زيادة أسعار النفط ... وزعزعة استقرار
دول آسيا
سايمون مونتليك
انعكس تضخم أسعار
النفط سلباً على الفئات الأكثر فقراً بين مجتمعات القارة الآسيوية حتى
قبل أن تصل أسعار النفط الخام إلى ما يقارب المئة دولار عن البرميل
الواحد. وبالنتيجة فقد شرعت حكومات هذه الدول في مراجعة سياسات الدعم
المقدم للمواطنين في مجال الطاقة، على رغم ما يتسم به هذا الدعم من
حساسية سياسية بالغة. وها هي الصين وقد أعلنت بالفعل عن ارتفاع جديد في
أسعار الوقود يوم الخميس الماضي، فمضت إلى فرض زيادة على مبيعات الديزل
والبنزين بلغت ما يقارب الـ10 في المئة بالنسبة لسائقي الشاحنات، في
استجابة من حكومة بكين لاختناقات الإنتاج في مصافي النفط التي تديرها
الحكومة. وقد حدثت هذه الزيادة على رغم التعهد الذي قطعه على نفسه رئيس
الوزراء الصيني وين جيابو بالمحافظة على الأسعار القائمة كما هي، في
أوساط تصاعد القلق الشعبي على ارتفاع أسعار المواد الغذائية سلفاً
لكن ونتيجة لتعثر مصافي النفط، فقد عانت حتى محطات التزود
بالوقود في العاصمة بكين نفسها من نقص في الإمدادات.
وليست الصين وحدها،
بل يمكن لزيادة أسعار الوقود على نطاق القارة الآسيوية عموماً أن تسفر
عن مخاطر سياسية جدية. ولنذكر هنا أن المظاهرات التي شهدتها بورما
اعتباراً من شهر أغسطس المنصرم، والتي قمعتها السلطات على نحو وحشي
مؤخراً، كانت قد اندلعت بسبب زيادة أسعار الوقود في ليلة واحدة بمقدار
الضعف، وبالنتيجة فقد فرض على العاملين الذين لم يعد بوسعهم دفع قيمة
تذاكر الحافلات التي تقلهم إلى أماكن عملهم، السير على أقدامهم يومياً،
ما أشعل فيهم روح الثورة والغضب الشعبيين. وعلى نحو مماثل كانت كل من
نيبال وإندونيسيا قد شهدتا مظاهرات مماثلة بسبب إلغائهما لسياسات دعم
الوقود التي كان يتمتع بها المواطنون.
تأكيداً لهذه
الحقائق، كان البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة
(UNDP) قد نشر تقريراً الأسبوع الماضي، بيّن فيه
كيف يسفر إلغاء سياسات الدعم في إثارة القلاقل الأمنية والسياسية في
الدول الآسيوية. وجاء في التقرير أن ارتفاع أسعار الوقود يؤثر سلباً
على المكاسب التي تحققت في جهود مكافحة الفقر والحد من معدلاته في
المناطق الآسيوية المطلة على المحيط الهادي، إلى جانب إرغام المواطنين
على الحد من معدل استهلاكهم للوقود. هذا وقد كشفت دراسة أجريت حول
الفئات الاجتماعية الفقيرة في أربع دول من دول المنطقة الآسيوية عن
حدوث ارتفاع في فواتير الطاقة بلغت نسبته حوالي 74 في المئة خلال
الفترة الممتدة بين 2002-2005، أي قبل الزيادات الأخيرة التي طرأت على
أسعار النفط الخام.
وبسبب نمو الصادرات
المعززة بسياسات الدعم الحكومي الكبير المقدم للمواطنين، فقد بدا
الاقتصاد الصيني غير متأثر كثيراً بزيادات أسعار النفط الخام. غير أن
ذلك لا يعني بالطبع أن هذه الزيادات لم تلق بتأثيراتها السلبية على
الفئات الاجتماعية الأشد فقراً في الصين وغيرها، على حد تعليق "نانديتا
مونجيا" خبيرة الطاقة ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بانكوك وأحد
المشاركين الرئيسيين في إعداد التقرير آنف الذكر. بل الصحيح أن الكثير
من العائلات الصينية والآسيوية قد تضررت كثيراً من ارتفاع تكلفة
المواصلات العامة، وكذلك من ارتفاع فواتير الكهرباء والوقود المنزلي.
ونتيجة لهذه التأثيرات السلبية، فقد انخفضت معدلات تنقل العائلات
الأكثر فقراً، كما انخفض معدل استهلاكها لطاقة الكهرباء في المنازل، في
مقابل تزايد لجوء هذه العائلات لموارد الوقود التقليدية. واستطردت
"نانديتا مونيجا" إلى القول إن هذه التأثيرات لم يقتصر نطاقها على سكان
الريف وحدهم، حيث أرغمتهم على المكوث لساعات أطول في بيوتهم، وإنما تجد
من سكان المدن والمناطق الحضرية نفسها من يتساءل: هل يتعين عليّ الذهاب
اليوم إلى الطبيب؟ ماذا لو لم أفعل؟
وبعد فما هو السبيل
لكسب رضا المواطنين الآسيويين وإسعادهم؟ يجيب باحثو البرنامج الإنمائي
للأمم المتحدة في تقريرهم المذكور بأن الدعم الحكومي المقدم لمشتريات
الوقود ليس بالضرورة هو الحل الأمثل للمشكلة، طالما أن ذلك الدعم لا
يعني الفقراء كثيراً في شيء. والبديل في نظر الباحثين هؤلاء هو نظام
الدعم المخصص لفئات اجتماعية بعينها، على غرار نظام "سمارت كارد"
–البطاقة الذكية- المخصص في ماليزيا لمساعدة الفقراء. وميزة هذه
البطاقة الذكية أنها تمنع مستخدميها من الفقراء من بيع مخصصاتهم من
الوقود في السوق السوداء.
كما يتعين على الدول
أيضاً أن تنتبه لمخاطر الزيادة المتصاعدة في أسعار النفط العالمي، بأن
تتجه نحو المزيد من الاستثمار في موارد الطاقة البديلة غير الأحفورية،
إلى جانب الاستثمار في مجال كفاءة استخدام الطاقة الأحفورية نفسها.
وأشار التقرير المذكور إلى ضرورة بدء الدول الآسيوية في الاستثمار في
موارد الطاقة البديلة، لا سيما غاز الإيثانول وموارد الطاقة الكهربائية
المائية. ومن جانبها فقد أعلنت الصين عن برامج ومبادرات جد طموحة
وواعدة في مجال كفاءة استهلاك الطاقة، بما فيها صناعة السيارات
الهجينة. وقد مضت في المنحى الأخير نفسه جارتها تايلاند، التي تتصدر
منطقة جنوب شرقي آسيا في صناعة السيارات حالياً.
وإلى أن تتحقق هذه
الطموحات الكبيرة، فإن من رأي "مونجيا" أن تطوير المشروعات الصغيرة
التي تستخدم فيها موارد الطاقة البديلة المتجددة، مثل الطاقة
الكهربائية المائية والطاقة الشمسية وما إليهما، هي الحل الأمثل الذي
يفتح نافذة جديدة للأمل بالنسبة لسكان الريف الآسيوي الذين كثيراً ما
تتخطاهم شبكات الطاقة القومية العامة، دون أن تعير أدنى اهتمام
لحاجاتهم المتزايدة للطاقة.
*مراسل صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في تايلاند
وكل
ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس
مونيتور"-7-11-2007
|