هل المستقبل للمؤسسات المالية الإسلامية ؟

 

 

د. أسامة الدريعي ل "الراية الاقتصادية":

الأزمة العالمية الحالية تدفعنا لنشر ثقافة الاقتصاد الإسلامي

إذا ظلّت المؤسسات المالية الإسلامية حبيسة جدرانها فلن تستفيد من الوضع الراهن

توحّد البنوك الإسلامية يمنحها قوة وتكون بديلاً للبنوك التقليدية

المؤسسات المالية الإسلامية تحتاج إلى اتحاد ورؤيا واضحة وإقناع مؤثّر تتبناه دول

أجرى الحوار -  أحمد سيد:

لم تكن الأزمة المالية العالمية مجرد أزمة اقتصادية عادية، كما لم تكن أيضاً تداعياتها من إفلاس لعدد كبير من الشركات الكبرى المتعددة الجنسية وتوقع لركود عالمي خلال السنوات المقبلة.. لم يكن كل ذلك مجرد أزمة اقتصادية، بقدر ما هي أزمة نظام مالي أثبت فساده، وأشهر إفلاسه الفكري وبقدر التأثر النسبي لدول الخليج والمنطقة العربية من تداعيات هذه الأزمة، إلا انه في ذات الوقت كان تأكيدا لنجاح النظم والأدوات المالية الاسلامية التي جنبت البنوك والمؤسسات المالية التي تتعامل وفق مبادئها من خسائر محققة تكبدتها البنوك التقليدية في العالم، الأمر الذي دفع كثير من الخبراء والمحللين في الدول الغربية للمطالبة بدراسة النهج الاقتصادي الاسلامي واستخلاص تجربته والعمل بها.. ناهيك عن اتجاه كثير من البنوك الغربية العالمية لفتح فروع تتعامل وفق مبادئ الشريعة الاسلامية إلا انه ورغم النجاحات التي تحققها البنوك الاسلامية ذ  لا تزال تلك المصارف والمؤسسات المالية تفتقد لكثير من عوامل الانتشار في منطقتنا، بل وتواجه بكثير من الانتقادات التى لا تبدأ من ارتفاع الفوائد التي تحتسبها على قروضها الممنوحة للعملاء، ولا تنتهي عند الشك في اتباعها مبادئ الشريعة الاسلامية في تعاملاتها المالية لذا كان لابد من وضع النقاط فوق الحروف، وإزالة الالتباس الحاصل عند الكثيرين حول البنوك الاسلامية وكيفية تيقنهم من اتباعها مبادئ الشريعة الاسلامية في تعاملاتها، وغيرها من القضايا الشائكة التي وضعناها امام الشيخ الدكتور أسامة قيس الدريعي المدير العام لبيت المشورة للاستشارات المالية، إذ يعتبر "بيت المشورة" بمثابة بيت الخبرة القطري في تدريب وتأهيل الكوادر البشرية التي تستعين بها المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في مراقبة وتدقيق معاملاتها وللدكتور أسامة الدريعي باع طويل في نظم الرقابة والتدقيق الشرعي وفهمه العصري لفقه المعاملات المالية الاسلامية، وقد خلصنا في نهاية الحديث ان المستقبل للمؤسسات والمصارف الاسلامية.

وفيما يلي نص الحديث.. بداية، هل تعتقد ان الازمة المالية الحالية التي تعم العالم، بداية لنشر ثقافة المعاملات المالية الاسلامية في قطر ودول الخليج والدول العربية بشكل عام؟

- حقيقة ان الثقافة المصرفية الإسلامية بفضل اللَّه أخذت في الانتشار والتوسع لكن يجب أن نفّرق بين الثقافة المصرفية الإسلامية، وبين عمل المصارف الإسلامية فالثقافة عبارة عن منهج وعمل وتوعية وتبصير وهذا لا يتأتى إلا من خلال الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش والبحث والمنشورات والمجلات والصحف كي يتم إستيعاب هذه الثقافة وتعميمها، أما الأعمال المصرفية فهي محصورة بين جدران كل مؤسسة مالية على حدة.

