متى يتقدم العرب؟
ماركوس نولاند
هاورد باك
اقتصادات العالم العربي تبتعد أكثر
فأكثر عن العولمة
يكثر
الكلام عن نهضة اقتصادية في الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق. فمع ارتفاع
سعر برميل النفط إلى 90 دولارا، واستثمار الدول النفطية الأرباح بشكل
أكثر حكمة مما كانت تفعل في الماضي (أي ليس في حسابات مصرفية أجنبية)،
بدأ الخبراء يتحدثون عن "لحظة تغييرية" في المنطقة. فالأسواق المالية
تزدهر فارتفعت بورصة المملكة السعودية 200 بالمائة خلال السنوات الخمس
الماضية، فيما ارتفعت بورصة مصر بمعدل مدهش بلغ 1700 بالمائة وبدأ
المستثمرون الأوروبيون والأمريكيون بمتابعة المجريات فيها.
لننظر الآن إلى الواقع. إن ارتفاع أسعار النفط حقيقي، لكن ثلثي العرب
يعيشون في بلدان تفتقر إلى صادرات نفطية كبيرة. وباستثناء النفط
والسياحة، يشهد العالم العربي ابتعادا عن العولمة طويل الأمد، وهو أكثر
انعزالا اليوم مما كان عليه قبل 20 أو 30 أو 40 عاما فحصة المنطقة من
التجارة والاستثمار العالميين انخفضت 50 بالمائة خلال السنوات الـ 25
الماضية، ومع أنها ارتفعت في الآونة الأخيرة، فإن هذا الارتفاع يعزى في
معظمه إلى النفط وحصتها من الصادرات الصناعية العالمية التي لم تكن
كبيرة أساسا انخفضت إلى أقل من واحد بالمائة. كما أن مدفوعاتها لقاء
استعمال حقوق الملكية الفكرية ـ التي تظهر سرعة اعتماد المجتمع على
الاختراعات الجديدة لم ترتفع في حين أنها ازدادت بسرعة في أماكن
أخرى.
لذلك
فإن الحديث عن ربيع عربي سابق لأوانه. إن نسبة العمالة في الشرق الأوسط
هي الأدنى في العالم، وتبلغ 47 بالمائة من الراشدين، وهو معدل ضئيل
جدا لكي تتمكن المنطقة من تلبية حاجات شريحة متنامية من الشبان
الباحثين عن عمل، عليها أن تستحدث 55 مليون فرصة عمل في السنوات الـ13
المقبلة، أو 70 مليونا إذا كانت تأمل تخفيض معدل البطالة فيها ليصبح
مشابها للمعدل العالمي، بحسب البنك الدولي. ولا يمكن للحكومات العربية
أن تحقق هذه الأهداف وتحافظ على استقرارها إلا من خلال التجارة
العالمية.
المشكلة هي أن التقدم الاقتصادي الذي أحرز حديثا لم يترجم إلى وظائف.
وفي حين أن مصر تقدمت 39 مرتبة بحسب تصنيف البنك الدولي لأفضل الدول
التي يمكن إنشاء مؤسسات تجارية فيها، فقد تراجعت مرتبتين (من 106 إلى
108) في فئة "توظيف العمال"، في حين أن مرتبتي السعودية وسوريا تراجعتا
أكثر.
في
الأردن والكويت والإمارات العربية المتحدة، ذهبت معظم الوظائف الجديدة
للأجانب وليس للسكان المحليين، في حين ارتفع معدل البطالة بين السكان
المحليين خلال السنوات الخمس الماضية. وشهد معدل نمو العمالة ركودا في
البلدان ذات الكثافة السكانية العالية مثل المغرب والجزائر، وهو ما شجع
الهجرة (غير الشرعية في معظمها) إلى أوروبا.
وكذلك فإن قطاع التصنيع، الذي قد يؤدي إلى استحداث أكبر عدد من
الوظائف، يشهد ركودا. في مطلع ستينيات القرن الماضي، كانت مصر وهي
أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان تصدّر السلع المصنعة بمعدل التصدير
نفسه للفرد الواحد الذي تشهده كوريا الجنوبية وتايوان والآن تصدران في
ثلاثة أيام أكثر مما تصدر مصر في سنة. والفلبين تصدر 10 أضعاف السلع
المصنعة التي تصدرها مصر، وقد ارتفع معدل صادراتها السنة الماضية بنسبة
تفوق مجمل الصادرات المصرية. ومن ثم هناك تايلند، التي تصدر وحدها سلعا
مصنعة أكثر من كل دول العالم العربي، بالرغم من أن عدد سكانها هو ربع
عدد سكان العالم العربي. وفي حين أن السعودية والإمارات العربية
المتحدة وغيرهما من الدول المصدرة للنفط رفعت معدل الصادرات بشكل طفيف
من خلال تكرير النفط وتصنيع مشتقاته واستخراج الألمنيوم بالصهر، فإن
هذه القطاعات ذات رأس المال الكثيف لا تستحدث الكثير من الوظائف.
