من الهيمنة إلى المنافسة : القطــاع العــام والخــاص
عفيف علاء الدين الريس
العراق نموذجاً حظى موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص باهتمام كبير من قبل الحكومات والمجتمعات والمراكز البحثية في مختلف انحاء العالم بعد أن اتضح بان عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعتمدعلى حشد وجمع كافة امكانات المجتمع بما فيها من طاقات وموارد وخبرات كل من القطاع العام والخاص لتشارك في تنظيمات مؤسسية تتولى انشاء وتشغيل المشاريع بمختلف انواعها بعد ان واجهت التنظيمات المؤسسية المنفصلة والمستقلة قطاعياً تحديات وصعوبات في تحقيق الاهداف التنموية بالمستويات الطموحه المستهدفة، لذلك تسعى الدول المتقدمة والامية على حد سواء الى خلق التنظيمات المؤسسية والتشريعات والنظم لتبني التنظيمات التشاركية التي تساهم فيها كافة قطاعات المجتمع في توجيه وادارة وتشغيل المشاريع والاعمال وتطويرها وتنميتها من اجل خدمة اغراضها على اساس تشارك تعاوني وحوكمة جيدة ومساءلة شفافة ومنفعة متبادلة. فلا يقتصر امر ضمان نجاح الشراكة على التشريعات والانظمة فحسب وانما لابد من خلق روابط بينها وبين مفهوم الحوكمة فكلاهما له ابعاد متعددة ذات جوانب ادارية وقانونية واقتصادية واجتماعية تلتقي في نقاط مشتركة مستندة الى مبادىء الشفافية والافصاح والمساءلة والحقوق المتساوية لاصحاب المصلحة وتحديد المسؤوليات من اجل رفع كفاءة استخدام الموارد وتعزيز القدرة التنافسية وجذب مصادر التمويل والتوسع في المشاريع لخلق فرص عمل جديدة ودعم الاستقرار الاقتصادي ويرى كثير من الباحثين ان موضوع الشراكة مازال في المراحل الاولى لوضع مبادىء وقواعد ونظم موحدة تحكم وتنظم اشكال الشراكات المتنوعة بين القطاعين العام والخاص بحيث تشمل كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، فمواضيع رئيسية مثل المفهوم والمبادىء والمعايير مازالت تبحث لتطويرها وبلورتها وتصنيفها لوضعها في قواعد واطر محددة. التعريف كل الادبيات التي درست هذا الموضوع وضعت تعريفاً خاصاً بها لايخرج عن معنى ان الشراكة Public - Private Partnership او PPP او P3 تعنى باوجه التفاعل والتعاون العديدة بين القطاعين العام والخاص المتعلقة بتوظيف امكانياتها البشرية والمالية والادارية والتنظيمية والتكنولوجية والمعرفية عل اساس من المشاركة، الالتزام بالاهداف، حرية الاختيار، المسؤولية المشتركة والمساءلة من اجل تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تهم العدد الاكبر من افراد المجتمع ولها تأثير بعيد المدى على تطلعاتها حتى يتمكن المجتمع من مواكبة التطورات المعاصرة بطريقة فاعلة وتحقيق وضع تنافسي افضل. يتبين من التعريف ان مفهوم الشراكة مفهوم حديث، متعدد الاوجه، ذو اهمية متزايدة، وهو مرتبط بابعاد عديدة يبرز منها البعد الاداري والتنظيمي والتعاوني والاقتصادي والاجتماعي والقانوني. مبررات الشراكة تعتبر شراكة القطاعين العام والخاص نموذجاً متطوراً لانشطة الاعمال التي تساعد على زيادة استثمارات القطاع الخاص في كافة مجالات النشاط الاقتصادي والاجتماعي من اجل الوفاء باحتياجات المجتمع من السلع والخدمات باساليب مستحدثة ويمكن حصر مبررات اللجوء الى اسلوب الشراكة بالنقاط التالية: 1. التغير التقني والاقتصادي المتسارع اتاح الفرصة لتخفيض كلف المشاريع. 2. ضغوط المنافسة المتزايدة وانخفاض معدلات النمو. 