الاقتصاد العالمي يستعد للتراجع عام
2008.. لكن ليس كارثة
تظل أمريكا الشمالية مركز الاقتصاد العالمي. ويعتمد أي تقييم للاقتصاد
العالمي في 2008 على احتمال وعمق وطول مدة التراجع في اقتصاد الولايات
المتحدة وعلى ضخامة انتشاره في أنحاء العالم. ولذلك، أي توقع في هذا
الشأن يعتمد على كيفية إجابتنا عن الأسئلة الثلاثة التالية: هل تتواصل
الأزمة المالية في 2008؟ هل ترتفع توقعات التضخم أكثر؟ وأخيراً، هل
تحدث عملية إعادة توازن عالمي غير منظمة؟ إذا أجبنا على جميع هذه
الأسئلة الثلاثة بنعم، فعلينا أن نهيئ أنفسنا لمواجهة ركود عالمي
وإذا كانت الإجابة بالنفي، فسيشهد الاقتصاد العالمي عاماً جيداً
آخر. وبطبيعة الحال هناك الكثير من السيناريوهات بين هذا وذاك؟
أما أنا، فأجيب عن السؤال الأول بنعم غير مؤكدة
ذلك أن من المحتمل أن تظل الأزمة المالية ملقية بظلالها على
معظم العام، وربما تشتد قبل أن تتحسن وفي
واقع الأمر، الأزمة التي نعيشها ليست أزمة رهنيات لا تتسم بالملاءة،
ولا أزمة ائتمان كما يطلق عليها في معظم الأحيان، بل أزمة مصرفية
وقد علمنا التاريخ الاقتصادي مراراً وتكراراً أن الأزمات
المصرفية لا تنتهي ببساطة فقد أثبتت هذه
الأزمة المصرفية أنها مستحكمة لأنها تتفاعل مع الاقتصاد الحقيقي ومع
جوانب أخرى من السوق المالية - سوق الرهن، وأسواق المال، ومختلف جيوب
أسواق السندات. وزيادة على ذلك، فهي ليست أزمة سيولة في جوهرها، رغم أن
نقص السيولة في الأسواق يبدو واحداً من أعراضها الكثيرة. وما جعل منها
أزمة حادة وعصية على السياسة النقدية، هو أن المؤسسات المالية لم تعد
لديها ثقة عمياء بقدرة نظيراتها على الوفاء بالتزاماتها.
ولن تنتهي هذه الأزمة في اللحظة التي يتم فيها معالجة جميع المشاكل
المتعلقة بالرهنيات غير ذات الملاءة فهناك
العديد من الجوانب الأخرى في سوق الائتمان تعرضت لمبالغة كتلك التي
تعرضت لها الرهنيات غير ذات الملاءة. منها، مثلا، القروض الممنوحة
لجهات مثقلة بالديون وهنا خطر العدوى عظيم
إذا مرت الولايات المتحدة بفترة ركود اقتصادي
في هذه الحال، سترتفع
حالات إفلاس الشركات بحدة، الأمر الذي يضرب السوق الخاصة بعقود التأمين
على القروض، وهي الأدوات المالية المعقدة التي تقدم التأمين على سداد
السندات. وفي هذه السوق أيضا، ربما تم التقليل من شأن مخاطر الانكشاف
بدرجة كبيرة.
إن الآثار التي تخلفها أزمة مالية ومصرفية بهذا الحجم على الاقتصاد
الكلي ليست بسيطةفغالباً ما يقلل المتوقعون الاقتصاديون من أهمية
القنوات الائتمانية والمالية والذي أنقذ
الاقتصاد الأمريكي من الركود الذي مر به عام 2001 كان سوق الإسكان
المزدهرة وتوافر القروض الاستهلاكية الرخيصة
وهذه المرة، يعمل العديد من هذه الآليات بصورة معكوسة.
ذلك أن أسواق
الإسكان في الولايات المتحدة والعديد من الاقتصادات الأخرى تتجه نحو
حالة من التراجع الحاد وفي الحقيقة، فإنها
شهادة على قوة متأصلة في الاقتصاد الأمريكي أنه كان يحقق نمواً
إيجابياً حتى عهد قريب أما الخطر الثاني،
فهو التضخم - وذلك لسببين. الأول، أن استمرار التضخم بمعدلات عالية
يمكن أن يزعزع أسواق السندات الحكومية في العالم، التي تعتبر ركيزة
نادرة للاستقرار في بيئة مالية تسودها حالة من عدم اليقين
والسبب الثاني هو أن ارتفاع معدل التضخم يفرض قيوداً على
السياسة النقدية. ويمكن لهذا بدوره أن يجعل الكساد أكثر صعوبة ويدوم
مدة أطول، كما يجعل الأزمة المصرفية أشد ولا
تتمثل المشكلة بالنسبة للبنوك المركزية في ارتفاع معدلات التضخم
الرئيسي، بل في ارتفاع توقعات التضخم. فمن شبه المؤكد أن يؤدي التراجع
الاقتصادي إلى انخفاض معدلات التضخم الرئيسي بسبب انخفاض أسعار النفط
والمواد الغذائية. لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى خفض التوقعات المستقبلية
فقد ارتفعت توقعات التضخم في سائر أنحاء العالم عام 2007، ويرجع ذلك
إلى عدة أسباب منها ارتفاع التضخم الرئيسي. لكن قد يكون مرد ذلك أيضا
أن البنوك المركزية ربما فقدت جزءاً من صدقيتها لأنها بدت ممزقة بين
أهداف متعارضة تتمثل في استقرار الأسعار والاستقرار المالي. ففي منطقة
اليورو، مثلاً، توضح توقعات التضخم لخمس سنوات أن أسواق المال تتوقع أن
يكون معدل التضخم في المتوسط 2.5 في المائة ومن الواضح أن الأسواق لا
تثق بمعدل التضخم الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي في المدى
المتوسط، القريب من 2 في المائة. وفي الولايات المتحدة ثقة الأسواق
قليلة أيضا في منطقة الارتياح للاحتياطي الفيدرالي بشأن التضخم الأساسي
لكن هذا يعني أيضاً أن البنوك المركزية ستكون حذرة.