وتعود قلة التصنيع إلى عدد من العوامل، منها: الافتقار إلى المهارات
التقنية بسبب الأنظمة التعليمية الجامعية السيئة ( لا توجد أي جامعة
عربية مصنفة بين أفضل الجامعات في العالم )، وعدم حماية الملكية
الفكرية والهيمنة المستمرة للدولة على الصناعة. هذه العوامل مجتمعة
تؤخر إنشاء أو اعتماد تقنيات جديدة قد تساهم في تعزيز الإنتاجية.
الفلبين وحدها تنفق على التكنولوجيا الأجنبية أكثر مما تنفق البلدان
العربية مجتمعة.
والأسوأ من ذلك هو أن بعض التقدم وهمي. فالاستثمارات الأجنبية المباشرة
في الدول العربية ارتفعت نحو 30 مليار دولار خلال السنوات الخمس
الماضية، لكن معظمها يأتي من دول الخليج التي تنفق أرباحها النفطية.
لذلك فإن هذه الأموال لم تجلب معها أفكارا أو تقنيات جديدة ومع أن مصر
شهدت بين عامي 2001 و2006 ارتفاعا في معدل الاستثمارات الأجنبية
المباشرة بلغ 12 ضعفا ما كان عليه في السابق ليصل إلى 6.1 مليار دولار،
فإن هذا الرقم لا يزال أقل بأكثر من ثلاثة مليارات دولار من
الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السويد، وهو بلد يبلغ عدد سكانه تسع
عدد سكان مصر.
غالبا ما تعزى هذه المشاكل إلى الثقافة العربية، أو إلى الإسلام. لكن
لا يمكن لوم الإسلام أو الثقافة على هذه الفروقات الكبيرة بين الدول
العربية. فإنشاء مؤسسة تجارية في السعودية يتطلب ثلاثة أضعاف المدة
التي يتطلبها في المغرب، وتنفيذ اتفاقية تجارية في مصر يتطلب ثلاثة
أضعاف المدة اللازمة لتنفيذها في الأردن. لقد أحرزت بعض البلدان
العربية تقدما، فلماذا لا يمكن للبلدان الأخرى أن تتقدم أيضا؟ في
الحقيقة، تسعى بعض الحكومات العربية جاهدة للانضمام إلى الاقتصاد
العالمي .
هدف
دبي الآن هو تحويل نفسها إلى سنغافورة الشرق الأوسط لتصبـــح مركز
مواصلات آمنا وفعالا وقاعدة للشركات الأجنبية. حتى سـوريا وليبـيا
لحقتـا بركب الإصـلاح، آملــتين تعزيز النمو ومعدل العمالة طبعا، قد لا
تكون النوايا الإصلاحية كافية في الشرق الأوسط. فالنزاعات في الأراضي
الفلسطينية والعراق، واحتمالات حصول أعمال إرهابية واغتيالات ستظل تثني
الأجانب عن الاستثمار في المنطقة. ( أبحاثنا تظهر أن مجرد تخفيف
التكاليف المرتبطة بالإرهاب قد يزيد معدل الاستثمار الأجنبي بنسبة 20
إلى 30 بالمائة ) والقمع يقوض النمو في مناطق مثل سوريا حيث معدل الدخل
الفردي لم ينم إلا بنسبة 0.5 بالمائة خلال السنوات الأربع الماضية. لكن
الأنظمة الديكتاتورية العربية في حالة هشة، وعندما تسقط، فقد يكون
الإسلاميون الذين يمكن أن يتولوا الحكم مصلحين فعالين مثل حزب العدالة
والتنمية الحاكم في تركيا.
هناك
أسباب تدعو للاعتقاد أن الإصلاحات ستحظى بتأييد شعبي. فقد أظهر استطلاع
حديث أجرته مؤسسة زغبي إنترناشيونال في مصر والأردن ولبنان والمغرب
والسعودية والإمارات دعما كبيرا لحكم الشريعة الإسلامية في مجال
الأعمال، لكن بشكل يسمح لشركات المسلمين بالاندماج في الاقتصاد
العالمي.
إذا
تمكنت المنطقة من إيجاد طريقة لاستعادة علاقتها بالعالم الخارجي، فقد
يتحول النمو الديموغرافي في الدول العربية إلى أفضلية. لقد أظهر عدد من
دول شرق آسيا الكيفية التي يمكن بها الاستفادة من شريحة سكانية كبيرة
من الشباب لتحفيز نمو اقتصادي إذا تم توجيهه في الاتجاهات الصحيحة
المشكلة هي أن زمن الإصلاحات قد حان، وأنه ليس هناك بلد عربي كبير يتجه
نحوها بالسرعة اللازمة.
و كل
ذلك بحسب رأي الكاتبان في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر:نيوزويك-3-11-2007
|