![]() |
||
![]() |
الحقيقة والخيال حول هجرة البشر
سمير التنير
ليست الهجرة مجرد حراك أو انتقال للبشر بحثاً عن الرزق أو طلباً للعلم، بل هي أيضا مد للجسور الثقافية بين الدول، إذ يحدث تلاقح ثقافي وحضاري بين المهاجرين والسكان الأصليين ينتج منه مكوّن حضاري يتسم بالقوة والثراء. وليس ثمة شك في أن المرء لن يفلح في تفسير النمو الاقتصادي لمدينة لندن حالياً إذا تجاهل أن 45 بالمئة من سكانها مهاجر، كما سيعجز عن فهم أسرار النهضة الأميركية إذا تجاهل أن المجتمع الأميركي ما هو إلا نسيج من المهاجرين يمثلون أصقاع المعمورة كلها، ويجب ألا ننسى في هذا الخصوص أن الهجرة الأوروبية الكبيرة التي نزح في سياقها ما يزيد على ستين مليون أوروبي الى العالم الجديد في أميركا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا وكندا كان لها أثر كبير في تشكيل ثقافة تلك البلدان وبناء اقتصاداتها. في مستهل القرن الواحد والعشرين كان واحد من كل 35 إنساناً مهاجراً عالمياً. ويعني هذا أن 175 مليوناً من البشر و2,9 بالمئة من مجموع سكان العالم كانوا مهاجرين. تضم المنظمة العالمية للهجرة 191 بلداً هي الدول ذات السيادة المنضمة الى الأمم المتحدة IOM. وتلك البلدان هي إما دول مصدرة للمهاجرين، أو مستقبلة لهم، أو تشكل طريقاً عابراً للهجرة. شكلت المكسيك أكبر دولة مصدرة للمهاجرين، اذ بلغ عددهم حوالي 6 ملايين ما بين 1970 و1995. وتبعت المكسيك دولة بنغلادش بنحو 4 ملايين وأفغانستان بنحو 4 ملايين ايضا، ثم الفليبين اذ هاجر إليها في تلك الفترة نحو 56 مليونا. واذا نظرنا الى المهاجرين كنسبة من السكان الاصليين، فإننا ننسى أنه في العام 2000 كان 74 بالمئة من سكان الإمارات العربية المتحدة من المهاجرين و56 بالمئة في الكويت و40 بالمئة في الأردن و34 بالمئة في سنغافورة و26 بالمئة في العربية السعودية و25 بالمئة في أستراليا وسويسرا. هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين يجب أن تقاس نسبتها تبعا لأزمنتها فنسبة المهاجرين زادت 0,8 بالمئة في تلك الفترة. كما أن نسبة المهاجرين في القرن التاسع عشر كانت أكبر بكثير، اذ شكلت حوالى 10 بالمئة من مجموع سكان العالم. أما النسبة الحالية فهي تتحدد الى 3 بالمئة تقريباً. وقبل أربعين عاما من الحرب العالمية الاولى، رفعت الهجرة القوة العاملة في العالم الى أكثر من الثلث أما من ناحية الهجرة الداخلية، فقد هاجر 150 مليون صيني من الأرياف الى المدن. وهي أكبر هجرة تسجل في التاريخ. وقد اكتسبت الهجرة معاني لم تكن لها من قبل. ففي بعض البلدان (وخاصة في أوروبا) لا يتغير عدد السكان، بل بتناقص أحيانا، وتأتي الهجرة لتسد ذلك النقص. وهذا ما يجعل الهجرة أحيانا عاملا حاسما في تحديد عدد السكان في بعض البلدان، وفي تغير الثقافة والعادات. ومما يسهل الهجرة ايضا انخفاض تكلفة النقل وشيوع وسائل الاتصال الجديدة. وتشير منظمة الهجرة العالمية IOM الى أن الهجرة في الوقت الحالي تدل على حيوية العولمة. استقبلت أوروبا في تسعينيات القرن الماضي العدد الأكبر من المهاجرين حول العالم. كذلك كانت اليابان تستقبل 600 ألف مهاجر في السنة، ولكن هذا العدد أخذ بالتناقص في ما بعد، إذ وصل الى 142 ألفاً فقط في عام 2001. كما استقبلت القارة الأوروبية في عام 1950 نحو 8,8 ملايين مهاجر، أما اليوم فيزيد عددهم على 20,5 مليونا وقد أنجب المهاجرون نحو 8 ملايين طفل أصبحوا مواطنين باكتسابهم جنسية البلد الذي ولدوا فيه. وقد أصاب القلق بعض البلدان الأوروبية من تغير الطابع الديموغرافي فيها، على العكس من بعض البلدان الكبيرة مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا وإذا انتقلنا الآن الى الآثار الاقتصادية للهجرة نرى أن البلدان المستقبلة لها تفيد من المهارات وأصحاب الاختصاصات العليا الذين تلقوا تعليمهم في بلاد اخرى. كما تستفيد ايضا من أصحاب الرساميل الذين يودون استثمارها في البلد المعني إن البلدان ذات الدخل العالي يكون لديها غالبا أعداد كبيرة من المهارات العليا ومن العمال غير المهرة ايضا إلا أن أغلبية المهاجرين ليس لديهم التعليم العالي ولذلك يكتفون بمهن متواضعة، لا يقبل عليها أهل البلد، مثل العمل في المطاعم وفي التنظيفات وغيرها ويعاني المهاجرون ايضا من البطالة، وتبلغ نسبتهم أحيانا ضعف نسبة البطالة لدى المواطنين كذلك تؤثر نسبة المهاجرين في تعديل نسبة التوازن الديموغرافي في بعض المجتمعات التي لديها أعداد كبيرة من كبار السن.تعاني البلدان ذات المداخيل العالية من أزمة اللجوء السياسي والإنساني إليها. فهؤلاء الذين يطلبون اللجوء بلغ عددهم في تسعينيات القرن الماضي حوالى المليون لذلك ترفض أغلبية طلبات اللجوء. أما البلدان النامية فتستقبل أعداداً أكبر من طالبي اللجوء، ولا ترفض طلباتهم. كذلك يتحول طالبو اللجوء الى مهاجرين غير شرعيين. وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق. المصدر: السفير- 2-7-2009
|
![]() |