الاستراتيجية.. المعالج الأول لقضية تأثير المناخ في التنافس التجاري

                                                                                                                                                                                   

                                                                                                                                                                                         

                                                                                                                                                                                           مايكل إيه بورتر

فوريست إل رينهاردت

 

 

يعد تغير المناخ حالياً حقيقة من حقائق الحياة السياسية ويلعب دوراً متنامياً في التنافس التجاري وستخضع انبعاثات الغازات الدفيئة إلى التدقيق، والتنظيم، والتسعير المتزايد وفي حين يمكن للمديرين المختلفين ألا يوافقوا على مدى فورية وأهمية تأثير تغير المناخ، ينبغي على الشركات اتخاذ إجراءات الآن تؤكد على معاملة تغير المناخ فقط بصفته قضية تتعلق بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، وليس كمشكلة تجارية تخاطر بحدوث أكبر العواقب وبطبيعة الحال، فإن سياسات المناخ التي تتبعها الشركة سوف تتأثر بتوقعات أصحاب المصالح ومعايير المسؤولية الاجتماعية. غير أن تأثيرات المناخ في عمليات الشركات ملموسة جداً في الوقت الحاضر، وتؤكد أنه من الأفضل معالجة القضية بأدوات الاستراتيجيين وليس المحسنين الخيريين.

من الفاعلية إلى الاستراتيجية

لا يوجد منهج واحد يناسب الجميع فيما يتعلق بتغير المناخ. وسيعتمد منهج كل شركة على عملها تحديداً، ويجب أن يتداخل مع استراتيجيتها الشاملة. بالنسبة لكل شركة على حدة، ينبغي أن يشتمل المنهج على مبادرات لتخفيف التكاليف المتعلقة بالمناخ في قيمة سلسلتها وعلى قادة العمل البدء بمعاملة انبعاثات الكربون على أنها مكلفة لأنها كذلك، أو قريباً ستصبح كذلك، وعلى الشركات تقييم وتقليل هشاشتها أمام الصدمات البيئية والاقتصادية المتعلقة بالمناخ. وعلى كل شركة أن تحصل على هذا الحق الأساسي، كمسألة من مسائل الكفاءة التشغيلية.

والشركة التي لديها موظفون أكثر مما تحتاج في دائرتها للشحن تعتبر غير فعالة تشغيلياً، ويعمل مديروها على هدر مواردها ويخلقون تأخراً في الأداء. وبالطريقة ذاتها، فإن الشركة التي تنتج فائضاً في الانبعاثات في عملياتها للشحن تعمل هي أيضاً بشكل غير فعال من ناحية تشغيلية، إنها تهدر الموارد وتتكبد تكاليف غير ضرورية من المؤكد أن ترتفع. إن تطبيق أفضل الممارسات في إدارة التكاليف المتعلقة بالمناخ هو الحد الأدنى المطلوب للبقاء بشكل تنافسي.

وإضافة إلى إدراك تكاليفها المتعلقة بالانبعاثات، ينبغي على كل شركة تقييم مدى هشاشتها أمام التأثيرات المتعلقة بالمناخ مثل التغيرات الإقليمية في توافر الطاقة والمياه، وموثوقية البنية التحتية وسلسلة الإمدادات، وانتشار الأمراض المعدية. وعلى قادة الشركات أن يقيموا بشكل منتظم هذه المخاطر ومن ثم تقرير أي منها ينبغي تخفيضه من خلال إعادة تصميم العمليات، وأي منها ينبغي نقله إلى الآخرين بواسطة عقود التأمين أو التحوط، وأي منها تتحملها.

بالنسبة لبعض الشركات ولكن ليس لجميعها، فإن المنهج إزاء تغير المناخ قد يتخطى الكفاءة التشغيلية ويصبح مسألة استراتيجية. وبعض الشركات، في خضم عملية معالجة تغير المناخ، سوف تجد الفرص لتعزيز أو تمديد مركزها التنافسي بإيجاد منتجات (مثل السيارات التي تسير على الوقود المهجن) تستغل الطلب الذي يحفزه تغير المناخ، بقيامها بعملية إعادة هيكلة لصناعاتها لمعالجة قضايا المناخ بشكل أكثر كفاءة، أو بالابتكار في أنشطة تتأثر بتغير المناخ، من أجل إنتاج فائدة تنافسية أصلية.

على سبيل المثال، فإن الرد التشغيلي على تغير المناخ في اللوجستيات الخارجية، أو خدمات ما بعد البيع، يمكن أن تنطوي على آلات أكثر كفاءة في التسليم ووسائل الخدمة، أو برامج معدلة لتقليل تأخير الحركة وفي المقابل، يمكن أن تنطوي المناهج الاستراتيجية على إعادة تشكيل النشاط برمته: في اللوجستيات الخارجية، يمكن أن تبدل الشركات الكتب أو الأدلة المادية بنسخ إلكترونية، وفي خدمة ما بعد البيع، يمكن تبديل الزيارات الفعلية بفنيي الخدمة بالتشخيص عن بعد وبرامج المعالجة.

