هجرة الأدمغة... نزيف اقتصادي

 

حسان فوزي بيدس

 

 

تعتبر مشكلة الهجرة أحد أهم التحديات التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، واصبحت تحتل صدارة الاهتمامات الوطنية والدولية وبحسب احصاءات الجامعة العربية فإن هجرة العقول العربية تكلف نحو 200 بليون دولار.

اسباب متعددة أدت الى تفاقم مشكلة الهجرة، تتنوع بين اجتماعية واقتصادية وادارية وتتعلق الاولى بانخفاض العائد المادي لأصحاب الكفاءات، خصوصاً عدم توافر فرص العمل اللازمة للاختصاصات المحصلة. والثانية بانخفاض مستويات الدخل ونمو الاسعار بمعدلات تضخمية وعدم توافر البيئة الاقتصادية المناسبة...وتتعلق الثالثة بالبيروقراطية الإدارية وبعض التشريعات والكفالات المالية التي تعوق أصحاب الكفاءات، إضافة الى نقص في التركيز على الجوانب الفنية والمهنية المطلوبة حالياً في أسواق العمل.

تلحق الهـــجرة مزيداً من الضرر باقتصاد الدول العربية، بدءاً من نزيف في الطاقة البشرية وضعف القدرة على المنافسة العالمية، وانتهاء بإضعاف قوى التنمية في المجتمع.

صحيح ان الدول المصدرة تخسر ظاهرة هجرة العقول وتعد الخاسر الاكبر من جهة الكفاءات في الكم المطلق، لكن الدول المستضيفة تستفيد حتماً، من هذه الظاهرة بفعل الهجرة العالية التأهيل القادمة، على المدى المتوسط والطويل والتي تعتبر مكسباً تنموياً.

صحيح ان الهجرة تؤدي من جهة الى خسائر جسيمة في الاقتصاد الوطني، لعدم مساهمة هذه الكفاءات والخبرات في القطاعات الاقتصادية المحلية. الا انها من جهة اخرى تساهم في ايرادات ميزان المدفوعات وزيادة القدرة الادخارية الوطـــنية، وتحسن الجدارة الائتمانية للدول المستقبلة وبإمكان استبدال هذه التحويلات بسندات قابلة للتداول في الاسواق الدولية، فتعزز القدرة على الاقتراض منها وبشروط افضل.

وبناء على الاحصاءات المتوافرة، فإن قيمة تحويلات العاملين في الدول المستضيفة الى الدول العربية المستقبلة، بلغت عام 2004 نحو 6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي لهذه الدول.

يشار ايضاً الى ان هناك دولاً متقدمة وضعت مزيداً من العراقيل امام الأيدي العاملة المتدفقة، وقبلت فقط بالعمال المتخصصين والمهرة، الذين لايشكلون عبئاً على اقتصادها، متخذة اجراءات انتقائية، اضافة الى صراع ثقافات محتمل بين مختلف شرائح المجتمع والتمييز ضد المهاجرين، لأن وجودهم سيؤدي الى ارتفاع نسبة البطالة خصوصاً بين الشباب من الجيل الثاني في وطنهم الام.

اشارت احصاءات الى ان نسبة المهاجرين وصلت في دول الخليج الى 35 في المئة من مجموع السكان، ونسبة الجنسيات العربية تراجعت بين جملة الوافدين الى البلدان العربية لحساب الهجرة الآسيوية وهناك تقارير تؤكد ان في الدول المتقدمة نحو 450 الف عربي من حملة الشهادات العليا يعملون على اراضيها، وهناك فقط 4,5 في المئة يدرسون ومن ثم يعودون الى بلادهم.

وبناء للتقارير المتوافرة تبين ان الدول الغربية الرأسمالية استقطبت في عام 2004 ما لا يقل عن 450 ألفاً من العقول العربية وتؤكد احصاءات عالمية ان عدد المهاجرين في العالم بلغ في بداية عام 2006 نحو 3 في المئة من اجمالي سكانه.

ولإيجاد حلول جذرية لمشكلة الهجرة، لا بد من السعي نحو زيادة التعاون وتنسيق الجهود بين بلدان الارسال والاستقبال لإحصاء الكفاءات العربية في الخارج، وتدوينها وصولاً للتعرف الى اوجه الخلل والقصور، بما في ذلك تصحيح مكامن الخلل الهيكلي والعمل بكل السبل لتفعيل الأثر التنموي للهجرة وتعزيز الدور الإيجابي في الهدف والمردود، من خلال دمجها كمكون رئيس في الاستراتيجيات الوطنية للنمو الاقتصادي، وضرورة المشاركة المتوازنة في ما بينها لإيجاد بيئة اقتصادية مواتية.

ولا بد من التركيز على رسم سياسات اقتصادية دولية واقليمية للهجرة، قابلة للتنفيذ لتعزيز الفائدة من مردود الهجرة كتطبيق سياسات وحوافز اقتصادية وطنية، سواء في الدول المصدرة للهجرة او المستقبلة لها لتشجيع المهاجرين على استثمار تحويلاتهم في أوطانهم الأصلية فتتحقق الاستفادة التنموية لجميع الاطراف بخاصة في ظل تسارع المنافسة التي يشهدها العالم لتوظيف أصحاب الكفاءات لخدمة بلادهم .

لذا نلفت الى ان لا بد من وضع تشريعات تنظم عمليات الهجرة وحقوق العمال المهاجرين، والعمل على إيجاد هيئات عمالية قوية تحافظ على حقوق العمال سواء كانوا مواطنين او مهاجرين لتخفيف الأخطار ولا بد أيضاً من الإنفاق على البحث العلمي في الدول المصدرة لليد العاملة، الذي ينمي بدوره مهارات اصحاب الكفاءات ويوفر لهم فرص التنافس في الاسواق المحلية ويقضي على ظاهرة هجرة العقول الموهوبة.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:daralhayat-15-12-2007