هل انتهى عصر الغذاء والنفط الرخيصين؟

 

وليد خدوري

 

 

ارتفعت أسعار الغذاء عالمياً في الفترة الأخيرة، بعد سنوات طويلة من استقرارها، بل انخفاضها فعلياً بالقيمة الحقيقية. تشير إحصاءات إلى ان القيمة الحقيقية لأسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية انخفضت نحو 75 في المئة بين عامي 1974 و2005، ونتج عن هذا الانخفاض تقلص قطاع الزراعة عالمياً وبيّن تقرير لوكالة «رويترز» الأسبوع الماضي ان موجة التضخم التي دفعت إلى الزيادة في أسعار السلع الغذائية أخيراً ورفعت أسعار القمح 90 في المئة والصويا 80 في المئة، ستستمر عام 2008 «مع ازدياد الطلب على هذه السلع من الصين والهند وظهور ضيف جديد هو الوقود الحيــوي الذي ينــذر بأن يتحول إلى أكثر المستهلكـــين شراهة للحبوب».

وعلى رغم الاختلاف الكبير في اقتصادات الغذاء والنفط، يُطرح الآن السؤال ذاته حول النفط: هل انتهى عصر النفط الرخيص، ونحن نقترب من سعر مئة دولار للبرميل؟ وهل ثمة عودة إلى الأسعار الرخيصة مرة أخرى؟ وهنا يجب ان نسأل: ما هو السعر الرخيص للنفط؟ هل هو أقل من 50 دولاراً (وفقاً لوجهة نظر معظم دول أوبك هذه الأيام)؟ أم هل هو 25 دولاراً، أي السعر الذي كان سائدا قبل القفزة الأخيرة في الأسعار؟ أم هل هو نحو 10 دولارات، أي السعر الذي وصلت إليه الأسعار عند انهيارها في عام 1998، أي قبل نحو 10 سنوات فقط؟

طبعاً تختلف أسعار المنتجات النفطية للمستهلك بين دولة وأخرى بحسب قيمة الضرائب المحلية التي تفرضها الحكومات. وطبعاً ثمة فارق شاسع ما بين السلعتين، لا تتعلق فقط بطرق إنتاجهما ولكن لكون الغذاء مادة غير قابلة للنضوب، أي ان الزراعة سنوياً تنتج سلعاً غذائية جديدة، على عكس النفط الذي هو قابل للنضوب عند انتهاء الاحتياط بمعنى آخر، يجب اكتشاف حقـــول جديدة وتطويرها لتعويض ما استُغل من النفط، أو إيجاد مصادر بديلة للطاقة أرخص ثمناً وأسهل استعمالاً وتخزيناً بحيـــث تستطــيع ان تستحوذ على نسبة كبيرة من حصــة النفط في أسواق معينة، كما حصل في قطاع الكهرباء، إذ لا نجد إلا في حالات فريدة واستثنائية هذه الأيام بناء محطات كهرباء جديدة تعتمد كلياً على الفيول أويل، بينما يتم عموماً تشييد المحطات التي تستعمل الغاز الطبيعي أو الفحم الحجري أو الطاقة النووية في توليد الكهرباء.

أما لماذا ترتفع أسعار سلعة معينة أو تنخفض بعد فترة، فهذا الأمر يعتمد على عوامل كثيرة، منها توافر السلعة بكثرة أو بما يفوق حاجة السوق في فترة معينة. وفي حالة الغذاء، يعتمد الأمر إلى حد كبير في سنة من السنوات على موجات الفيضانات أو الجفاف وكمية المزروعات التي هلكت خلال ذلك الموسم، وبالنسبة إلى النفط، يعتمد توافره أو نقصه في منطقة معينة على مشاكل صناعية أو سياسية تواجه الإنتاج أو التكرير في زمن محدد.

