الولايات المتحده والمطلوب منها عالميا
فيليب ستيفنز
المطلوب من المرشحين الأمريكيين خريطة طريق لنظام عالمي جديد أساسه
التعاون
أمريكا تظل لا غنى عنها شرط العمل مع الآخرين
في أوائل
الأسبوع، يرحب الرئيس جورج بوش في البيت الأبيض برئيس الوزراء التركي
رجب طيب أردوغان، وبعد يومين أو أكثر سوف يصل الرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي إلى واشنطن. ومع نهاية الأسبوع تشترك أنجيلا ميركل مستشارة
ألمانيا في أكلة هامبرغر مع الرئيس الأمريكي في مزرعته في كراوفورد، في
تكساس. قد يكون الرئيس بطة عرجاء لكن بوش لن يفتقر إلى زوار أجانب.
الرئيس الفرنسي
الذي تلقى دعوة لمخاطبة جلسة مشتركة للكونجرس ربما يثير جلبة، فساركوزي
جيد في اجتذاب الأضواء، ويرتبط كثير من الجوهر المباشر بزيارة أردوغان،
رئيس الوزراء التركي الذي حذر من أنه إذا لم يحصل على الضمانات التي
يسعى إليها من الولايات المتحدة، حول الأمن في شمال العراق، فإنه سوف
يأمر القوات التركية بالتصدي لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، وهذا
بدوره يمكن أن يهدد بصراع إقليمي أوسع ربما يجر إيران.
في كل مرة أعود
فيها إلى واشنطن، يتم تذكيري بأن الولايات المتحدة، رغم كل متاعبها
الحالية، تظل الدولة التي لا غنى عنه، وقد تكون المشاعر المناهضة
لأمريكا منتشرة بين الناخبين في كل مكان، لكن الولايات المتحدة تظل
المرجع للسياسة الخارجية لكل طرف آخر، ومن هنا فإن إحدى الطرق التي
يريد ساركوزي بها إقناع فرنسا بنسيان الماضي، تتمثل في بناء علاقة أسهل
مع واشنطن، وإذا سارت الأمور كما يرام، فإن الرئيس الفرنسي يتصور
خروجاً رمزياً على الديجولية، بإعادة فرنسا إلى هيكل القيادة العسكرية
لحلف الناتو.
بالنسبة لأردوغان
فإن العلاقة بين أنقرة وواشنطن بالكاد توصف بأنها دافئة، فالناخبون
الأتراك يطالبون بانتقام عسكري للتوغلات الأخيرة لحزب العمال
الكردستاني، وبالنسبة لشعبية أمريكا في تركيا، فإن أحد المسؤولين
الأمريكيين يقول شبه مازح: عندما تكون عند عشرة في المائة أو نحو ذلك،
فإن علم الحساب يؤكد لك أن من غير المحتمل أن تهبط النسبة أكثر من ذلك،
وفي ضوء كل هذا، فإن المفارقات، إذا تم توفير تأكيدات بحملة عراقية على
حزب العمال الكردستاني، تقول أن الزعيم التركي سوف يعير اهتماماًَ
لمناشدات بوش بأن يمتنع عن شن الهجوم.
يقول أصدقاء لي
إن وزارة الخارجية مؤسسة محاصرة في هذه الأيام، بمعنويات أضعفها سيل من
الانتقادات، ومرسوم يجبر الدبلوماسيين المترددين على العمل بعض الوقت
في المنطقة الخضراء في بغداد، ولكن ما زال يثيرني عمق المعرفة
الاستراتيجية حول معظم الأمور في كل مكان تقريباً، ففي هذا الأسبوع
سمعت ماثيو برايزا أحد نواب مساعدي وزيرة الخارجية يتحدث عن الجغرافيا
السياسية لنقل الغاز بالأنابيب من آسيا الوسطى إلى أوروبا، وبطبيعة
الحال ستكون أوروبا المستفيدة الرئيسية من ممر جنوبي جديد للغاز، لأنه
سيقلص اعتماداً خطيراً على غاز بروم الروسية، لكنني أسعى إلى تذكر سماع
مسؤول أوروبي يطلق مثل هذه الحجة المشرقة.
وإذا كانت القوة
الأمريكية ما زالت لا غنى عنها، فإنها لم تعد كافية، فخيارات أمريكا
تشترط، وبشكل حاسم في أغلب الأحيان قرار الآخرين، لكن لا يمكن قبولها
كشيء مضمون، فالمسؤولون الأمريكيون، مثل برايزا، يعترف بأنه إذا تعين
كبح حكومة أنقره، فسوف يكون على واشنطن أن تقدم من التطمينات القوية
أكثر من التصرف الحالي ضد حزب العمال الكردستاني، والولايات المتحدة
تعرف أنها بحاجة إلى الأصدقاء، وهو أمر ملحوظ، مدى حرص البيت الأبيض
على تكريم ساركوزي، فالبعض في واشنطن تراودهم آمال بأن وفاقاً جديداً
مع باريس، يمكن أن يملأ الفجوة التي خلفها رحيل توني بلير البريطاني.