ففي الولايات المتحدة، قد يخيب أمل بعض المشاركين في السوق حين يكتشفون
أن الاحتياطي الفيدرالي ربما لا يكون في موقع يمكنه من خفض معدل
الفائدة على أمواله إلى ما دون 4 في المائة، إلا إذا انكمش الاقتصاد
بشكل حاد وبالتالي، انخفاض معدلات الفائدة
الاسمية للمدى القصير إلى 1 في المائة، كما حدث في 2003 ، أمر بعيد
الاحتمال ويتمثل الخطر الثالث في حلحلة
الاختلالات العالمية بشكل غير منظم، خاصة حدوث انهيار في سعر تبديل
الدولار مقابل اليورو والين ويمكن أن يحدث
ذلك إذا قامت البنوك المركزية في آسيا، وروسيا والشرق الأوسط بتحويل
موجوداتها إلى عملة غير الدولار على نطاق واسع. وفيما يتعلق بهذا
الأمر، فأنا أكثر تفاؤلاً فالقرار التي
اتخذته الشركة الصينية للاستثمار بشراء حصة قيمتها خمسة مليارات دولار
في بنك مورجان ستانلي دليل على أن الصين ليست على وشك تحويل
استثماراتها من موجودات الدولار إلى اليورو. كما أن أحدث البيانات
الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية حول النظام المالي الدولي تدل على
أن التدفقات الرأسمالية كانت تعود إلى الولايات المتحدة في تشرين الأول
(أكتوبر) بعد بضعة أشهر ظهر فيها أن فائض الحساب المالي الأمريكي كان
يتلاشى وإذا أخذنا هذه العوامل مجتمعة،
فإنني أتوقع أن تسوء أزمة الائتمان قبل أن تتحسن، وأن تفرض التوقعات
التضخمية المستمرة في الارتفاع ضغوطاً على البنوك المركزية، ولن تكون
هناك أزمة بالنسبة للدولار ومن شبه المؤكد
أن يتمخض هذا السيناريو الافتراضي عن تباطؤ خطير في النمو الاقتصادي
الأمريكي، ومن الممكن جداً أن يشهد حالة من التراجع.
لكن ماذا عن بقية العالم؟ هل يمكنه أن يكون في منأى عن ذلك؟ لا، إذ
ينبغي أن تتوقع كل من آسيا وأوروبا حدوث انخفاض كبير في نموها
الاقتصادي أيضا. وستتأثر آسيا بشكل رئيسي من خلال القناة التجارية، إذا
وضعنا في الاعتبار اعتمادها على الولايات المتحدة كمستهلك الملاذ
الأخير أما الآلية الكبرى لانتقال الأزمة
إلى أوروبا فهي السوق المالية لكن آسيا
وأوروبا في مركز قد يمكنهما من تجنب التراجع أو الركود الاقتصادي
وتعتمد صحة اقتصاد آسيا بشكل مهم على استمرار الاستقرار المالي
فيها وسيكون أكبر خطر حالي على الصين،
مثلاً، حدوث انفجار داخلي في أسعار الأسهم المبالغ فيها
وتوجد في منطقة اليورو من قبل مؤشرات على حدوث تراجع اقتصادي،
لكن السياسة المالية يمكن أن تثبت هذه المرة أنها عامل توازن مهم لآثار
الدورات الاقتصادية وأحد أكثر الاقتصادات
قابلية للتأثر في أوروبا هو اقتصاد المملكة المتحدة التي تعتمد بشكل
كبير على الأداء الاقتصادي لقطاعي الإسكان والائتمان، ولأن نطاق
السياسة المالية فيها محدود أكثر إن العامل
الأساسي هو أن هذه السنة تسجل بداية تراجع اقتصادي عالمي غير متناسق
ربما يستمر لبعض الوقت، وسيكون على الأرجح غير سار، لكنه لن يرقى إلى
مستوى الكارثة.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:aleqt-4-1-2008
|