مقالات و محاضرات

 

 

الحل العسكري لأزمة إيران النووية وأثره علي إمدادات النفط بدول الشرق الأوسط

 

 

 فيليب باورينغ

 

تسود موجة من القلق داخل دول الخليج العربي إزاء إمكانية حصول إيران علي السلاح النووي وتخشى هذه الدول إضافة إلي الدول الآسيوية التي تستورد النفط من دول الخليج العربي من احتمال أن يشكل فرط اهتمام الولايات المتحدة السياسي بقضية إيران النووية تهديداً قوياً لدول المنطقة وقدرتها علي توريد الطاقة الي عملائها وفي خطاب حالة الاتحاد،

أشار الرئيس بوش إلي حاجة الولايات المتحدة لتقليل اعتمادها علي مصادر الطاقة المستوردة وتشير التحليلات السياسية الي أن بوش كان يقصد بقوله التنبيه علي أهمية تقليل الاعتماد علي مصادر الطاقة المستوردة من دول الشرق الأوسط وفي نفس الوقت، يستبعد عدد قليل من المحللين السياسيين داخل الولايات المتحدة إمكانية القيام بعمل عسكري ضد إيران.

وقد طرحت الخطابات وموجات الجدل الأخيرة حول قضية إيران النووية رسالتين الي دول الخليج العربي وعملائها واستقبلت هذه الدول رسالة سريعة وواضحة جداً من أسواق النفط العالمية مفادها أن ثمة خطرا حقيقيا يهدد بوقف الامدادات النفطية القادمة من دول الخليج العربي إذا فكرت إيران في شن هجمات انتقامية ضد الغارات الجوية التي قد تنفذ علي منشآتها النووية ومن المؤكد أن خطوة كهذه قد ترتفع بسعر برميل النفط الي ما فوق المائة دولار وهو الأمر الذي قد يؤدي الي إلحاق أضرار بالغة ومدمرة بالاقتصاد الأميركي وقد تتسبب هذه الخطوة في توجيه ضربة كبيرة وقاصمة للدول الآسيوية الآخذة في النمو ويرى عدد كبير من النقاد بأن الولايات المتحدة تسعى للتواجد العسكري في بعض دول الخليج العربي من أجل حماية مصالحها الاقتصادية وتأمين الحصول علي الإمدادات النفطية اللازمة لها ولشركاتها ولكن معظم الشركات النفطية الخليجية تخضع لملكية الدولة وتطالعنا الأرقام والحقائق بأن اعتماد الولايات المتحدة علي نفط الخليج منخفض جداً. وتستورد أميركا 60% من احتياجاتها النفطية ، ولكن حصة هذه الواردات من دول الخليج العربي لا تتعدي 20% ، أو حوالي 12% من إجمالي احتياجاتها النفطية. وحتي الدول الأوروبية تستورد 30% من احتياجاتها النفطية فقط من دول الخليج العربي وبالمقارنة مع ذلك ، نجد أن دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان تستورد معظم احتياجاتها النفطية من دول الخليج وتستورد الهند 80% من احتياجاتها النفطية من هذه الدول في حين تصل نسبة واردات الصين النفطية من دول الخليج الي 35% ومن المتوقع أن تتزايد الصادرات النفطية الي الهند والصين بنسبة تتراوح ما بين 8 : 10% سنويا ونظرياً، يمكن أن تتحول الهند والصين الي استيراد النفط من بعض المناطق الأخرى ولكن هاتين الدولتين لا تمتلكان القدرة علي التكيف مع انقطاع الامدادات النفطية بشكل كبير.

ويعتمد النمو الاقتصادي في هاتين الدولتين بشكل أساسي علي قطاعات النقل والطاقة وتعاني كل من الهند والصين من نقص كبير في مصادر الطاقة البديلة مثل الغاز الطبيعي وتستورد دول شرق آسيا معظم احتياجاتها من الغاز الطبيعي من أندونيسيا وماليزيا وإستراليا ولكن هذه الإمدادات ليست ثابتة بفعل الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي تهدد هذه المنطقة في كثير من الأوقات وذلك علي عكس الوضع السائد داخل الولايات المتحدة التي تعتمد علي مخزونها من الغاز الطبيعي، والدول الأوروبية التي تشتري الغاز الطبيعي من روسيا ودول شمال أفريقيا.

وعلي هذا الأساس ، يمكن تبرير معارضة الدول الآسيوية وخصوصاً الهند والصين لقرار تصعيد ملف إيران النووي لمجلس الأمن الدولي ودعوتها لحل هذه المشكلة بالطرق الدبلوماسية مثلما يحدث الآن مع الملف النووي لكوريا الشمالية.

ويسعي عدد كبير من الدول الكبرى إلي الاعتماد علي الغاز كمصدر نظيف للطاقة لا يتسبب في تلوث البيئة وزيادة مشكلة الاحتباس الحراري وتمتلك روسيا أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم ولكنها دمرت سمعتها بنفسها بعد تهديدها بقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا لخلافات سياسية وتأتي بعد روسيا من حيث احتياطات الغاز كل من إيران وقطر ولكن هل تجتذب هاتان الدولتان مزيدا من الاستثمارات الأجنبية في مجال تسييل الغاز ونقله في ضوء علمنا بعدم استقرار الأوضاع السياسية في دول الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بوجه خاص؟

ومن المتوقع وفقاً للدراسات والأبحاث الاقتصادية أن يرتفع الطلب العالمي علي النفط والغاز من دول الخليج بنسبة 10% عام 2016 وباختصار ، تبقي الدول الآسيوية من أكبر الدول المستوردة للنفط والغاز الطبيعي من دول الخليج ، لذا فهي تسعي الي لعب دور من شأنه أن يؤمن لها الحصول علي احتياجاتها النفطية ومصادر الطاقة من دول المنطقة التي قد يتأثر إنتاج الطاقة فيها إذا لم تحل الأزمة النووية لإيران بالطرق السلمية ومن الوارد جداً أن تسعي هذه الدول لتخفيض حدة الضغوط الخارجية والغربية علي إيران كما فعلت من قبل مع السودان .

* فيليب باورينغ : كاتب ومحلل اقتصادي بجريدة إنترناشيونال هيرالد تريبيون

كل ذلك بحسب الرأي فيليب باورينغ في المصدر المذكور .

المصدر :   ICAWS - خدمة انترناشيونال هيرالد تريبيون خاص ب (الوطن) - 11-2-2006