أجهزة الكمبيوتر...والطريق إلى الثروة في الريف الصيني

 

بيتر فورد

 

في المعرض الفلاحي السنوي الذي نظمته السلطات الصينية قبل بضعة أيام، أتيح للزوار أن يشاهدوا أكثر من المحاصيل المختلفة، أو الآلات الزراعية التي تعرض عادة في مثل هذه المناسبات، بل كانت فرصة للإطلاع على آلات من نوع آخر يتطلع صانعوها إلى تقريبها من المزارع الصيني في أفق تمكينه منها وإقناعه بشرائها. هذه الآلة الجديدة على الريف الصيني ليست في الواقع سوى جهاز كمبيوتر موجه للمزارعين ولا يتعدى سعره 199 دولاراً للجهاز الواحد. فقد اختارت شركة "لينوفو"، ثالث أكبر مصنع في العالم لأجهزة الكومبيوتر وأشهر ماركة تجارية في الصين، بلدة "لاجفانج" في الشمال الشرقي للبلاد، لعرض أجهزتها والمراهنة على المزارعين لزيادة مبيعاتها في أفق تقليص الهوة الرقمية بين المواطنين في المدن ونظرائهم في القرى.

ولإغراء المزارعين بدخول عالم التكنولوجيا المتطورة، يوضح المسؤولون في شركة "لينوفو" أنهم حرصوا على أن تتميز أجهزة الكمبيوتر بالسهولة في الاستخدام، والتكلفة المنخفضة، فضلاً عن متانتها لتكون ملائمة لبيئة الاستعمال الجديدة في الأرياف وتبقى ميزتها الأساسية، حسب المسؤولين، برنامج التشغيل الذي تعتمد عليه تلك الأجهزة والمسمى "الطريق إلى الثروة" الذي يوفر للمزارعين معلومات قيمة عن الفلاحة ويساعدهم على تحسين محصولهم. وفي هذا الإطار يعتقد "وانج شونزيانج"، أحد المزارعين وأول مشترٍ للجهاز المذكور، أنه يمكن استغلال الكمبيوتر الجديد لتحسين المردود والتعرف إلى تقنيات جديدة في الزراعة. ويؤكد ذلك بقوله: "إذا كان جهاز الكمبيوتر سيساعدني على معرفة أسعار المحاصيل في السوق، والتعرف على التجار لتسويق محصولي، فلن يتطلب الأمر أكثر من بضعة أيام لاسترجاع المال الذي أنفقته على شراء الجهاز".

ويتوقع رئيس شركة "لينوفو" أن يحقق النموذج الجديد "تيانفو" الذي يعني "الرخاء"، أرباحاً مهمة لاسيما وهو يطمح إلى تسويق منتجه لدى أكثر من 250 مليون عائلة في المناطق الداخلية للصين، مؤكداً ذلك بقوله "إن السوق الريفي في الصين كبير جداً، وولوج أجهزة الكمبيوتر إلى تلك المناطق مايزال ضعيفاً، لذا فإنه سوق واعدة للاستكشاف".

بيد أن التوقعات المتفائلة للشركة تواجهها بعض العقبات؛ مثل هشاشة الخدمات في الريف الصيني كالكهرباء وخطوط الهاتف التي لا تصل سوى إلى 47% من البيوت الريفية حسب الإحصاءات الحكومية. ولن يكون جهاز الكمبيوتر الذي تطرحه شركة "لينوفو" الوحيد في السوق، بل سيواجه منافسة شرسة من قبل منتج آخر ستطرحه الشركة الصينية "هايير". لكن "وانج جيبينج"، الاستشاري في إحدى الشركات الأميركية، يحذر من أن "المحاولات الجارية حالياً لطرح منتجات جديدة وتسويقها في الريف الصيني، مازالت في بدايتها وفي مرحلة التجريب"ومع ذلك يبدو أن الأمور تتقدم في الاتجاه الصحيح، إذ رغم النسبة المنخفضة لمستخدمي الإنترنت في الريف الصيني، والتي لا تتجاوز 0.3% من إجمالي عدد المستخدمين في الصين والمقدر عددهم بحوالي 162 مليون نسمة، فإن أعدادهم تتضاعف كل ستة أشهر، حسب مركز المعلومات حول الإنترنت في الصين.

وتسعى شركة "لينوفو"، إلى تجسيد تطلعاتها وغزو الريف الصيني بإدخال التكنولوجيا المتطورة إلى ربوعه، عبر طرح جهاز صغير لا يتعدى علبة الشوكولاته يتم ربطه بشاشة التلفزيون ويتم تشغيله عبر لوحة صغيرة للتحكم شبيهة بجهاز التحكم عن بعد. وفي هذا السياق يصبح تشغيل الجهاز الجديد الذي طرحته شركة "لينوفو" بسيطاً وميسراً للمزارعين ويشبه إلى حد كبير مشاهدة التلفزيون. ومن خلال لوحة التحكم يستطيع المزارع تصفح العديد من المواضيع بدءاً من الدراسة عبر الإنترنت والخدمات الترفيهية إلى المواقع التي تهتم بمواضيع الزراعة. كما يسمح الجهاز بإرسال البريد الإلكتروني والرسائل الفورية. ويعتمد الكمبيوتر على بطاقة الذاكرة لتخزين المعلومات، بدل القرص الصلب، كما أن الجهاز لا يستخدم معدات سريعة التلف ما يجعله أكثر ملاءمة للبيئة الريفية. لكن الشركة تعلق آمالاً أكبرَ على برنامج التشغيل الذي يتيح للمزارعين تصفح مواقع متخصصة في المواضيع الفلاحية مثل زراعة محاصيل معينة وتربية الماشية، فضلاً عن الأمراض التي تصيب المحاصيل الزراعية.

ويأتي الجزء الأكبر من تلك المعلومات من مصادر حكومية، حيث تعاونت الشركة مع السلطات الصينية لتطوير الجهاز وإطلاقه في السوق. وفي هذا السياق عبر أحد المسؤولين في الشركة عن رغبته في الحصول على مساندة السلطات الحكومية وذلك عبر "تحسين البنية التحتية وتوفير المعلومات المناسبة حول مختلف قضايا الفلاحة التي تهم المزارعين"ويشار إلى أن شركة "لينوفو" تعتمد بالأساس على شركات الاتصالات التابعة للدولة والتي تزود المشتركين بالإنترنت وتمد خطوط الهاتف الضرورية لتسويق أجهزة الكمبيوتر الجديدة. وأكثر من ذلك، ترى الشركة في الحكومات المحلية هدفاً جيداً لبيع منتجاتها، لاسيما الكمبيوتر الجديد الذي تتفاوض على بيع أكثر من 600 ألف جهاز منه إلى الإدارات والمرافق الحكومية المختلفة. هذه الأجهزة تقوم الحكومة بتوزيعها على الفئات الاجتماعية الفقيرة ضمن برنامج الحكومة الصينية للتخفيف من الفقر. ويعتبر المحللون أن التعاون المشترك بين شركة "لينوفو" والحكومة الصينية يخدم مصلحة الطرفين معا، فمن جهة تستفيد الشركة بالاعتماد على الدولة للوصول إلى أسواق جديدة في المناطق الريفية النائية والوفاء بتعهدها القائم على تقليص الهوة الرقمية بين المدينة والريف كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية؛ ومن جهة أخرى تستفيد الحكومة من خلال إدخال التكنولوجيا المتطورة إلى الأرياف والعمل على تحسين الإنتاج الزراعي.

*كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-18-10-2007