![]() |
||
![]() |
الشيعة... والتقصير العربي
خليل علي حيدر
نشرت صحيفة "الاتحاد" يوم 4/11/2007، ضمن مقالات "وجهات نظر" مقالاً بعنوان "الشيعة العرب بين الاستقلال والتبعية" بقلم الزميل د. طارق سيف. وقد تضمن المقال العديد من النقاط والمحاور التي أرجو أن ينفتح الحوار حولها في هذا الموضوع الحساس، وبخاصة في هذا الظرف العسير، حيث تثار الميول الطائفية في منطقة دول الخليج والعالم العربي، وبخاصة أن الزميل د. سيف، ينهي مقاله باستنتاج لا يقيمه على مقدمات واضحة فيقول: "بعد كل هذا، هل هناك مكان لسؤال حول الاستقلال أم التبعية للشيعة العرب؟ الأمر بات واضحاً، فمصالح الشيعة العرب مع الدولة الفارسية لا غير"! ومن المؤسف بداية، أن المقال كله تقريباً ينصبُّ على أوضاع العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث يقول "أفاد سقوط نظام صدام حسين في العراق الشيعة كلهم في الشرق الأوسط"، ومع هذا لا يمهد الكاتب لمقاله بتحليل نظام طاغية العراق، وما فعله بالشيعة مثلاً بعد فشل حركة التمرد عام 1991 وميراث هذا النظام الاستبدادي على وجه العموم، وتأثيره على المجتمع العراقي وطوائفه ومن هنا فإن العديد من ملاحظاته النقدية تتناول العرَض لا المرض، والنتائج لا الأسباب. ويقر الكاتب د. سيف بالانقسامات بين الشيعة والفوارق بين مصالح إيران والعراق وتنوع المليشيات الشيعية وغير ذلك، ولكنه يتجاوز كل هذه المقدمات إلى النتيجة التي يريدها. وكان الأجدر بالزميل الدكتور لو أنه درس هذه المرحلة وهذا النظام وتعقيدات الوضع العراقي والمواقف والتطورات المذهبية منذ الثورة الإيرانية على الأقل، ليتناول على ضوئها الواقع العراقي - الإيراني الراهن والقضية المذهبية في منطقة الخليج والعالم العربي ولا جدال في أن الكثير من الجماعات المذهبية والثورية الإيرانية قد اعتبرت سقوط النظام العراقي عام 2003 فرصة ذهبية لمد نفوذها وتصفية الكثير من حسابات الحرب العراقية- الإيرانية، ولاشك في أن المرجعية الإيرانية الرسمية تحاول منذ سقوط النظام العراقي بل منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 تعميم مدرستها المذهبية والفقهية ومبدأ ولاية الفقيه بين شيعة العراق ولبنان ودول الخليج وكل مكان، وأنها تريد تهميش مرجعية النجف العراقية لصالح المرجعية الإيرانية. ولاشك أنها تعمل ليل نهار لإنزال أكبر الخسائر بالقوات الأميركية لأنه لا مصلحة لإيران في نجاح عراق ديمقراطي متعدد المذاهب وعصري.. ولاشك.. ولاشك... إلخ! ولكن ألا يتحمل العالم العربي شيئاً من المسؤولية في ترك العراق، وبخاصة شيعة العراق، لقمة سائغة بيد التشيُّع السياسي والمطامع الإيرانية؟ ألم يرفض العالم العربي الاعتراف بالنظام الجديد؟ ألم يتفرغ الإعلام العربي عبر الصحافة والتلفاز لشن حملة ظالمة على الحق والباطل في التجربة الجديدة؟ ألم يحذر حتى الدول العربية المعتدلة بل وسُنة العراق نفسه من التعاون مع الوضع الجديد؟ وما أن تخلص العراقيون من نظام القمع والاستبداد يوم 9/4/2003، حتى انهالت على مناطق سكن الشيعة وتجمعات العمال وصغار التجار المتفجرات والسيارات المفخخة والمذابح من كل لون. ونال التفجير المساجد والحسينيات والمواقع المقدسة مثل سامراء وكربلاء والكاظمين. وفيما أغرق الإرهابيون العراق الجديد على مدى سنوات بالمتفجرات والدماء والجثث، وقاموا بإرعاب شيعة العراق لصالح النفوذ الإيراني والقوى الطائفية، تولى الإعلام العربي في حملة موحدة تشويه كل ما تقوم به الحكومة العراقية، وكل الخطوات الديمقراطية وكل السياسات الجديدة وصب هذا المجهود كذلك لصالح الإيرانيين الذين عادوا المشروع الأميركي في العراق منذ بدايته..