رفاهية على الطريقة الهــنـديـة
جورج ويهر فريتز
جيسون أوفيردورف
في الهند مستهلكون
يبنون ثروة بلادهم داخليا بدلا من الاعتماد على التصدير. وهو أمر حسن
في أسواق اليوم
تبدو الصورة
الاقتصادية في آسيا جيدة جدا وفق الكثير من المقاييس. بالرغم من هواجس
الركود العالمي الذي تستحثه الفوائد المتدنية، فإن الأسواق المالية من
هونغ كونغ إلى مومباي تتدلى من ارتفاعات شاهقة تصيب الرأس بالدوار،
وأصبحت نسب النمو اليوم أعلى مما كانت عليه منذ عقد من الزمن. وبالطبع
فإن ذلك يطرح السؤال حول ما إذا كانت المنطقة تتجه نحو سقوط كبير ــ لا
يمكن تفادي حقيقة أن المتسوقين الأمريكيين الذي لا يملكون النقد
مازالوا يتفوقون على جميع الاقتصادات الرئيسية ــ مع استثناء واحد هو
الهند. وفي الوقت الذي يظهر فيه تقلص الدين في مراكز العالم المالية،
تعتبر بلد الـ1.1 بليون نسمة أكثر اقتصاد محمي في آسيا. والسبب، كما
يقول كريستوفر وود، الخبير الاستراتيجي الرئيسي في شركة السمسرة سي أل
أس أيه التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، هو أن "اقتصاد الهند هو
الوحيد في آسيا الذي يقوده الطلب المحلي بشكل أساسي".
وباختصار، فقد تحولت
نقاط ضعف الهند إلى مواطن قوة. عدم قدرة البلد، التي غالبا ما يتم
التفجع عليها، على تحدي القوة الصناعية الصينية الهائلة يعني أن نمو
اليوم غير مربوط بالطريقة ذاتها بتصدير الألعاب، والملابس،
والإلكترونيات. وتكاليف الاقتراض المرتفعة نسبيا في الهند هي من
الاسباب التي جعلت طرقها وجسورها سيئة جدا، تبدو وكأنها موجبة تقريبا
مقارنة مع نسب الفائدة القريبة من الصفر والاستثمار الواسع والمنفلت من
عقاله في الصين. كما أن قطاع الخدمات النابض بالحياة في الهند محصن ضد
هبوط عالمي سريع أكثر من صناعات السلع الصينية. فالخدمات تنجح بشكل
أفضل في الأسواق التي تتجه إلى الأسفل بسبب نقص مشاكل المخزون.
ذلك لا يعني أن الهند
في طريقها لتصبح مضادة للركود. الازدهار الصيني كان مخططا من المركز
وتم تنفيذه من شركات الدولة بينما اصطخب الازدهار الهندي صعودا من
طبقات الأعمال والابتكار التجاري الخاصة التي أطلقتها إصلاحات السوق في
بداية تسعينات القرن الماضي. وبعكس الصين، لم تجبر الهند المستهلكين
أبدا على تمرير مدخراتهم إلى صناعات الدولة التصديرية. كانت النتيجة
مزيدا من المرونة والتوازن، وزيادة في نمو الناتج المحلي الإجمالي
بتسارع 9 بالمائة عام 2007 للسنة الثالثة على التوالي يغذيها بشكل
رئيسي استهلاك محلي وطبقة وسطى مزدهرة. وقد أصبحت سوق الهند المحلية
أكبر من الكورية الجنوبية بـ370 بليون دولار. وتستنتج دراسة أجرتها
أخيرا مؤسسة ماكّينزي العالمية أنه بحلول 2025 ستتضاعف الطبقة
المستهلكة عشرة أضعاف ما هي عليه الآن، وهو 50 مليونا، مما يضع السوق
في الترتيب الخامس في العالم من حيث الحجم. وسيخترق الدخل الفردي
السنوي علامة الـ1000 دولار هذا العام في طريقه ليتضاعف ثلاث مرات مع
نهاية عام 2020. وتقول دراسة ماكّينزي إن "المستوى المنخفض من
الاستثمار المتعلق بالناتج المحلي الإجمالي في الهند يعني أن الاستهلاك
قد اضطلع بدور أكبر في قصة نموها. فالاستهلاك في الهند أقرب نسبيا إلى
الدول المتقدمة كاليابان والولايات المتحدة منه إلى الصين".
إنفاق الصين على بناء
الطرقات، والشقق السكنية، وغيرها من البنى التحتية يقترب من 50 بالمائة
من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع نسبة الهند الأكثر صحة البالغة
32 بالمائة. كما أن فائض التجارة الصيني يعادل أيضا ضعفي مثيله الهندي
تقريبا بالنسب المئوية، وفي 2006، استقبلت الصين 63 بليون دولار من
الاستثمارات الخارجية المباشرة لدوام الازدهار الصناعي، بينما كان نمو
الهند أبطأ قليلا لكنها احتاجت إلى 16 بليون دولار من الخارج للقيام
بذلك. والنتيجة النهائية هي أن الهند ستشعر بألم أقل إذا ما وهن
الاقتصاد العالمي. وقد استخلص تقرير لمورغان ستانلي وزع في منتصف
سبتمبر على زبائن [الشركة] بأن "تعرض الهند لدورة التجارة العالمية هو
من أقلها في المنطقة، وعليه فإن تأثير تجارة أجنبية أكثر بطئا [على
الاقتصاد الهندي] قد يكون من بين أبطئها".