وإذا ما نظرنا إلى الأزمة المالية العالمية وأردنا أن نستفيد منها في نشر ثقافة الإقتصاد الإسلامي فإننا لا نستفيد منها الاستفادة الكاملة إذا ظلّت المؤسسات المالية الإسلامية حبيسة جدرانها، أما إذا أردنا الانتشار الواسع والاستفادة الكاملة فيجب أن ننطلق من منطلق نشر الثقافة وتعميمها ثم ننظر مردودها لاحقاً.

أسباب الأزمة

في رأيك، ما هي الأسباب التى ادت لهذه الأزمة؟

- الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الأزمة تنطلق من سبب عقدي إيماني وهو قولة تبارك وتعالى (يمحق اللَّه الربا ويربي الصدقات).  نؤمن إيماناً جازماً بأن الربا عمّ وانتشر وتطورت منه البلدان فإنه لا محالة سيمحق هذا أولاً ثم قبل الحديث عن الأسباب الرئيسية لهذه الأسباب نحتاج إلى تشخيص هذه الأزمة : فهي بدأت منذ عام 2007م وانتشرت وانفجرت في عام 2008م وهي باختصار أن المؤسسات المالية قدمت قروضاً ضخمة جداً بلغت حوالي 13 تريليون دولار لشراء عقارات (منازل) للمتعاملين معها، وكذلك قدمت قروض على هيئة بطاقات إئتمان، وبعد أن أصبحت لديها كميات من القروض الهائلة، قامت ببيعها لشركات (التوريق)..ثم قامت شركات التوريق بإصدار سندات بقيمة هذه القروض وطرحتها في السوق لبيعها لمستفيدين آخرين بأسعار أكثر من قيمتها الأسمية بسبب الفوائد التي تم إحتسابها على أصل القرض . وهذه الفوائد تبدأ تدريجياً على المقترض فيدفع المقترض الفوائد لمدة سنتين أو ثلاثة قبل أن يصل إلى أصل المبلغ المقترض .

ثم قام أصحاب المنازل (العملاء) برهن عقاراتهم للحصول على قروض أخرى. ثم قامت المؤسسات التي أعطت قروض في هذه المرحلة برهن العقارات رهن ثاني ثم باعت القروض لشركات توريق ثم قامت شركات التوريق ببيع هذه القروض لمؤسسات عالمية ولصناديق سيادية على هيئة سندات عبر المشتقات المالية، فأصبح المنزل الذي تم شراؤه بمليون دولار (فرضاً) في القرض الأول ب 20  مليون دولار بعد أن تم بيع دينه مرات عدة..وفي خطوة إحترازية قامت شركات التمويل العقاري بالتأمين على قروض العقارات. فتخيل ما هي الكوارث التي تحّل على المؤسسات المالية عند تأخر العميل عن سداد القروض وهذا ما حصل فعلاً فقد تعثّر العملاء بما أثقلوا من قروض فلم يعد بإمكانهم سداد أقساط القروض، فباتت شركات التأمين مطالبة بتعويض المؤسسات المالية عن تعثّر العملاء، وهكذا بدأت سلسلة تساقط المؤسسات المالية واحدة تلو الأخرى..ويمكن أن نجمل الأسباب في البنود التالية:

الوعيد الربّاني على أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ومحقه بالكلية.

الاعتماد على تضّخم أسعار العقارات والتوقعات المستقبلية لها.

التساهل بمنح القروض وإشغال المستهلك بديون لا قِبل له بسدادها.

تعدد رهن العقارات في مقابل الحصول على قروض لأكثر من جهة.

 بيع الديون في مقابل أسعار أعلى لها (التوريق)