3. محدودية الموارد المالية والبشرية والتكنولوجية لدى القطاع العام بسبب تعدد المجالات والمشاريع التي يتطلب تنفيذها وتعمل الشراكة على تخفيفه حدة المنافسة بين هذه المجالات من خلال تبادل الالتزامات بين الشركاء. 4. تقلص موارد التمويل المخصص لبرامج التنمية الاجتماعية ومطالبة المواطنين بتحسين الخدمات المقدمة من المؤسسات الحكومية. 5 . زيادة الفاعلية والكفاءة من خلال الاعتماد على الميزة المقارنة وعلى تقسيم العمل العقلاني. 6 . تزويد الشركاء المتعددين بحلول متكاملة تتطلبها طبيعة المشاكل ذات العلاقة. 7 . التوسع في اتخاذ القرار خدمة للصالح العام. 8 . تحقيق قيمة اعلى للاموال المستثمرة. متطلبات الشراكة الناجحة من خلال مراجعة بعض الدراسات التي حددت متطلبات نجاح هذا الاسلوب يمكن تحديد الخطوط العريضة التالية: 1. توفر ثقافة مجتمعي داعمة للشراكة تشجع هذا النشاط مع وجود تصور واقعي مشترك للشراكة مبني على نقاط القوة والضعف المتوفرة لدى اطراف الشراكة. 2. توفر تنظيم فعال يعمل على دمج الاهتمامات الفردية بالاهتمامات العامة للمجتمع ويشجع الاتصال بين القطاعين العام والخاص وتقلص التباينات بين الاهتمامات والمصالح المتنافسة. 3. اعتماد السياسات المتعلقة بالشراكة بما فيها رعاية المشاريع المرتبطة بها والتكيف مع الظروف المتغيرة والنظر بثقة اعلى الى مجتمع الاعمال لتشجيع القطاع الخاص في المخاطرة اقتصادياً للانخراط في الشراكات . 4. توضيح خطوط الالتزامات والمسؤوليات بين الشركاء. 5. وجود حوافز اقتصادية للشركاء. أنواع الشراكة تصنف الشراكة من خلال المفاهيم والتوجهات والمعايير المعتمدة في التصنيف مثل نمط التنظيم، واتخاذ القرار، نوع القطاع، طبيعة النشاط، طبيعة العقد حيث يتحدد الدور الذي يقوم به كل من القطاع العام والقطاع الخاص ضمن الشراكة. فالترتيبات المؤسسية تتراوح مابين ترك امر البنية الاساسية للادارة الحكومية او ترك امرها كلية للقطاع الخاص وبين هذا وذاك توجد ترتيبات مؤسسية توزع فيها الادوار بين الطرفين ويبدو هذا جلياً في حالة اسناد خدمات البنية الاساسية من خلال عقود الخدمة، الادارة، التأجير، الامتياز، الشراكة. واكثر التصنيفات قبولاً من قبل الكثير من الباحثين يندرج على أساس: 1. شراكات تعاونية collaborative Partnerships وتدور حول ادارة وتنظيم الشراكة على أساس تشاركي بين القطاعين العام والخاص، حيث تتصف الشراكة بعلاقات افقية بين اطراف الشراكة ويتم اتخاذ القرار بالاجماع ويشترك جميع الشركاء باداء المهام والواجبات ولايوجد اشراف منفرد لاي طرف بموجب القواعد التي يفرضها. 2 . شراكات تعاقدية contracting Partnerships وتعنى بترتيبات توصيل الخدمات بموجب عقد بين طرفين وتكون العلاقات بين اطراف الشراكة عمودية مع وجود جهة مرجعية واحدة تمارس الرقابة والسيطرة على النشاط وعلى الاطراف الاخرى المساهمة في الشراكة وهذه الجهة لاتمارس اداء المهام بل تعتمد على الاطراف الاخرى في ذلك وتكون قادرة على انهاء الشراكة احياناً احادياً استناداً الى معيار العقد الذي يحكم العلاقة بين القطاعين العام والخاص. ووفق هذا التصنيف يدخل نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) ضمن الشراكات التعاونية بينما تاخذ الشراكات التعاقدية اشكال عديدة مثل التأجير، الادارة، الخدمة، البيع الكلي او الجزئي، الشريك الستراتيجي والامتياز ويدخل ضمن الامتياز اشكال عديدة ابرزها نظام البناء