ولا يزالون ولم تخجل أطراف من هذا الإعلام المضلل حتى من التباكي على عهد صدام، لأن "العراق لا يمكن أن يحكمه إلا شخص مثل الحجاج" كما لا نزال نقرأ للبعض. وفيما توالت جرائم إرهاب تنظيم القاعدة والزرقاوي، لم يسترد الأردنيون مثلاً بعض وعيهم إلا عندما ضربهم إرهاب الزرقاوي في عقر دارهم، وحتى في هذه، قام بعض قادة الإسلاميين الأردنيين بتقديم واجب العزاء بوفاة "المجاهد الكبير".. أبو مصعب الزرقاوي! ويتناول الزميل الكاتب، بروز السيد السيستاني وصعود شيعة العراق، وتأثير الطرفين في الواقع العراقي المحلي والشيعي العربي وكأنها مؤامرة حيكت بليل! ويأخذ على السيد السيستاني تحريضه الشيعة للمشاركة في الانتخابات والتصويت على الدستور! ولا أجد هنا أي مأخذ ما دام التصويت والانتخاب مفتوحاً لكل العراقيين ولكل الأعراق والمذاهب. ثم إن السيستاني بالذات قام بدور عظيم في مناسبات عدة لإجهاض الحرب الطائفية التي هددت العراق بالدمار، كما أنه يمثل امتداداً للمرجعية الشيعية التقليدية التي تعارض مبدأ "ولاية الفقيه"، الذي هو أساس المرجعية في إيران وقد أشاد أكثر من كاتب بهذا الدور كما هو معروف، ولا يعيره الزميل الفاضل أي اهتمام. ثالث ما ينبغي الحديث عنه والحوار فيه مما ورد في مقال الزميل، هو حديثه عن النفوذ الإيراني في العالم العربي ودول الخليج. وهنا نجد العجب العجاب، فالجماهير العربية تتوجس من "النفوذ الإيراني" و"الهلال الشيعي" و"عودة الفاطميين" وغير ذلك، ولكنها تتعاطف أشد التعاطف، حتى بين الإعلاميين والمثقفين، مع معظم مطالب ومساعي إيران للحصول على السلاح الذري "لإيجاد توازن ذري مع العدو"! ونجد في معظم أنحاء العالم العربي تعاطفاً مع "حزب الله" وتنظيم "الجهاد" و"حماس" والحرب المنطلقة من لبنان ضد إسرائيل أو السياسات التي تتبناها "حماس". ألا ينبغي للزميل الفاضل أن يحدد موقفه، بل ويطالب العالم العربي بتحديد مواقفه، فإما أن نكون مع الحل السلمي للقضية الفلسطينية، وهذا يتطلب حل كل مشاكل الصراع مع إسرائيل بالمباحثات والوسائل السلمية والمفاوضات والتنازلات المتبادلة مهما كانت مؤلمة، وهذا يعني أن علينا أن نبتعد عن السياسات الإيرانية و"حزب الله".. والقنابل الذرية! أو أن نكون كما كنا قبل 1967، مع الحرب والمقاومة واسترجاع فلسطين من النهر إلى البحر بالعنف والقوة المسلحة مهما كانت المخاطر والتضحيات! ولاشك أننا في سياستنا واستراتيجيتنا هذه بحاجة ماسة إلى التحالف مع إيران وتنظيم "الجهاد" و"حزب الله" و"حماس"، بل و"الجبهة الشعبية" وكذلك تنظيم "القاعدة"! فأين يقف الزميل الفاضل من هذين الفسطاطين؟ وكيف يحلل الانقسام العربي؟ وكيف يمكن لإيران أن تكون شيطاناً في الخليج وملاكاً في لبنان وفلسطين؟ وكيف يمكن للشيعة أن يكونوا طليعة التعاون مع أعداء الأمة في العراق وطليعة القوى المعادية للصهيونية في لبنان وفلسطين وأماكن عربية كثيرة؟! ولا أريد على الإطلاق، التهوين من مخاطر بعض السياسات الإيرانية في العراق ومنطقة الخليج ولبنان والعالم العربي، ولكن ثمة مبالغة واضحة في قدرات إيران ومخاطر تحالفاتها، وفي هذه التهم العريضة الموجهة لـ"خطط الشيعة".! ويعرف كل متابع ومطلع أن قدرات إيران محدودة، بينما يصورها الإعلام السياسي والمذهبي المعادي وكأنها.. ألمانيا الخليج! ولكن التشيع رغم هذا كله، مذهب ظهر وتطور في العالم العربي منذ قرون طويلة، وإذا كانت إيران تستفيد من معطياته فلأن العرب لا يريدون أو لا يعرفون الاستفادة منه، ولا فتح كليات الشريعة لدراسته بموضوعية! لقد تُرك التشيع، لبعض الاجتهادات الشخصية وللجماعات المتشددة، وللأحزاب "الجهادية التكفيرية"، وللمواقع التي تبث الكراهية العنصرية والطائفية، عبر الإنترنت والفضائيات.. والآن نشتكي من النتائج! لماذا لا ننادي كمثقفين وإعلاميين، سُنة وشيعة، بإطلاق الحريات الدينية والمذهبية في العراق وإيران ولبنان ومصر وشمال أفريقيا ودول الخليج، وفي كل مكان، بدلاً من هذه المخاوف؟ إن دولة الهند، بمئات الملايين من الهندوس، سلمت رئاسة الجمهورية مرتين حتى الآن للمسلمين.. ولم تقع كارثة! نحن يا أخ سيف، بحاجة ماسة إلى حوار طويل! وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق. المصدر:الإتحاد الإماراتية -11-11-2007
|
![]() |