صراع القوى في أوروبا
أدريان كاراتنيكي
روسـيــا تـبـــدو قـويـة لـكــن الـــقـــارة بـــدأت تـواجهـهــا
الآن
في
حوار غير رسمي قبل بضعة أشهر، أشار مساعد سابق للرئيس الروسي فلاديمير
بوتين إلى أن النخبة الروسية قد أسكرتها رائحة النفط والغاز وأنها
أدمنت على القوة المتأتية من النفط. فشركة الطاقة العملاقة "غازبروم"
ذات الموارد المالية الكبيرة والتي تسيطر عليها الدولة حاولت شراء شركة
طاقة بريطانية وهي تتقدم في خطتها للسيطرة على خطوط الأنابيب ومحطات
النفط الأوروبية. كما أن روسيا تحرز تقدما في بناء نوردستريم، وهو خط
أنابيب نفطية يعبر بحر البلطيق من شأنه أن يزود أوروبا بالغاز مباشرة
من دون الاستعانة بالأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا وبولندا. ورأي
القادة السياسيين في آسيا الوسطى يتماشى تماما مع رأي القادة في
الكرملين، وهم يوافقون على أن كل صادرات الطاقة إلى أوروبا يجب أن تمر
عبر روسيا بدلا من أن تمر عبر بحر قزوين وتركيا. باختصار، فإن روسيا
تزداد قوة، وهي تستعمل مواردها الكبيرة لدفع أجندتها الجيوسياسية قدما.
لكن
ردة فعل الكرملين كان مبالغا بها. فمواقفه المتعجرفة والعدائية أثارت
القلق على نطاق عالمي. وقد بدأ الاتحاد الأوروبي بالرد على ذلك، متخذا
إجراءات لكبح جماح روسيا وتقويض سلطة بوتين الذي بدأ حظه يسوء مع
انتخاب نيكولا ساركوزي رئيسا لفرنسا في شهر مايو سلفه، جاك شيراك، كان
قد جعل التعاون مع روسيا ركيزة عهده لكن ساركوزي أشار إلى أن تغييرا
سيحدث في تلك العلاقة عندما استقبل الرئيس الأوكراني بحفاوة وأثار
مخاوف من تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا خلال زيارته إليها
الأسبوع الماضي.
وقد
غير الاتحاد الأوروبي مواقفه أيضا، بعدما أقلقه كلام بوتين واستعماله
العدواني لسلاح الطاقة ضد أوكرانيا عام 2005 وروسيا البيضاء عام 2006،
لذا أصدر الاتحاد قوانين جديدة في سبتمبر تمنع الشركات الأجنبية من
امتلاك أنظمة توزيع الطاقة وشركات توليد الكهرباء في أوروبا كما أن
القادة الأوروبيين وافقوا بعد سنوات من النقاشات على المضي قدما في
بناء خط أنابيب يتجنب المرور في روسيا (وإيران) ويستعمل لإيصال إمدادات
الغاز الجديدة من أذربيجان وآسيا الوسطى إلى أوروبا مباشرة. في الوقت
نفسه، فإن مشروع نوردستريم الروسي يتقدم بشكل أبطأ مما كان متوقعا،
بسبب إستونيا الصغيرة الحجم التي أثبتت أنها دولة ذات سيادة ورفضت منح
روسيا إذنا بمسح مياهها الإقليمية في البلطيق.
لقد
استمد بوتين سلطته من قدرته على توسيع نطاق نفوذ روسيا ليشمل الكثير من
بلدان أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى. لكن هذا يتضاءل أيضا. ففي سبتمبر،
استعادت أكثرية "برتقالية" مؤيدة للغرب السيطرة على برلمان أوكرانيا،
وهي بصدد تشكيل حكومة جديدة ستوطد علاقتها مع حلف شمال الأطلسي (ناتو)
والاتحاد الأوروبي. وهذا الشهر، توصلت أوكرانيا والدول المجاورة لها
إلى اتفاق لإنشاء طريق جديد لنقل النفط يتخطى روسيا ويزود أوروبا
الشرقية والوسطى بمصدر مهم جديد للطاقة.
في
الوقت نفسه، فإن بولندا وهي أكثر البلدان المنتقدة لروسيا في الاتحاد
الأوروبي، على وشك أن تستعيد زخمها. فالسياسة البولندية ركزت على
المسائل الداخلية بعد فضيحة طالت الائتلاف اليميني الحاكم والكلام
القاسي المعادي لألمانيا وأوروبا من قبل التوأمين الرئيس ليش كازينسكي
ورئيس الوزراء ياروسلاف كازينسكي أوصل العلاقة البولندية الأوروبية إلى
أسوأ مراحلها في حقبة ما بعد الشيوعية. وتظهر استطلاعات الرأي أن
انتخابات الـ21 من أكتوبر ستؤدي إلى حكومة ائتلافية يلعب فيها محبو
الاتحاد الأوروبي المعتدلون المؤيدون للسوق الحرة دورا أساسيا في إصلاح
العلاقات مع أوروبا الغربية. حتى تركمنستان ربما تتقرب من الغرب أيضا.
فبعد 16 عاما من الحكم الدكتاتوري الغاشم، أعلن رئيس البلاد الجديد
غوربانغولي برديمحمدوف (الذي تودد إليه المسؤولون البريطانيون) عن
اهتمامه بإنشاء طرق لتوزيع الطاقة التركمنستانية تتجنب المرور عبر
روسيا.
هذه
التغييرات ستغضب موسكو على المدى القصير. لكن إن كانت روسيا تريد أن
تتحول إلى بلد طبيعي محب للسلام، فعلى قادتها أن يتخذوا موقفا أكثر
واقعية إزاء موقع بلادهم في النظام الاقتصادي العالمي. فروسيا تزود
أوروبا الغربية بـ20 بالمائة من احتياجاتها السنوية للطاقة، وهي تعتمد
على الدخل الذي توفره أوروبا بقدر ما تعتمد أوروبا على الطاقة التي
توفرها لها روسيا. ربما إذا فهم الشعب الروسي ذلك، سيبدأ بمقاومة
النزعة الاستبدادية التي يشهدها بلده في ظل حكم الرئيس بوتين. تماما
مثلما فعل جيرانه.
*كاراتنيكي، الرئيس
السابق لفريدم هاوس، هو عضو كبير في المجلس الأطلسي للولايات المتحدة.
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر:مجلة
نيوزويك-23-10-2007
|