ـ التشغيل ـ نقل الملكية (BOT)وله تفرعات عديدة مثلPBO,BOLT,Boo,Roo, BooT وغيرها ويمكن استحداث صيغ اخرى تتناسب مع المشروع المراد تنفيذه. ولتجنب الخلط بين نظام (PPP) ونظام (BOT) نورد تعريف النظام الثاني والذي لايخرج عن معنى بأنه اتفاق تعهد الدولة او احدى مؤسساتها الى مؤسسات القطاع الخاص للحصول على امتياز لبناء وتشغيل والانتفاع باحد مشاريع البنية الاساسية او الخدمات العامة لفترة زمنية تحدد بين الطرفين ثم ينتقل المشروع الى الدولة صاحبة الامتياز في نهاية المدة المتفق عليها. فوائد ومزايا الشراكة ان رؤية البنك الدولي للشراكة بين القطاع العام والخاص تهدف الى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة في الدول النامية حيث يبرز دور الدولة في اتخاذ القرار ورسم السياسات اما دور القطاع الخاص فيبرز في تنفيذ المشاريع والمشاركة في ادائها بناء على فكرة عدم كفاءة تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية اذا ما اقتصرت على اي من الدولة واجهزتها او القطاع الخاص بشكل منفرد ويمكن حصر فوائد الشراكة بالنقاط التالية: 1. توزيع المخاطر الناجمة عن اقامة المشاريع بين اكثر من طرف هم اطراف الشراكة. 2. توفير رأس مال القطاع الخاص وما يمتلكه مـن المعرفة (Know how ) والخبرة في إدارة المشاريع التي يعتبر عنصر الوقت حاسماً فيها وتقليل المدد الزمنية اللازمة لتنفيذها وبالتالي تحسين موقف الادارة العامة. 3. تخفيف الوطأة المالية التي يعاني منها القطاع العام وخلق القيمة المضافة التي توفرها المرونة المالية مع تحسين القدرة الادارية للقطاع العام. 4. ان ترتيبات الشراكة تحقق نتائج افضل مما يستطيع ان يحقق كل فريق على حده من خلال تأثير الشركاء على اهداف وقيم بعضهم لبعض عن طريق التفاوض والتوصل الى معايير عمل افضل، ومن ناحية اخرى سيكون هناك مجال لتوسيع الموارد المالية نتيجة تعاون الاطراف فيما بينها. 5 . تعزيز مبادىء الافصاح والمساءلة في كيفية ادارة الموارد. 6 . تبني مناهج عمل اكثر ستراتيجية من قبل الشركاء ممثلاً في تزويد افكار ستراتيجية افضل، منهج تنسيقي افضل، وصياغة وتنفيذ افضل. 7. ايلاء البعد الاقتصادي اهتماماً اوسع في السياسات ذات العلاقة وادارة المشاريع على أسس اقتصادية بما يحقق المكاسب الاجتماعية والاقتصادية. 8 . التوصل الى الحلول المرنة التي تستجيب للسياسات التنموية والتطويرية، حيث يسهل الشريك المحلي مواءمة البرامج التي تشملها هذه السياسات لغرض توصلها الى المشاكل المحددة، والفرص المتاحة لاسواق المعمل. 9 . اعطاء الشرعية والمصداقية للمشروع من خلال مشاركة الجماعات . 10 . تحقيق النجاح والتوسع في الاعمال من خلال التحفيز والالهام والنظرة المستقبلية وايجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتي بدورها تخلق الحوافز المستحدثة. 11. خلق بيئة عمل ديناميكية للتغيير داخل البيروقراطيات الحكومية المحصنة وتسمح الشراكة للحكومات بتنفيذ التغيير دون التأثير في اعمالها الحقيقية المتعلقة بتطوير السياسة الاجتماعية والتوجه المستقبلي وادارة تقييم الخدمات. طريق الشراكة في العراق يتوفر نص قانوني يسمح بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص ورد في الفقرة ثالثاً من المادة (15) من قانون الشركات العامة رقم 22 لسـنة 1997 “ للشركة حق المشاركة مع الشركات والمؤسسات العربية والاجنبية لتنفيذ اعمال ذات علاقة باهداف