الهند والصين وصناعة المعلوماتية

 

 

د. عبدالله المدني 

 

في حين تعتبر الصين رائدة في صناعة "الهارد وير" ومتقدمة بأشواط على جارتها الهند، فإنها وبنفس القدر متخلفة عن الهند في صناعة "السوفت وير". صحيح أن الصناعة الأخيرة في الصين بدأت في السنوات الأربع الماضية تنمو بمعدل 30 في المئة سنويا، غير أن الصحيح أيضا هو عجزها عن مجاراة الهند في التصدير. ويكفي دليلا أن العائد من صادرات هذا القطاع في الصين في عام 2004 مثلا لم يتجاوز 3 بلايين دولار، فيما كان الرقم الهندي لنفس العام يقف على أعتاب 17 بليون دولار. المظهر الآخر لتخلف الصين عن الهند في صناعة "السوفت وير" هو أنه من بين 8 آلاف مؤسسة صينية عاملة في هذا المجال، لا يوجد سوى عشر مؤسسات فقط من تلك التي توظف ألف عامل فما فوق، في الوقت الذي توظف فيه كل مؤسسة من المؤسسات الهندية المماثلة عشرات الآلاف من المهندسين والفنيين المحليين.

ويعزو المراقبون هذا الاختلاف إلى الطبيعة الخاصة لصناعة البرمجيات وملحقاتها المتمثلة في تقديم خدمات متنوعة لكبريات الشركات العالمية من على بعد، والتي تتطلب ظروفا وعوامل معينة مثل الحريات الإعلامية والشفافية والملكية الخاصة المتحررة من بيروقراطية الدولة وغير ذلك مما يتوفر في ظل المناخ الديمقراطي في الهند ولا يتوفر في الصين، ناهيك عن اللغة الإنجليزية المتداولة في الهند على نطاق واسع بفضل 300 عام من الحكم البريطاني بعكس الحال في الصين.

وبطبيعة الحال أدرك صناع القرار في بكين هذا النقص، فكان قرارهم الاستفادة من الهنود عبر التعاون الثنائي. لذا لم يكن غريبا أن تكون المحطة الأولى في زيارة رئيس الحكومة الصينية "وين جياباو" للهند في العام الماضي هي مدينة بنغلور الجنوبية حيث قلعة صناعة البرمجيات الهندية بدلا من العاصمة السياسية نيودلهي، وأن يصرح قائلا: "إننا إزاء برجين أحدهما مختص بصناعة "السوفت وير" والآخر مختص بصناعة "الهارد وير"، وبربطهما من خلال تعاون وثيق نستطيع احتلال موقع قيادي في العالم وجعل القرن الحادي والعشرين قرنا آسيويا بامتياز". وكان قد سبق "وين" إلى ذلك سلفه "زو رونغجي" في عام 2002، حينما حرص أثناء تواجده في الهند على زيارة بنغلور، بل والتوقف تحديدا في مقر شركة "أنفوسيس"، إحدى أنجح الشركات الآسيوية العاملة في صناعة "السوفت وير" ليقول أمام أكثر من أربعة آلاف خبير هندي من موظفيها إن بلاده تتطلع إلى تعاون وثيق معهم والاستفادة من خبراتهم.

وفي الحقيقة أن تعاون العملاقين الصيني والهندي في قطاع تكنولوجيا المعلوماتية بشقيه له ما يبرره ويلح عليه، لاسيما إذا عرفنا أن الأسواق المحلية في البلدين مقبلة خلال السنوات الخمس القادمة على استيعاب ما مجموعه 40 في المئة من إجمالي إنتاج العالم من أجهزة الكمبيوتر الشخصية مثلا.

ومن هنا كانت مبادرة الصين إلى إنشاء مكتب خاص تحت مسمى "مكتب التعاون الصيني- الهندي" بغرض حصري هو تشجيع المؤسسات الهندية العاملة في صناعة "السوفت وير" وخدماتها على تأسيس فروع وقواعد لها في الصين من أجل الاستفادة من خبراتها وتدريب خريجي الجامعات. وكنتيجة لذلك زاد عدد المؤسسات الهندية العاملة في شنغهاي وبكين ومدن الجنوب الصيني المزدهرة في العامين الأخيرين بعد أن كانت مترددة في الإقدام على ذلك. وفي الوقت نفسه زادت أنشطتها وفروعها ومراكزها التدريبية وأعداد العاملين لديها باطراد. وأفضل دليل على ما نقول دخول شركة "تاتا" الهندية لصناعة "السوفت وير" في السوق الصينية عبر شراكة مع مايكروسوفت الأميركية وثلاث شركات صينية مملوكة للدولة، وتعهد شركة "أنفوسيس" المشابهة باستثمار 65 مليون دولار في الصين خلال السنوات الخمس القادمة مع رفع أعداد موظفيها في الصين تدريجيا من 1500 حاليا إلى 6000 موظف في المستقبل.