يستحق صانعو السياسات
بعض الفضل في ذلك. لقد أبقى بنك الاحتياط الهندي على سير الاقتصاد
ببطء، فحدد نسب الفائدة حول معدل 6 بالمائة، وهي نسبة منخفضة بما يكفي
لعدم خنق النشاط الاقتصادي ولكنها مرتفعة بقدر كاف للحد من الاستثمار
المتدفق. وفي مناطق آسيا الأخرى، قادت نسب الفائدة شديدة التدني ــ
سواء أكانت رهونات الـ 2 بالمائة في هونغ كونغ أو القروض بفوائد قريبة
من الصفر من مصارف الدولة في الصين ــ الاستثمار الزائد في كل من
العقارات والصناعة. ولمّا كانت معدلات مدخرات دفاتر البنوك الواقعة بين
3 و4 بالمائة تشجع التوفير العائلي، فإن العائدات السالبة في الصين
دفعت الأموال إلى خيار مردود [الأموال] الوحيد المرتفع المتوفر للأسر:
أسهم المضاربة المالية والمناورات العقارية. ولأن ازدهار الهند لا
تقوده الأموال الرخيصة رخص التراب، فإن المحللين يدفعون بأنه أكثر قدرة
على التكيّف في مواجهة توتر الديون العالمية.
تؤكد التوقعات أخيرا
مقولة قدرة الاقتصاد الهندي على التكيّف. وقد حلل توقع صدر عن سيتي
بانك في سبتمبر التأثير الممكن لركود في الولايات المتحدة على عملاقي
آسيا. وقدر البنك أن توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين
لعام 2008 ستنخفض من مستوى 11 بالمائة إلى 8.5 بالمائة بينما يهبط
مثيله في الهند بنحو نصف تلك القيمة، من 9.4 بالمائة إلى 8.1 بالمائة.
واستنتجت دراسة جديدة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن
الهند يمكن أن تدفع معدل نموها الدائم إلى ما فوق الـ10 بالمائة بحلول
2011 عبر مزيد من تحرير أسواق العمل فيها. وقد كتب باي بانانديكار،
رئيس مؤسسة آر بي جي، وهي مركز أبحاث اقتصادي مشهور في مومباي، في
الأسبوع الماضي أن ركودا في الولايات المتحدة سيصيب مصدري السلع بقسوة
أكثر من غيرهم في الوقت الذي يقود فيه الشركات الأمريكية لتقليص الكلفة
عن طريق استخدام مزيد من البرمجيات والخدمات التكنولوجية الهندية. وهو
يدفع بأن "من الممكن أن يهبط نمو صادرات البضائع، لكن [الطلب] على
الخدمات سيرتفع".
ما الذي سيأتي تاليا
في قصة الهند القادرة على التكيّف؟ المفارقة هي أنه قد يكون ازدهار
تصنيع مماثل لما حدث في الصين في تسعينات القرن الماضي. سوق الهند
الداخلية الهائلة، ومعدلات رواتبها شديدة الانخفاض، وقدرتها كمنصة
تصدير كامنة إلى الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأوروبا تستقطب كلها الاهتمام
كما لم يحدث من قبل، في وقت يسعى فيه المصنعون للحد من ضعفهم أمام
التغيرات السياسية أو الاقتصادية المستقبلية في الصين. وقد افتتحت
مجموعة من شركات صناعة السيارات الأجنبية مثل "فورد"، و"جنرال موتورز"،
و"هيونداي"، و"سوزوكي" مصانع لها بهدف خدمة زبائنها في الخارج إضافة
إلى سوق الهند الداخلية الكبيرة للسيارات الصغيرة التي تنمو بسرعة.
وتهيمن الشركات الكورية المنتجة للإلكترونيات والسلع البيضاء الرابحة
على السوق المحلية. وفي مسح جديد لأكثر من 300 شركة عالمية للتصنيع
صدرت الأسبوع الماضي، وجدت شركة الاستشارات الأوروبية كابجيميني
"اهتماما شديدا جدا" بالهند كقاعدة صناعية، كما يقول روي لينديرز، مؤلف
التقرير، الذي يتكهن بأنه "يمكن للهند أن تقارع الصين كمركز العالم
لصناعة السلع خلال ثلاث إلى خمس سنوات قادمة". ويمكن لتغيير كهذا أن
يستوعب ملايين العمال الريفيين الفائضين [عن الحاجة]، مما يوسع قاعدة
المستهلكين العملاقة في البلاد. ويقول شنكر أتشاريا، وهو خبير اقتصادي
في المجلس الهندي لبحوث العلاقات الاقتصادية الدولية، إن "التفكير في
الصين كعلامة فارقة في التنمية الناجحة قوي جدا في الهند". وما برحت
الصين تنمو بسرعة أكبر كثيرا من الهند، لفترة أطول بكثير. لكن الدرس
النهائي لهذه الفترة من عدم اليقين دوليا ربما تكمن في أن الهند يجب أن
تبني على قاعدة قواها هي، لا أن تفكر بالصين.
|