لكن على رغم هذه العوامل المختلفة التي تؤثر في نمط أسعار هذه السلع، ثمة عوامل تشكل قواسم مشتركة في ما بينها، منها دور المضاربات المالية وحجمها في أسواق كل سلعة، ناهيك عن دور الطلب، كما نشاهد حالياً في تأثير توسع أسواق الصين والهند والبرازيل والاستعمال المتزايد للإيثانول في الطلب على هذه السلع، ومن ثم الزيادة الملحوظة في الأسعار. وثمة أيضاً دور للتقنية في زيادة المحصول، كما في حالة تهجين المحاصيل والهندسة الوراثية واستعمال المكننة في زرع البذور والحصاد أما بالنسبة إلى النفط، فساعدت التقنية في زيادة إنتاجية الحقول النفطية من نحو 15 في المئة إلى 50 في المئة تقريباً من مجمل النفط المتوافر في حقل معين. وفي المستقبل القريب، وعلى ضوء التطورات العلمية الحديثة، والتشريعات البيئية المتزايدة في الدول الصناعية، سيجب على شركات السيارات والشركات النفطية، ليس فقط التخطيط لأنواع جديدة من السيارات تستعمل وقوداً أقل مما تستعمله السيارات الحالية، ولكن أيضاً العمل على تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى أدنى مستوى ممكن وبرزت في السنوات الأخيرة علاقة عضوية بين الغذاء والنفط، وهي وإن كانت لا تزال علاقة محدودة، فقد بدأنا نلمس آثارها السلبية منذ الآن. وتكمن هذه العلاقة في إنتاج النفط من المنتجات الزراعية، أو ما يسمى بالوقود الحيوي، أو الإيثانول وعلى رغم ان استعمال هذه العملية بدأ في البرازيل في السبعينات، إلا ان التجربة كانت محدودة باستخراج الوقود من قصب السكر فقط. وما لبثت الولايات المتحدة، من خلال قوانين جديدة للطاقة شرعتها أخيراً، ان بدأت تنتج النفط من الذرة وتدعمه مالياً وتفتح الأسواق له.

ويؤثر هذا بدوره في أسعار الحبوب إجمالاً، لأن المزارعين والسياسيين وأصحاب المشاريع الزراعية الكبرى أخذوا يحبذون زراعة الذرة على حساب أنواع أخرى من الحبوب، نظراً إلى المساعدات الحكومية التي تُخصص لهذا المحصول. لكن المشكلة الكبرى هنا، انه حتى إذا حُوّل الإنتاج الكامل من الحبوب في الولايات المتحدة إلى وقود للسيارات، فهو لن يسد أكثر من 16 في المئة من حاجة الولايات المتحدة إلى هذا الوقود. ومن ثم فإن كلفته عالية، ما سيسبب مشاكل زراعية/غذائية، وهو ما بدأ فعلاً في الوقت الحاضر، ولن يكفي الوقود الجديد للحلول محل النفوط التقليدية والسؤال الذي يواجهنا هو: هل ستبقى أسعار الغذاء والنفط مرتفعة بصورة مستمرة ومن دون انقطاع، أم هل ستؤثر العوامل الاقتصادية في مستويات الإنتاج؟

بحسب النظريات الاقتصادية، يستتبع ارتفاع أسعار السلع الغذائية تزايد الإمدادات لأن من المفروض ان تؤمّن زيادة أسعار الغذاء حافزاً قوياً لإمداد الأسواق بإمدادات إضافية من السلع الغذائية، إلا ان الأمر يختلف بعض الشيء في قطاع النفط لأن زيادة الإنتاج ليست بالسهولة أو السرعة نفسها كزيادة إنتاج الغذاء من حقول زراعية شاسعة غير مستغلة بطريقة رشيدة أو اقتصادية.

وبالنسبة إلى النفط، يجب أولا زيادة إنتاجية الحقول المنتجة حاليا، وثمة حدود قصوى لا يمكن تجاوزها في هذا المجال، كما يجب اكتشاف حقول نفطية جديدة وتطويرها وهذه العملية بحد ذاتها تمتد إلى نحو خمس سنوات في أحسن الأحوال، وفي حال التمكن من اكتشاف حقول جديدة كافية، وليس هذا الأمر مؤكداً ويمكن للارتفاع الحالي في أسعار السلع الغذائية ان يكون موقتاً، لكن هذا لا يعني ان أسعار الغذاء ستتراجع إلى ما كانت عليه سابقاً. أما بالنسبة إلى النفط، فالمعطيات المتوافرة تدل على أننا دخلنا حقبة جديدة من الأسعار العالية، وسيكون من الصعب جدا العودة إلى الأسعار القديمة، أي اقل من 50 دولار للبرميل. وبالفعل نجد ان الدول النفطية تخطط موازناتها المقبلة على أساس المستوى الجديد، كشركات النفط العملاقة التي تخطط مشاريعها الجديدة على سعر لا يقل عن 50 دولاراً.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:daralhayat-30-12-2007