من الداخل إلى الخارج ومن الخارج إلى الداخل

لوضع منهج شركة ما إزاء تغير المناخ وتقييم الفرصة الاستراتيجية، على قادة الأعمال النظر من "الداخل إلى الخارج" لفهم تأثير أنشطة الشركة على المناخ، ومن "الخارج إلى الداخل" إزاء كيف يمكن أن يؤثر المناخ المتغير (في تجلياته الفعلية والتنظيمية) على بيئة العمل التي تتنافس فيها الشركة ومن أجل إدراك التأثير من الداخل إلى الخارج، على المديرين دراسة سلسلة قيمة الشركة. وأي نشاط متسلسل القيمة - اللوجستيات الداخلية، والعمليات، واللوجستيات الخارجية، والتسويق، والمبيعات، وخدمة ما بعد البيع - يمكنه أن يولد انبعاثات والنسبة البسيطة المتمثلة في الأرباح إلى إجمالي الانبعاثات في سلسلة القيمة يمكن أن تكون مقياساً يبلغ عن تأثير المناخ المحتمل. فإذا كانت هنالك تنظيمات جديدة تضع سعراً مقداره على سبيل المثال عشرة دولارات للطن على الانبعاثات، فهل سيضر ذلك بشكل ملحوظ في الأرباح أو حتى يبتلعها كافة؟

إن "مخاطر الكربون" تزداد مع تأثير تكاليف الكربون على الأرباح. ومثل المخاطر الأخرى، تحمل مخاطر الكربون فرصاً مثلما تحمل تحديات: فشركات الغابات على سبيل المثال قد تجد أن إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء عن طريق زرع الأشجار قد يكون مربحاً تماماً مثل تقطيعها وإنتاج الورق أو الكرتون. إن تأثير الانبعاثات للأنشطة في سلسلة القيمة يمكن أن يكون مباشراً أو غير مباشر. إذ يمكن توليد الانبعاثات بنشاط تحت سيطرة الشركة، أو تحفزه الشركة من خلال أنشطة الموردين، والقنوات، والمستهلكين. وعلى الشركة أن تدرك الانبعاثات التي تجعل شركاءها في العمل ينتجونها، فضلا عن تلك التي تولدها بنفسها: إن كلا النوعين يعتبران أهدافاً مهمة من حيث تخفيض كميتها.

إن هذه التأثيرات المتغيرة من الداخل إلى الخارج لها تداعيات استثنائية على الأرجح. على سبيل المثال، فإن سلسلة الإمدادات العصرية، بأنظمة إدارتها المكثفة في نقل المخزون في الوقت المناسب، ربما لم تعد الأفضل في عالم تزداد فيه تكاليف الإمدادات بالمثل، يمكن أن تواجه التجارة الإلكترونية، مع نشرها للشحنات الصغيرة، تحديداً فعلياً. وفي بعض حالات نقل العمليات إلى الخارج، والتي تزيد الانبعاثات بإطالة مسافة النقل، يمكن تبديلها بعمليات في الداخل قريبة من تجمعات الموردين وأقل كمية في الانبعاثات.

إن مخاطر الكربون العالية التي كشف عنها التحليل من الداخل إلى الخارج، لا تعني بحد ذاتها أن المناخ مسألة استراتيجية لأي شركة. وحالما يدرك المديرون مخاطر الكربون الكلية لشركاتهم، وتأثير انبعاثات أنشطة معينة في سلسلة القيمة، يمكنهم استنباط خطة عمل لمعالجتها إن الأنشطة كثيفة الانبعاثات التي تزيد قيمة قليلة مرشحة للإلغاء أو إسنادها إلى مصادر خارجية لتقوم بها شركات أكثر كفاءة. وتلك المهمة في القيمة يمكن أن تصبح استراتيجية إذا كان باستطاعة الشركة تقليل المخاطر نسبة إلى المنافسين من خلال تحسين الأداء.

يساعد التحليل من الداخل إلى الخارج في إلقاء الضوء على المنطق الكامن خلف منهج وول مارت إزاء المناخ. إن أنشطة وول مارت لوجستية وعمليات النقل لديها مكثفة، وتسعى الشركة بفاعلية إلى تقليل الانبعاثات الناتجة. وللوهلة الأولى يبدو هذا المنهج تشغيلياً صرفاً: إن الشركة تقلل استخدام الطاقة لتخفيف التأثير المضر المحتمل للانبعاثات على التكاليف في سلسلتها للقيمة وعلى أية حال فإن برامج تخفيض الانبعاثات سوف تكون استراتيجية إذا استطاعت أن تستخدم حجمها ونطاقها وقدرتها في الاستثمار بقوة في التكنولوجيا، وإعادة تشكيل سلسلتها للقيمة لتخفيض الانبعاثات بطريقة يكون من الصعب تقليدها من جانب منافسيها الأصغر حجماً. يبدو أن وول مارت يقوم برهان استراتيجي بأنه يستطيع تخفيض مخاطر الكربون أكثر مما يستطيع منافسوه، وإبقاءه أدنى.

وبشكل مرادف مع التحليل من الداخل إلى الخارج، فإن نظرة من الخارج إلى الداخل يمكنها أن تكشف مجموعة جديدة من الفرص والتهديدات وسوف يؤثر تغير المناخ في بيئة عمل الشركة بطريقتين واسعتي النطاق: من خلال تغير أنماط درجة الحرارة والطقس، ومن خلال التنظيمات التي تزيد تكلفة الانبعاثات وأي منها يمكن أن يؤثر في توفر مدخلات العمل، والحجم، والنمو، وطبيعة الطلب، وإمكانية الوصول إلى الصناعة ذات العلاقة والداعمة، والقوانين والحوافز المحيطة بالمنافسة الصناعية وعلى قادة الأعمال تقييم كيف يمكن أن يؤثر تغير المناخ في كل جزء من هذا السياق للمنافسة وفي حين يمكن أن تكون انبعاثات الكربون لشركات تأمين العقارات متدنية على سبيل المثال، إلا أن مخاطر الكربون يمكن أن تكون عالية للشركات التي تؤمن أو تعيد التأمين على العقارات الساحلية التي تتعرض لتهديد ارتفاع مستويات البحار.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتبان في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:aleqtesadya