لا يؤدي أي من
هذه الأمور إلى تعديل سهل في إدارة أعلنت قبل بضع سنوات فقط، أن
الهيمنة الأمريكية ستكون الدينامية التي تعرف القرن الحادي والعشرين.
وحتى وهي تسير على حذر نحو دبلوماسية أكثر تعاوناً، فإنها تمسكت بفكرة
أن السياسة متعددة الأطراف تخص الجبناء.
في الولاية
الأولى لبوش التي اتصفت بالتوجه الأحادي، أخبرني مسؤول أمريكي قبل فترة
قصيرة أن الفرضية كانت: إننا نقرر أولا ثم نخبر بقية العالم، وخلال
الولاية الثانية كان هنالك محاولة صادقة بأن "نستمع قبل أن نقرر"، ومن
المهم أن الجزء الذي لم يتغير هو "نقرر".
وتذكرت هذه
الملاحظة في هذا الأسبوع، عندما كنت أقرأ برامج السياسة الخارجية
للطامحين البارزين للترشيح الجمهوري والديمقراطي لسباق الرئاسة في
2008، فهنالك وفرة من الوعود من المرشحين الديمقراطيين الرئيسيين مما
يشكل مساراً مختلفاً. فعلاوة على الوعود الشائعة، ولكنها مصاغة بعناية
بسحب القوات الأمريكية من العراق، فإن هيلاري كلينتون وباراك أوباما
وجون إدواردز يكثرون من الحديث عن الحاجة الى بناء سمعة أمريكا في
العالم، والأولوية بالنسبة للسيدة كلينتون تتمثل في "استعادة قيادتنا"
وبالنسبة لأوباما "تجديدها"، ويركز إدواردز على الهيبة التي تتدفق من
القيادة الأخلاقية، وتشمل المفردات المشتركة كثيراً من ذكر كلمات
الاشتراك والدبلوماسية والاحترام.
من جانب
الجمهوريين فإن رودي جيلياني وجون ماكين وميث رومني، يفضلون على نحو
غير مثير للدهشة، أن يتحدثوا عن إبراز القوة الأمريكية، وما زال ماكين
متأكداً من أن الولايات المتحدة تستطيع الفوز في العراق، ويبدو جيلياني
الذي أصبحت حملته نوعاً من اللجوء إلى المحافظين الجدد المنفيين، يبدو
وكأنه سيخوض بالضبط نفس الحروب مثل بوش – ولكن بقوة قاتلة أكبر، ومع أن
الحجة تثور في البيت الأبيض حول كيفية إغلاق جوانتانامو، فإن رومني
يبدو وكأنه يرى أن المسار الأفضل يكون في مضاعفة حجمه! وبهذه العقلية
فإن الحديث حول إصلاح الأمور مع الأصدقاء والحلفاء، لا يتعلق بتغيير
المسار مثلما يتعلق بتجديد العلاقات العامة وإصلاحها.
لكن الخيط
المشترك الذي يجمع بين هاتين المجموعتين من الحملات، هو فرضية أن
بإمكان الولايات المتحدة أن تعيد الساعة في العالم بعض الشيء إلى ما
قبل العراق، ولهذا تقول السيدة كلينتون لقراء مجلة فورين أفيرز إنه مع
أن القيادة الأمريكية كانت "مقصرة"، فهي ما زالت "مطلوبة" من بقية
بلدان العالم، وكتب أوباما في المجلة نفسها أن "اللحظة الأمريكية لم
تنته، لكن يتعين اغتنامها مجدداً".
بالنسبة للمدى
الذي ستبقى معه الولايات المتحدة، القوة البارزة لبعض العقود القادمة،
فهما مصيبان لكن الشيئين الغائبين هما إدراك أن بروز قوة أخرى - ولا
سيما الصين والهند - يؤدي إلى تلاشي القوة الأمريكية الشعبية، وأي شيء
أكثر من أكثر الأمور غموضاً لكيفية رسم الولايات المتحدة لهذا الأفق.
هنا يكمن الهدف
للقيادة الأمريكية في البدء بالتخطيط ، كما فعلت للغرب بعد الحرب
العالمية الثانية، لنظام دولي يضع تعاون القوى الكبرى في صميم سياستها
وليس المنافسة بينها، وسوف يقول الكثيرون أن من المبالغة أن يطلب هذا
من مرشح اليوم للبيت الأبيض، وقد يكونون على صواب، لكن في تلك الحالة
ينبغي أن نستعد للفوضى العالمية الجديدة.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:صحيفة الاقتصادية-7-11-2007
|