حيث قامت البنوك ببيع قروضها المجمعّة على عملائها مقابل عقاراتهم إلى (شركات التوريق) بأقل من قيمة الدين قي مقابل الحصول على السيولة النقدية وشركات التوريق قامت بإصدار سندات بقيمة هذه الديون وطرحها في السوق للإكتتاب بقيمة أكبر من القيمة التي اشترتها بها من البنوك الأولى، والفرق بين قيمة الشراء وبين قيمة بيع السندات هو الذي تحصل عليه (شركات التوريق) وهذا هو شبيه خصم الكمبيالة التي يقوم صاحبها ببيع دينه لأجل شخص حالاً للحصول على النقود بأقل من قيمة الدين، مثال: زيد من الناس لديه شيك بقيمة مليون ريال تحصيله بعد سنة، وهو محتاج للمال الآن فيقول لعمرو هل تشتري هذا الشيك ب950  ألفاً في مقابل أن تعطيني المال الآن، وأنت بدورك يا عمرو تحصّل المبلغ بعد سنة وهذا الفعل حرام صدر به قرار من مجمع الفقه الإسلامي بحرمة التعامل هذا في القرار رقم 7-2-1964في الفقرة (ثالثاً) بشأن حسم الأوراق التجارية في دورة مؤتمره السابع بالممكلة العربية السعودية بتاريخ 7-12 ذي القعدة 1412ه الموافق 9-14  مايو 1992م .

الفوائد البنكية الناشئة عن:

أ - القروض الربوية التي أثقلت المتعاملين مع البنوك.

ب- ما يجنيه أصحاب السندات بعد بيع الديون لشركات التوريق، وجعل الديون المشتراة سندات وبيعها مرة أخرى ليستفاد حملة السندات من الفوائد الربوية وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي برقم  60 (11-6) بشأن تحريم التعامل بالسندات مضمونة رأس المال مع دفع فائدة مشروطة في مؤتمره السادس بالمملكة العربية السعودية بتاريخ  16-23 شعبان 1410ه الموافق 14-20  مارس 1995م.

ج- شركات التأمين التي قامت بناء على التأمين بالربا.

المشتقات المالية :

وهذا الوهم الذي أقاموا الدنيا وأقعدوها من أجل هذه الأمور التي لا تعّد سوى بيع أوهام كما عرفها البعض حيث قالوا في تعريفها : أن المشتقات ليست أصولاً مالية وليست أصولاً عينية إنما هي عقود كسائر أنواع العقود يترتب عليها حقاً لطرف وإلتزاماً على طرف آخر .

ومن أدوات هذه المشتقات : العقود المستقبلية (Futures) والإختيارات أو الخيارات (soptions)

وكل هذه الإدوات محرمة صدر بها قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم  63 (1-7) بشأن الأسواق بعدم جواز التعامل مع الإختيارات لأسباب كثيرة يطول شرحها في هذا المقام.

إلى أي مدى يمكن أن يتأثر القطاع المصرفي القطري والخليجي بهذه الأزمة؟

- بفضل اللَّه لم تتأثر البنوك الإسلامية بهذه الأزمة لأنها ملتزمة في تعاملاتها بأحكام الشريعة الإسلامية، وكل التعاملات التي دخلت بها البنوك العالمية هي تعاملات غير شرعية فلم تدخل المؤسسات المالية الإسلامية بأي من هذه التعاملات . أما البنوك الأخرى التي دخلت فقد تأثرت فعلاً من هذه الأزمة.

بديل إسلامي

هل يمكن للبنوك الاسلامية ان تحقق نجاحات على صعيد تلك الأزمة؟، وهل فعلا يستطيع قطاع التمويل الإسلامى أن يتوحد مع النظام المالى العالمى ويثبت قدرته على أن يكون بديلاً منافساً أمام النظام المالى التقليدي؟

- إذا توحّدت البنوك الإسلامية تستطيع أن تعطي بديلاً عن ما أشغل العالم اليوم وأهلك الحرث والنسل.

بعض الخبراء يعتقدون بوجود معوقات امام انتشار البنوك والمؤسسات المالية الاسلامية.. الى أى مدى تتفق معهم ؟ وما هي هذه المعوقات في رأيك؟ وكيف يتم حلها؟

- لا أعتقد أن هناك معوقّات بالمفهوم المجرّد، وإنما هي مقومات، فالمؤسسات المالية الإسلامية حديثة النشأة متينة مجموع أصولها ضخمة جداً، لكنها متفرقة، تحتاج إلى اتحاد وإلى رؤيا واضحة، وإقناع مؤثّر تتبناه دول.

