أبعاد التعاون بين أميركا اللاتينية والصين
مارك ماغنير
عقدت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش محادثات الأسبوع الجاري مع عدد من المسؤولين الصينيين حول الدور المتنامي لبكين في تدريب وتأطير القوات المسلحة في عدد من دول أميركا اللاتينية، وإنْ كان الأميركيون، حسب تصريح مبعوث واشنطن يوم الجمعة، لم يُصْدروا تحذيرات أو يدعو للحد من ذلك. وأعلن "توماس إي. شانون"، الدبلوماسي الأميركي المكلف بشؤون أميركا اللاتينية، أن الاجتماعات التي دامت يومين غطت علاوة على ذلك قضايا سياسية واقتصادية، تعد الأولى من نوعها التي تعقد بين البلدين وتخصص لأميركا اللاتينية فقط، مضيفا أن المحادثات تعكس التأثير المتزايد الذي باتت تمتلكه الصين باعتبارها قوة عالمية ومستهلكا كبيرا للنفط وموارد طبيعية أخرى. وقال "شانون" للصحفيين بمقر السفارة الأميركية في بكين "نحن منتبهون جداً" لأنشطة الصين العسكرية في أميركا اللاتينية، مضيفا: "لن أذهب إلى حد القول إننا منشغلون في هذه المرحلة، فعلاقاتنا العسكرية متطورة أكثر بكثير". وإلى ذلك، أعلن "شانون" أن المحادثات رمت إلى تحسين التواصل بين قوتين عالميتين في منطقة تؤوي مصالح مهمة بالنسبة إليهما، على أمل تلافي سوء التفاهم وتحديد مجالات التعاون المستقبلي. ولكن، يقول المسؤول الأميركي، كيف مسألة اختيار دول أميركا اللاتينية العمل مع بكين هي ما يشغل بالنا، موضحا "ليس من مسؤوليتنا أن نملي على الدول نوع العلاقات التي يمكن أن تربطها مع الصين". غير أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، الذي عاد إلى واشنطن بعد اجتماعات عقدها هذا الأسبوع في كل من طوكيو وسيئول وبكين، قال إن إدارة جورج بوش تراقب الوضع عن كثب. ومن جانبه، قال الجنرال "بانتز جي. كرادوك"، الذي يشرف على العمليات العسكرية الأميركية بأميركا اللاتينية الشهر المنصرم أمام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، إن "المزيد من التجهيزات الصينية غير العسكرية" يصل إلى المنطقة، مضيفاً أن عدداً متزايداً من الضباط العسكريين في عدد من دول أميركا اللاتينية يقصدون الصين من أجل التدريب. ويرى المحللون أن ثروات الصين المتزايدة وتعطشها إلى الطاقة والمعادن ومواد خام أخرى لتلبية احتياجات اقتصادها المتطور بوتيرة سريعة أديا إلى ارتفاع كبير في حجم استثماراتها وتجارتها في أميركا اللاتينية، رافقه ربط علاقات عسكرية، وذلك ضمن موطئ القدم الصيني الآخذ في الاتساع بالمنطقة. ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن نصف استثمارات الصين الخارجية المباشرة تقريباً يذهب إلى أميركا اللاتينية، وهو رقمٌ يقول المسؤولون الصينيون إنه قد يصل إلى 100 مليار دولار بنهاية العقد الحالي. كما أن حجم المبادلات التجارية بين المنطقة والصين تضاعف أربع مرات منذ سنة 2000 ليصل إلى 50 مليار دولار. وقد تعهدت فنزويلا في فبراير الماضي بشحن 300000 برميل من النفط الخام يومياً إلى العملاق الآسيوي، بعد أن كانت الكمية لا تتعدى 160000 برميل يومياً. كما أعلنت وسائل الإعلام الصينية أن بكين توصلت إلى اتفاق مع الإيكوادور تحصل بموجبه على ما يعادل 1.4 مليار من النفط. ومن جهة ثانية، تعهد الرئيس الصيني "هو جينتاو"، خلال الجولة التي قام بها في المنطقة في نوفمبر 2004 وقادته إلى كل من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكوبا، بإنفاق عشرات المليارات من الدولارات لتحسين البنى التحتية بالمنطقة. وحسب المحللين الصينيين، فإن تطوير علاقات بلادهم العسكرية مع أميركا اللاتينية لا يشكل سوى جزء من العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية التي تنسجها عبر العالم. وفي هذا الإطار، يقول "غو شويونغ"، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "جياو تونغ" في شنغاي: "لكننا لن نضغط كثيرا في ذلك الاتجاه، فنحن نتذكر "عقيدة مونرو" ونحترم تأثير الولايات المتحدة في المنطقة. والصين ليست كالاتحاد السوفييتي منذ نحو 50 سنة مضت، وبالتالي فلن تكون ثمة أزمة صواريخ كوبية جديدة". وإلى ذلك، قال "شانون" إن المسؤولين الأميركيين ونظراءهم الصينيين بحثوا سبل استئصال الإرهاب والجريمة المنظمة وغسيل الأموال وتجارة المخدرات. كما أشار إلى التزام بكين بالمشاركة في القوات متعددة الجنسيات التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة في هايتي، والتي يشارك فيها 134 شرطياً صينياً. وأضاف "شانون" أن جل مهمات الصين العسكرية في نحو عشرين بلداً من أميركا اللاتينية يتعلق بالتدريب والتأطير. غير أن تلك الأنشطة الدفاعية تظل مع ذلك محدودة وصغيرة إذا ما قورنت مع علاقات الصين التجارية والاستثمارية مع المنطقة. ويتهم المنتقدون في واشنطن الصين بأنها تعمل على احتكار الموارد عن طريق إبرام اتفاقات طويلة الأمد تضعف زبائن آخرين محتملين، وخصوصا عندما يتعلق الأمر باتفاقات تُعقد مع شركات عمومية قد لا تضطر إلى التقيد بمبادئ السوق. ولعل أكثر ما يثير قلق واشنطن هي فنزويلا التي تزود الولايات المتحدة بنحو 60 في المئة من نفطها، ذلك أن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز يجهر بعدم ثقته في واشنطن، كما أن حكومته تسعى إلى تنويع قاعدة زبائن نفطها. إلا أن "شانون" أشار إلى أن الولايات المتحدة تمسك بزمام الأمور قائلا: "إن فنزويلا تزود الولايات المتحدة بحوالى 1.5 مليون برميل من النفط يومياً. وبالتالي فإن فنزويلا لها مصلحة أكبر في الحفاظ على علاقات نفطية مع الولايات المتحدة". مارك ماغنير: مراسل صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" في بكين و كل ذلك بحسب راي مارك ماغنير في المصدر المذكور . المصدر : الاتحاد الاماراتيه - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" - "– 18-4-2006
|