واقع الشراكة الاستراتيجية العربية - الصينية

 

 

د. محمد بن هويدن

 

 

إن المتابع للشأن العربي- الصيني يلحظ جلياً أن العلاقة القائمة بين العالم العربي والصين ما زالت لم ترق إلى مفهوم الشراكة الاستراتيجية فالشراكة الاستراتيجية تعني إيمان الطرفين بأهمية العلاقات القائمة بينهما وبالتالي العمل على تأسيس إطار تعاوني طويل الأمد في المجالات ذات الأهمية المشتركة. فالشراكة القائمة بين الولايات المتحدة واليابان أو الولايات المتحدة وأوروبا مثلا هي شراكة استراتيجية نابعة من قناعة بأهمية كل طرف للطرف الآخر، الأمر الذي أسس لإطار تعاوني في مجالات عدة قائمة بين الطرفين. أما عن حالة العلاقة القائمة حاليا بين العالم العربي والصين فإن أطر التعاون البعيد المدى ما زالت لم تؤسس بعد، الأمر الذي يشير إلى غياب الشراكة الاستراتيجية في العلاقة القائمة بين الطرفين.

ولعل غياب الشراكة الاستراتيجية في العلاقة بين العرب والصين يعود إلى مجموعة من الأسباب نذكر منها مثلا تعدد الرؤى والمصالح العربية في العلاقة مع الصين. فالعالم العربي لا يرى مصلحة معينة مشتركة في العلاقة مع الصين بل الرؤى متعددة، فهناك من يرى في الصين سوقا لمنتجاته النفطية كالدول الخليجية، وهناك من يرى في الصين مصدراً للدعم السياسي كالسودان وسوريا، وهناك من يرى في الصين مزوداً للسلاح كالسودان وسوريا ومصر، وهناك من يراها ورقة ضغط سياسية تستخدم في الضغط على أطراف أخرى. فغياب المصلحة العربية المشتركة أوجد عائقا كبيرا في عملية السعي نحو صياغة علاقة شراكة استراتيجية بين العالم العربي والصين.

كما أننا لا يمكن تجاهل العامل الأمريكي والمتمثل في قوة الوجود والتأثير الأمريكي في معظم مناطق العالم العربي، الأمر الذي يجعل الدول العربية تختلف فيما بينها في درجة الشراكة المراد تشكيلها مع الصين. فالكثير من الدول العربية تهمها علاقتها مع الولايات المتحدة وبالتالي لا تفضل الظهور في أي تقارب مع الصين خشية فهم ذلك التقارب بأنه موجه ضد المصلحة الأمريكية حيث إن واشنطن ترى في الصين منافسا لها ولمصالحها؛ كما أن الطرف الصيني ذاته أدرك قوة التأثير الأمريكي في المنطقة العربية وأدرك بأن قدرته على منافسة الولايات المتحدة في المنطقة العربية هي عملية صعبة. لذلك نجد الاهتمام الصيني بإفريقيا مثلا، ومن ضمنها بعض الدول العربية هناك كالسودان، يفوق الاهتمام الصيني بالعالم العربي؛ ومن ينسى القمة الصينية-الإفريقية التي انعقدت في نوفمبر 2006 في بكين والتي حضرها 48 رئيس دولة إفريقية من أصل 53 دولة في القارة السوداء، لقد كانت تلك القمة تظاهرة إفريقية عالية المستوى على رغبة إفريقيا التعاون مع الصين؛ في حين أن منتدى التعاون العربي- الصيني ما زال متعثرا ولم يرق إلى مستوى الطموح فهذا في حد ذاته مؤشر قوي على مدى الشراكة التي تسعى الدول إلى إقامتها مع الصين، فإفريقيا راغبة في شراكة مع الصين لكن الدول العربية لا يبدو أنها تود فعل ذلك بل تصر على إبقاء علاقاتها القائمة مع الصين على درجتها الحالية التي لا ترقى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.

