ستراتيجية تطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق

 

 

راضي محسن داود

 

الدعــم التقني والمهـــني.. توســيع الســـماح

تجمع الاراء الاقتصادية على الأهمية المتعاظمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الانتاج سواء كان ذلك في البلاد المتقدمة صناعياً او الدول النامية وتشير بعض الاحصائيات الى ان هذه المشروعات تمثل 90% من اجمالي الشركات في معظم اقتصاديات العالم كما تسهم هذه المشروعات بحوالي 46% من الناتج المحلي والعالمي كما انها توفر 40% ـ 80% من اجمالي فرص العمل ويحتل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة مكانة متميزة ضمن اولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية.

واقع الصناعات الصغيرة والمتوسطة  في العراق

نشأت العديد من الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق منذ بدايات القرن الماضي لا سيما في المدن الرئيسة مستفيدة من توفر المواد الخام والمدخلات المحلية وعليه يمكن تقسيم الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق الى ثلاثة اصناف هي:

1 ـ صناعات يدوية وهي تمثل اغلب الصناعات الصغيرة الحجم وتعتمد على الخبرات المحلية المكتسبة كصناعة الجلود والحياكة وصناعة المنتجات التراثية.

2 ـ الصناعات الغذائية كصناعة منتجات الالبان والمربيات والخضراوات وطحن وجرش الحبوب.

3 ـ صناعات ميكانيكية وكيمياوية. وتشمل صناعات بعض الادوات والمكائن الزراعية والمعدات الخاصة ببعض الحرف وقطع الغيار فضلاً عن صناعة الاحبار والاصباغ وقد وجدت هذه الصناعات طريقها الى الانتشار بسبب توفر المواد المحلية والايدي العاملة وقد بلغت عدد المنشآت الصغيرة عام 1983 نحو30565 مشروعاً ورغم هذا الانتشار الا ان انتاجها ظل محدوداً وتركز في الصناعات التقليدية نتيجة لعدم وجود الدعم من قبل مؤسسات الدولة وافتقار معظمها الى التمويل والتطوير ويشير الجدول رقم (1) الى عدد المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة 1988 ـ2001 واهميتها النسبية في الناتج القومي.

حيث نلاحظ في الجدول اعلاه تذبذب واضح في عدد المشاريع الصغيرة وتراجع في اعدادها منذ عام 1990 ولغاية 1999 مقارنة بعام 1989 وذلك يعود الى تراجع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي بسبب الحصار الاقتصادي وتحول قسم كبير من تلك الصناعة الصغيرة الى القطاع غير المنظم.

ولم يختلف مسار القطاع الصناعي المتوسط عن ذلك حيث انخفض عدد المشاريع منذ عام 1991 ولغاية 2001 من 341 مشروعاً الى 142 مشروعاً على التوالي ويمكن تفسير هذا الانخفاض بحالة الركود الاقتصادي التي شهدها العراق بعد فرض الحصار الدولي على العراق عام 1990 فضلاً عن اتخاذ الحكومة لسلسلة من الاجراءات الهادفة الى منع استخدام السلع الداخلة في البطاقة التموينية للاغراض الصناعية مثل اغلاق معامل الحلويات التي تستخدم السكر ومادة الطحين الابيض كما شهدت هذه الفترة توقف الدعم الحكومي وصعوبة الحصول على الادوات الاحتياطية للمكائن وبعد تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء وتقديم الحكومة برامج للاعفاءات الضريبية وتحسن الوضع الاقتصادي عام 2000 شهدت المشاريع الصغيرة توسعاً ملحوظاً في حين لم تشهد المشاريع المتوسطة في نفس العام اية زيادة في عدد المشاريع وذلك بسبب ان المستثمرين الصناعيين قد فقدوا الكثير من رؤوس الاموال خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي نتيجة لتراجع مستوى النشاط الاقتصادي والتضخم ومارافقه من انهيار الطبقة الوسطى وصغار المستثمرين وتآكل المدخرات التي تم توجيهها صوب تغطية احتياجاتهم الحياتية من السلع التموينية والاستهلاكية والخدمات الاساسية التي ارتفعت اسعارها كما ان اعادة انتشار وتوسع مشاريع جديدة يتطلب توفير مكائن ومعدات يصعب تجهيزها بسبب الحصار الاقتصادي كل هذه التطورات اربكت توفير مناخ استثماري وأضعفت بشكل كبير الجدوى الاقتصادية للاستثمار في المجال الصناعي.

أهمية قطاع الصناعة الصغيرة والمتوسطة

تكمن في تحقيق:

1 ـ دعم النمو الاقتصادي والازدهار وتنشيط العجلة الاقتصادية.

2 ـ توفير فرص العمل وتعزيز سياسة مكافحة البطالة والحد من الفقر المزمن.

3 ـ مضاعفة القيمة المضافة للناتج المحلي الصناعي.

4 ـ تكوين روابط أمامية وخلفية للقطاع الخاص الكبير من خلال شبكة الإمداد والتوزيع والصيانة وتزويد هذه المشاريع بالخدمات.

5 ـ جذب الاستثمارات الأجنبية واستغلال الموارد المتاحة وتعزيز القدرات التنافسية وتنمية الطاقات البشرية والتقنية.

6 ـ قدرته العالية على خلق التجمعات الانتاجية التنافسية والتي تعمل على تعميق التكوين الرأسمالي من خلال خطوط وشبكات الارتباط التبادلية التي تعمل على تعميق القيمة المضافة المتولدة عن هذه الصناعات.

