيام بتغييرات جذرية حتى لو
أراد ذلك، لأن سياسة الحزب ستقوض عمله. البعض متفائلون لاعتقادهم أن كل
هذه الجلبة قد تؤدي إلى تحسنات. أياندا دلودلو، التي تترأس مجموعة من
قدامى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذين كانوا ناشطين خلال حقبة
التحرير، تقول إن تدهور البلاد دفع قدامى الحزب الذين لا يزالون على
قيد الحياة إلى استعادة نشاطهم السياسي وتضيف: "لايزالون يتمتعون بحس
التضحية. الحزب هو كل شيء بالنسبة إليهم، وسيكرهون رؤية جنوب أفريقيا
تغرق في الفوضى".
في الواقع، بدأت
مجموعات قدامى الحزب بإعادة تفعيل خلاياها، لكن هذه المرة في سبيل
الحفاظ على مصلحة المجتمع المدني. وقد أيد قدامى الحزب تأسيس "لجان
شوارع" تشبه تلك التي كانت تعمل خلال الصراع المناهض للفصل العنصري،
لمساعدة الشرطة على مكافحة الجريمة. وتتم مناقشة إجراءات مماثلة
لمكافحة الإيدز والفساد والفقر. في غضون ذلك، وبحسب المحلل السياسي
غوميدي، فإن شبح انهيار زمبابوي قد يشكل درسا تحذيريا لقادة جنوب
أفريقيا.
إذا تعهدوا
بتغيير مسار البلد نحو الأفضل، فإن دولة جنوب أفريقيا تتمتع بأفضلية
كبيرة على جاراتها، مثل شعبها المثقف، وبنيتها التحتية الجيدة نسبيا،
وسيطرتها المدنية الواضحة على الجيش. فضلا عن ذلك، خلال الأشهر
الأخيرة، قدمت الحكومة هبات لآلاف الفقراء من أجل المساعدة على تقليص
التفاوت بين الدخول. مع ذلك، ينبغي لقادة جنوب أفريقيا أن يركزوا
جهودهم على الحكم بحد ذاته إذا أرادوا أن تتحسن الأمور
لقد فشل السياسيون لفترة طويلة في الاضطلاع بالمهمة المضجرة لكن
الأساسية، المتمثلة بإدارة البلاد، كما يقول ماهاراج أحد قدامى الحزب.
حتى الرغبة في عودة القدامى ليتسلموا زمام الأمور هي طريقة لتجنب "تحمل
مسؤولية المشاكل الحالية"، كما يقول. مع ذلك، يجادل بأن الصراعات
القديمة انتهت» وعلى الحزب أن يركز الآن على الحكم السليم. هذا أمر
فهمه قادة جنوب أفريقيا القدامى بوضوح. لنأمل أن يفهم الذين يخلفونهم
الرسالة أخيرا.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:newsweek
|