في ظل ذلك كله فإن الواقع يشير لنا بأن الشراكة العربية-الصينية مستحيلة الحدوث في الوقت الراهن أو في ظل المنظور المستقبلي القريب؛ لكن الواقع يشير لنا أيضا بأن فرصة الشراكة الاستراتيجية يمكن أن تجد النور بين الدول الخليجية العربية المنتجة للنفط والصين، حيث إن الهدف واضح ومشترك بين ما يراه كل طرف من مصلحة في الطرف الآخر. فالدول الخليجية تريد بيع نفطها وبالتالي تنويع أسواقها في هذا المجال، والصين ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم تبحث لنفسها عن مصادر للطاقة لتلبية حاجات اقتصادها المتنامية من النفط. في ظل هذه المصلحة المشتركة حول مادة النفط يمكن لدول الخليج العربية المصدرة للنفط أن تقيم شراكة استراتيجية مع الصين. المملكة العربية السعودية هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تفهمت هذه الحقيقة وأعلنت عن إقامة شراكة استراتيجية مع الصين وذلك أثناء زيارة الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين إلى الرياض في عام 1999. واليوم تزود المملكة الصين بما نحوه %17 من نسبة النفط الصيني المستورد من الخارج، وتعمل على تطوير مصافي النفط الصينية من أجل رفع قدراتها الإنتاجية ورفع مستواها التقني كي يتناسب مع النفط الخام السعودي ذي النوعية الثقيلة.

دول الخليج العربية الأخرى كالكويت والإمارات ما زالت ورغم استثمارها في قطاعات مختلفة في الصين إلا أنها لم تستطع بعد أن توصل علاقتها مع الصين إلى درجة متقدمة تجعلها مهمة للصين وتجعل الصين مهمة لها، رغم أن هناك حاجة لمثل هذا التوجه من أجل إبعاد دول الخليج العربية عن الاعتماد على طرف معين في التعامل معه. فالكويت لم تنجح رغم استثماراتها السباقة في الصين في تعزيز تلك العلاقة لتكون علاقة شراكة استراتيجية، كما لم تنجح الإمارات رغم ثقلها التجاري في تحقيق ذات الهدف. السبب بالطبع أن الاستثمارات الكويتية والتجارة الإماراتية لا تمثل ثقلا استراتيجيا للصين بحيث إن غيابهما لا يؤثر في الاقتصاد الصيني، لكن النفط هو الأساس وهو القطاع القادر على تحقيق هدف الشراكة الاستراتيجية وليس غيره.

فالحاجة هي نحو إيجاد مصالح مشتركة بين الطرفين العربي والصيني، ولعله لا توجد اليوم من مصلحة مشتركة قوية بين الطرفين يمكنها أن تقيم لأسس شراكة استراتيجية قدر ما يمكن أن يشكله النفط نظراً لأهميته للطرفين. دول الخليج العربية تقع عليها مسؤولية قيادة هذا التوجه لأن الصين تحاول أن تجد لنفسها مصادر نفط متعددة بعيدة عن منطقة الخليج العربي المضطربة؛ فليس من مصلحة دول الخليج العربي أن يبتعد ثاني أكبر مستهلك للطاقة عن نفط دول الخليج العربية لدول أخرى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى كما هو حاصل الآن.

الصين ليست فقط ثاني أكبر مستهلكك للطاقة ولكنها أيضا من المتوقع أن تتبوأ مركز المقدمة في الاقتصاد العالمي في الثلاث عشرة سنة القادمة كما تنبأ لها البنك الدولي فالاستثمارات والتجارة الخليجية ليست بالثقل الاقتصادي الكبير المؤثر في الصين، لكن الثقل يتركز في النفط الذي يمكن أن تتمحور حوله علاقة استراتيجية بين الطرفين، وعنده نستطيع القول إن العلاقة بين الصين والدول الخليجية قد دخلت طور علاقة الشراكة الاستراتيجية.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:al-majalah-20-12-2007