أهمية القطاع في التشغيل

تركزت الصناعات الصغيرة والمتوسطة في محافظة بغداد والموصل والبصرة وهذا مرتبط بالكثافة السكانية ومركز السوق التجاري. حيث زاد عدد العاملين في هذا القطاع الصناعي خلال الفترة 1988 ـ 2001 بمعدل قدره 3,2% وتعود هذه الزيادة الى توسع المشاريع الصناعية الصغيرة بمعدل 4,1% ما يشير الى فردية هذه الصناعات.

اما بالنسبة للصناعات المتوسطة فان الامر يختلف تماماً حيث انخفض عدد العاملين من 4459 مشغلاً عام 1988 الى 2123 مشغلاً عام 2001 اي بمعدل نمو سالب مقداره 5,1% وذلك لانخفاض في عدد المشاريع بمعدل 4,7% في حين بلغت مساهمة هذا القطاع في التشغيل الاجمالي الاقتصادي نسبة 4,5% وذلك في عام 1989 ثم انخفض الى 4% عام 1990 الى ان وصلت النسبة الى 1,8% عام 1998 ما يعني انخفاضا عالياً في عدد العاملين في الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

أهمية القطاع كفروع صناعية

يمكننا اكتشاف اهمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق من خلال حجم مساهمة هذا القطاع في مجالين،القيمة المضافة للناتج القومي وعدد المشتغلين بحسب فروع هذه الصناعة حيث يتضح من خلال الجدول رقم ( 2) هيمنة فرع الصيانة والتصليح على القطاعات الاخرى ويدل على تخلي الصناعات الصغيرة عن الانتاج السلعي تدريجياً وتخصصها في الخدمات الصناعية ويمكن تفسير هذا بالصعوبات المالية والتكنولوجية وعدم توفر الكوادر التكنيكية والخبرات في حين جاءت صناعة الاخشاب والاثاث في المرتبة الثانية لان هذه الصناعة اكثر تكيفاً مع ظروف العرض والطلب للمستهلكين كما انها تعتمد على نوع من المهارات الفردية وتتكون من وحدات انتاجية صغيرة في حين جاءت الصناعات النسيجية والصناعات التعدينية وغير التعدينية كمساهمة في القيمة المضافة للناتج القومي في الاقتصاد وعدد المشتغلين في المرتبة الثالثة لكونها مرتبطة بالتجمعات السكانية ولا تحتاج الى استثمارات كبيرة في حين شهدت بقية الصناعات وخلال الفترة 1980 ـ 2001 تقلصاً كبيراً.

ستراتيجية تطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق

في نهاية عصر الاقتصاد الموجه والشركات الحكومية الكبرى باتت المشروعات الصغيرة والمتوسطة تلعب دوراً محورياً وتتكامل افقياً وعمودياً فيما بينها لتشكل مشروعات صناعية تعاونية ولكون العراق يشهد الآن تغييرات كبرى في الاتجاهات الاقتصادية وخاصة في القطاع الصناعي من تبني وتشجيع الصناعات الكبرى والتي يديرها القطاع العام بتمويل من موارد الريع النفطي الى تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة والتحول الى اقتصاد السوق مرتبطاً بالاصلاح الاقتصادي لذا يتطلب مجموعة من الآليات لتنمية وتطوير هذه الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

1 ـ التمويل: توفير الدعم اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر تعدد مصادر التمويل (البنوك التجارية: هيآت التمويل الحكومية وغير الحكومية)

2 ـ الدعم الفني والتقني: تحفيز عمليات البحث العلمي والتطبيقي لا سيما المرتبطة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحديث التعليم المهني وانشاء نظام خاص بالدعم الفني يقوم به الاختصاصيون بتقديم الخدمات الارشادية ودراسة الجدوى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة للتغلب على العقبات.

3 ـ التدريب: اعداد برامج تدريبية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتخصيص معاهد متخصصة لرفع مستوى الوعي المهني للمسؤولين وبرامج التدريب الفني لرفع مستوى مهارة العاملين.

4 ـ الادارة: توفير مناخ صحي لنمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة عبر تقديم خدمات تتعلق بالادارة والتمويل والضرائب وقوانين العمل.

5 ـ التسويق: ايجاد هيئات (حكومية وغير حكومية) لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الترويج للسلع والخدمات التي تنتجها في الاسواق الدولية والمحلية عبر اقامة المعارض والحصول على العقود الحكومية.

6 ـ الاعفاء الضرائبي: الاهتمام بالجانب التشريعي لتنمية بيئية تساعد على نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر الاعفاء من ضريبة العمل. وضريبة الدخل وضريبة العقارات وتخفيض الضرائب على الارباح وايجاد نظام ضريبي يشجع اقامة الصناعات الصغيرة والمتوسطة في المناطق النائية.

7 ـ الحماية من الافلاس: توفير نظام الحماية من الافلاس عبر المؤسسات المالية والتأمينية.

8 ـ نظام الشركات التعاونية: تكوين مجموعة شركات مملوكة بالكامل لاصحاب المنشآت الصغيرة تكون مهمتها نقل التكنولوجيا المتطورة والتسويق والتوزيع وتحديث وتطوير معدات الانتاج.

9 ـ عدم اعتبار الشركات الصغيرة والمتوسطة كيانات منفصلة بل هي جزء من مجموعة مترابطة ذات علاقات متداخلة من التعاون والتنسيق فيما بينها.

................................................

أهم المصادر:

*د.فلاح خلف الربيعي: الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق الواقع والافاق.

*د. احمد عمر الراوي: دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة في التنمية الاقتصادية في العراق.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:جريدة الصباح