هناك انتقادات للبنوك ومؤسسات التمويل الاسلامية انها ترفع الشعار الاسلامي دون تطبيق حقيقي له.. ما رأيك؟

- هذا تجنّي على المؤسسات المالية الإسلامية فجنوح مؤسسة أو موظف في مؤسسة عن الركب لا يعني بأن المنظمة فاسدة، بالعكس من ذلك فالمنظومة نقية صلبة راسخة ثابتة. وإن ساء التطبيق فلا يعني سوء النظام.

ضوابط المعاملات الإسلامية

كيف يمكن للمواطن ان يتأكد ان معاملاته المالية تخضع لضوابط الشريعة الاسلامية؟

- إذا أعلن عن أي مؤسسة مالية بأنها تتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية فإنها قد حققت ما يلي :

1- تثبيت ذلك في نظامها الاساس وعقدها التأسيسي بأنها تتعامل وفي أحكام الشريعة الإسلامية.

2- إذا ثبت ذلك وجب عليها - أي المؤسسة المالية وعن طريق جمعيتها العمومية أو بتخويل من الجمعية العمومية لمجلس الإدارة - تعيين هيئة فتوى ورقابة شرعية من علماء الشريعة الفقهاء العارفين والمطلعين والمتمرسين في أعمال الصيرفة الإسلامية كي يستطيعوا أن يفتوا على بصيرة ودراية بالواقع العملي المالي وهذه الهيئة لا تكون معينة تعينن وظيفيا، وإنما تكلفيا بمكافأة، كي تكون لهم استقلالية مطلقة وكاملة في إداء مهامها وتعني بالتثبت من أن تعاملات البنك تتم وفي أحكام الشريعة الإسلامية وليس ذلك فحسب فإنها تشرف وتفتي وتراقب كل العقود والمنتجات المالية الإسلامية.

3- ولكي تتمكن الهيئة الشريعة من إداء عملها فإنها تحتاج من يتابع أعمال المؤسسة باستمرار وهذا غير متحقق لأعضاء الهيئات الشرعية لأنهم كما ذكرنا في الغالب غير متفرغين لأعمال المؤسسة، فإنه يتعين أن تعين المؤسسة وعن طريق الهيئة الشرعية مراقبين ومدققين شرعيين يعملون بصفة دائمة في المؤسسة يراقبون ويدققون أعمال المؤسسة باستمرار ويتأكدون بأن ما يجري من أعمال داخل المؤسسة يتم وفق القرارت والفتاوى الصادرة من هيئة الفتوى والرقابة الشرعية ويرفعون تقاريرهم لها باستمرار، وبذلك يمكن للهيئة أن تطلع على أعمال المؤسسة من خلال هؤلاء المدققين والمراقبين الشرعيين، وبعدم وجودهم يعتبر خلل في المؤسسة وفي أعمال الهيئة الشرعية، وهذا ما أكدت عليها معايير الضبط الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسالمية، ومؤتمرات هيئات الرقابة الشرعية، فإذا توفرت هذه العناصر فإن للمتعامل أن يطمأن على سلامة معلاته.

وكيف تفسر ارتفاع الفائدة التي يحتسبها البنك الاسلامي على القروض مقارنة بالبنك التقليدي؟

- المؤسسات المالية لا تأخذ فوائد وإنما أرباح، ولا أعتقد بأن هذه الأرباح مرتفعة عن بقية السوق، لأن ليس من مصلحة المؤسسات الإسلامية أن تزيد من نسبة ربحها وتخسر بذلك عملاء، وإن وجدت نسبة مرتفعة لبعض  المؤسسات فلها أسبابها الخاصة التي تدفعها لمثل هذه النسبة.

أخيرا... هل يمكن استحداث أدوات مالية إسلامية جديدة تناسب العصر وتلبي احتياجات العملاء على اختلاف فئاتهم؟

شريعتنا تناسب كل جيل وكل عصر وتلبي حاجات الفرد والمجتمع والأمة، وفقه المعاملات مليء بالكنوز العلمية، فطالما وجد أناس مخلوصون تنفيذيون وفقهاء ربانيون عارفون وجدت بدائل ومنتجات مالية إسلامية تناسب كل جيل وكل عصر.

وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر: جريدة الراية القطرية - badlah.com