من جانب آخر، بادرت الصين في السنوات الأخيرة إلى إرسال أعداد من خريجيها من الشباب إلى قلاع صناعة البرمجيات في بنغلور وحيدر آباد ومدراس، من أجل التدريب والاحتكاك والإطلاع ميدانيا على التجربة الهندية الناجحة. كما قامت إحدى شركاتها الصينية الكبرى العاملة في حقل الاتصالات بالاستثمار في جنوب الهند مع تركيز شديد على الاستفادة من الخبرات الهندية ونقلها إلى البر الصيني.

لكن السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن ونحن نتحدث عن هذا التعاون الهندي– الصيني هو: ألا يخشى الهنود أن يسلبهم الصينيون الريادة في صناعة "السوفت وير" في المدى القريب؟

مثل هذه المخاوف، لاشك أنها ساورت الهنود في البداية، غير أنها تراجعت كثيرا لعدة أسباب. من بين هذه الأسباب رؤية مفادها أن ما يفصل الصين عن الهند في هذا الميدان فجوة زمنية تقدر بعشر سنوات، وأن الصين لن تستطيع على المدى القريب أن تبز الهنود في اللغة الإنجليزية التي هي أس وقاعدة الانطلاق عالميا في صناعة البرمجيات والخدمات التابعة، وأن أي تقدم يحققه الصينيون في هذا القطاع سيكون موجها نحو حاجة الداخل أو الأقاليم المتحدثة بالصينية مثل هونغ كونغ وتايوان، أي على العكس من الهند التي تعتمد صناعة "السوفت وير" فيها على الأسواق الخارجية بدرجة كبيرة.

إلى ذلك، فإنه فضلا عن الأرباح المالية التي ستتحقق للهنود من جراء انتشارهم في السوق الصينية الواسعة، تأمل الهند من وراء تعاونها مع الصين أن تستفيد من التجربة الصينية الناجحة في صناعة "الهارد وير" التي تواجهها في الهند مشاكل بسبب صعوبة تحررها كليا من سطوة وقيود القطاع العام كنتيجة لقوة النقابات العمالية معطوفة على المماحكات السياسية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، وهو ما لم يحدث في الصين حيث الكلمة الأولى والأخيرة للحزب الشيوعي الحاكم.

وعلى الرغم من عدم وجود أدلة ملموسة حتى هذه اللحظة على اندفاع الهنود نحو الصين لجهة التعلم من صناعة "الهارد وير" الصينية المزدهرة، فإن القضية باتت ملحة وضاغطة في الهند بسبب النمو المتواصل والسريع للطلب الداخلي على المنتجات الإلكترونية وخدماتها والتي ينتظر أن ترتفع مبيعاتها من 28 بليون دولار في عام 2005 إلى 363 بليون دولار في عام2015. وكنتيجة لخشية الهند من أن تأكل فواتير استيراد "الهارد وير" معظم أو كل العوائد المتحققة بالعملة الصعبة من صادرات صناعة البرمجيات، فقد قررت ألا تبقى ساكنة وبدأت منذ مطلع العقد الجاري في التحرك رويدا رويدا نحو إيلاء صناعة "الهارد وير" اهتماما أكبر بدليل دخول كبريات مؤسساتها الصناعية في مشاريع مشتركة مع شركات عالمية عملاقة مثل فليبس وبوش وموتورولا وفليكسترونيك وسوليكترون، ناهيك عن مايكروسوفت التي تعهدت في ديسمبر الماضي باستثمار نحو 1.7 بليون دولار في الهند في صناعة أجهزة الكمبيوتر، التي يقال إن الهند تحتاج إلى ما قيمته 77 بليون دولار منها وحدها مع حلول عام 2010.

وكل ذلك بحسب رأي د.عبدالله المدني في المصدر المذكور.

المصدر:الإتحاد الإماراتية-9-4-2006

 

مواضيع ذات علاقة:

مَـنْ يـنـتـظـر مَـنْ ؟ ...الهـنـد والـعـالـم

.. لكي لا تلعب الصين في المنطقة الرمادية..!

منْ سيفوز بسباق القرن··· الصين أم الهند؟

الصين: القمع الديني للمسلمين الايغور

حول نهضة الصين

فلنكن على بصيرة بطموحات الصين العسكرية  

اقتصاد مفتوح ... مجتمع مغلق!!

هلْ حقا الصين نمر من ورق ؟

آفــاق التجربــة الصينيــة··· وأسئلتهــا

فرصة العرب على المسرح الدولي في ظل تنامي نفوذ التنين الصيني

ماذا لو توقّفت الصين عن دعم الولايات المتحدة ؟

توجه الصين لزيادة مخزونها النفطي يثير قلق الأسواق

بدائل إفلاس العولمة

صراع القوتين العُظميين··· هل بلغ ساعة الخطر؟  

ميزان القوة العالمي يميل إلى آسيا

سؤال مرهق: هل تسيطر آسيا على القرن الحادي والعشرين...؟

هل عاد بوش من الصين بخفي حنين؟

مسلمو الصين... آخر المستفيدين من نفط مناطقهم