الشركة داخل العراق”، ويلاحظ من النص بان المجال مفتوح للدخول في شراكات مع الشركات غير العراقية ولم يسمح القانون بالشراكة مع القطاع الخاص العراقي وهو قصور واضح في فهم اهداف الشراكة كما لم يتم تحديد طبيعة الشراكة وآليات تطبيقها، وعلى العموم لم تجر اية شراكات وفق هذا النص، قد يكون عدم وضوح النص احد الاسباب. ان هذا الموضوع لم يأخذ حقه من الدراسة والبحث والتطبيق في العراق بينما سبقتنا الى ذلك دول اقل امكانات على المستوى التشريعي والتنظيمي المؤسسي وكما ورد آنفاً. وظهرت مؤخراً للموضوع اشارة واضحة في وثيقتين تمثل ستراتيجية العراق خلال السنوات القليلة القادمة هما وثيقة (العهد الدولي) التي تم اطلاقها مطلع شهر مايس 2007 بين العراق والمجتمع الدولي لتعزيز شراكتهما بغية رفع المستوى المعيشي للشعب العراقي واستكمال عملية اعادة الاعمار فقد نصت المقدمة (السماح للقطاع الخاص بلعب دور قيادي في النشاط الاقتصادي، مع دور خاص للحكومة في تنظيم هذا النشاط وحمايته). وفي ثالثاً”الاصلاح الاقتصادي“ نصت على: ـ ايجاد برامج تعتمد على القطاع الخاص في تنشيط الاعمار الاسكاني. ـ ادراج نصوص قانونية ضمن التشريعات والتعليمات الخاصة باعقود العامة لتشجيع القطاع الخاص على المشاركة. وفي رابعاً (التنمية البشرية): مراجعة اطار العمل التشريعي والتنظيمي لغرض: 1 . تحديد دور الوحدات الوطنية في توفير الخدمات الاساسية. 2 . زيادة حجم الشفافية والمساءلة. 3 . تعزيز الشراكة الخاصة ـ العامة. 4 . تعزيز دور المجتمع المدني في رسم السياسات والرصد والمراقبة. والوثيقة الثانية (ستراتيجية التنمية الوطنية 2007 ـ 2010) والتي حددت اربع نقاط رئيسية للتنمية المستدامة في العراق وهي: 1 . تدعيم اسس النمو الاقتصادي بما في ذلك اطار عمل ثابت للاقتصاد الكلي وبما ينسجم واتفاقية (SBA) المبرمة مع صندوق النقد الدولي. 2 . تنشيط القطاع الخاص من خلال بيئة مؤاتية. 3. تعزيز الادارة الرشيدة (الحوكمة) والامن ومكافحة الفساد. كما جاء فيها ايضاً بان العراق سوف يسمح باقامة مشاريع مستقلة لانتاج الطاقة الكهربائية على اساس نظامي (البناء ـ التشغيل ـ نقل الملكية ـ (BOT) والبناء ـ التملك ـ التشغيل (BOO) . من خلال هاتين الوثيقتين اصبح للعراق طريق مرسوم في ان التنمية المستدامة لابد ان يخطط لها وتنفذ من قبل القطاعين العام والخاص وبذلك تكون الاهداف والفوائد التي سبقت الاشارة اليها غير بعيدة المنال اذا ماتم توفر المستلزمات التشريعية والتنظيمية لنجاحها، لقد تم التنويه الى ان موضوع الشراكة بمفهومه الحديث مازال يبحث ويدرس في العالم من كافة جوانبه التشريعية والتنظيمية والاقتصادية والاجتماعية لبلورة مبادىء وقواعد متفق عليها تحكم وتنظم اشكال الشراكات المختلفة ويجب الا يسبقنا الزمن اكثر مما مضى فالشراكة لابد ان تصبح ثقافة جديدة وواقعاً عملياً يطبق في كافة النشاطات الاقتصادية والخدمية واول خطوة في هذا المجال لابد ان يتصدى كل المهتمين بالشـــــــأن التنموي لدراسة وبحث مفاهيم ومبادىء هذا النظام وتبادل الافكار الخلاقة للوصول الى معايير عمل وتبني مناهج عمل وصولاً الى وضع تشريعات وقواعد تيسر تطبيقه وتضمن نجاحه فضلا عن دراسة مدى الحاجة الى وضع اطر مؤسسيه تشجع على خلق الشراكات من خلال انضاج بناء مؤسسي وقانوني يسهم في دعم وتنظيم هذا النشاط. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:جريدة الصباح
|