هل بدأ «تأثير الدومينو» في أسواق العقار الدولية؟
أزمة الديون الاميركية تتفاعل قبل نحو شهرين، وبالتحديد في يوم 7 يوليو ( تموز ) 2007، كانت "الشرق الاوسط" اول من توقع خروج ازمة التمويل الاميركية الى نطاق عالمي، وتوقعت حينذاك في ملف العقار الاسبوعي، ان تنعكس الازمة على الاسواق العربية والعالمية. واليوم تبدو بوادر هذه الانعكاسات. فبعد ان عصفت الازمة بأسواق المال الدولية وافقدتها مليارات الدولارات في عدة ايام عصيبة تعد الاسوأ منذ اربع سنوات، فإن ازمة التمويل الاميركية اخذت تزحف بآثارها ايضا على اسواق العقار العالمية لكي تخمد الطلب فيها، وتخنق وسائل التمويل، الامر الذي قد يفرز تأثيرا متتابعا في السقوط مثل "تأثير الدومينو". في المانيا تعرض مصرفان للسقوط من جراء ازمة الديون العقارية الاميركية واضطر البنك المركزي الالماني الى اجراءات طوارئ لانقاذهما. كما يراقب البنك المركزي الاوروبي عددا من البنوك الاوروبية التي قال انها تعاني من ازمة سيولة بسبب تردد المقرضين في الاقبال على ادوات الائتمان التي تتعامل فيها. واضحى من الصعب الحصول على قروض عقارية اوروبية في الظروف الحالية. وقال البنك انه بصدد رفع اسعار الفائدة على عكس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي الذي يتجه الى خفض الفائدة. ويعبر الموقف عن حالة من الاضطراب في قطاع الائتمان انعكس فعلا على البورصات. وتواجه البنوك المركزية وشركات تقدير التاريخ الإئتماني بعض اللوم في هذه الازمة التي فاجأت الاسواق في غفلة من مراقبيها. وبعد معاناة قطاع البنوك وخروج الازمة الى نطاق البورصات الدولية التي عاشت فترة حرجة لم تنته ابعادها بعد، تنتظر الاسواق انعكاسات الازمة على مجال العقار الذي يبدو في بعض اركانه وكأنه يعاند التيار. ولكن هذا الانطباع قد يتغير قريبا، فيما يبدو انه سلسلة من التفاعلات التي بدأت اميركيا وتنتشر الآن اوروبيا. التأثير السلبي للازمة انعكس فعلا، ومنذ عدة شهور، على سوق العقار الاميركي المحلي، الذي تراجعت فيه الاسعار وتجمد فيه نشاط الاقراض العقاري بداية من الاقراض الثانوي وحتى قروض البنوك الكبرى ونشاط التوسع في البناء. وكانت الانظار تراقب عن كثب خلال الاسابيع الماضية اسواق العقار الدولية التي كانت معرضة للتراجع، خصوصا بعد انهيارات بورصات الاسهم. وظهرت بالفعل اولى هذه المؤشرات هذا الاسبوع في لندن. فللمرة الاولى منذ عدة سنوات تظهر الاحصاءات تراجعا في اسعار عقارات لندن صاحبه انخفاض في نشاط الاقراض العقاري بلغ 1.5 مليار استرليني في العام الاخير، وبالتركيز على الشهور الاخيرة من العام. وكانت اولى المؤشرات العملية لوجود تغير في السوق ان العقارات المعروضة ظلت غير مباعة لفترات اطول، كما ان المخزون المعروض من العقارات للبيع اخذ في التزايد على عكس المعهود قبل شهور عندما اعلنت احدى شركات العقار ان مخزونها من العقارات المعروضة للبيع نفد تماما ولم يجد اصحاب العقارات المعروضة للبيع مفرا من خفض الاسعار لبيعها، مما اسفر عنه انخفاض مؤشر اسعار لندن في الشهر الاخير بنسبة 0.1 في المائة. وتخشى اوساط العقار في لندن ان يؤدي انهيار اسعار البورصة الى الغاء العلاوات السنوية التي تمنح للمصرفيين والتي يعتبرها البعض المحرك الاول لاسعار العقار في لندن. ولكن محللي العقار لم يربطوا بعد بين ازمة اسعار عقارات لندن وبين ازمة التمويل الاميركية بشكل مباشر ولكنهم يتوقعون ان تتجه العقارات التي فقدت حتى الآن حوالي 1.5 في المائة من قيمتها الى فقدان المزيد من القيمة وبنسبة اكبر في الاسابيع والشهور المقبلة. وتعتبر هذه التوقعات السلبية اعترافا بأن الازمة لم تنته بعد، بل انها بدأت للتو في المجال العقاري خارج الولايات المتحدة. وتؤدي التوقعات السلبية في العادة الى ترجمتها الى واقع، لأن المشترين يؤجلون قرار الشراء حتى تنتهي فترة الانخفاض ليشتروا في المستقبل بسعر اقل، ومع انخفاض الطلب تتراجع اسعار العقار اكثر. ومما يعزز هذا الاعتقاد وجود دلائل على نمو سوق الايجار الاوروبي، الامر الذي يدل على ان بعض المستأجرين على الاقل يؤجلون قرار الشراء. ويقول تيم هيات من شركة "نايت فرانك"، على موقع الشركة على الانترنت، ان هناك العديد من العوامل الاخرى التي ساهمت في تراجع الاسواق، فبعض مستثمري العقار انسحبوا من السوق بحثا عن عوائد افضل في مجالات اخرى مما قلص من العقارات المعروضة للايجار، كما ان مخاوف الانهيار في اسواق العقار مع تكرار رفع الفوائد على الاسترليني في بريطانيا خمس مرات متتالية الى 5.75 في المائة، كان لها تأثيرها ايضا. وكان القطاع الفاخر هو اكثر القطاعات الايجارية نشاطا في لندن مع زيادة عدد الزوار الاثرياء. كما زادت ايضا فترات الايجار في المتوسط من 13 شهرا الى عامين. كما زادت الايجارات بنحو 20 في المائة احيانا وتم تأجير عقارات بأكثر من الايجار المطلوب فيها، ولكن هذا الارتفاع الايجاري لم يغير من المعادلة الاساسية بعد، وهي انخفاض عوائد الايجار الى 4.8 في المائة كنسبة مئوية من ثمن العقارات. وما زالت عوائد الايجار في بريطانيا اقل من عوائد السندات. من ناحية اخرى، تعترف بعض مؤسسات الاقراض الشبيهة بالشركات الاميركية التي افلست وتسببت في الازمة اصلا، بأنها ترتكب مخالفات مماثلة، وبأنها قد تكون ضحية الاقراض السهل غير المضمون. فبعض شركات التمويل في بريطانيا لم تكن تمانع في اقراض عشرة اضعاف الاجر السنوي مع ان المعدل الطبيعي لا يجب ان يزيد عن ثلاثة اضعاف الاجر. كما ان بعض شركات التمويل لم تتردد في اقراض اشخاص لم يثبت لهم مصدر دخل ثابت وكانت تعتمد على اقرارات من هؤلاء الاشخاص بتقدير دخلهم السنوي. وهي ممارسات مماثلة لما جرى في السوق الاميركي وادى في فجوة تمويل مع توقف وامتناع عشرات الالاف من تسديد اقساط القروض بعد ارتفاع اسعار الفائدة لعدم قدرتهم او عدم رغبتهم في السداد. وحذر بنك انجلترا هذه الشركات انه لن ينقذها من الافلاس في حالة تعثرها المالي طالما انها لم تتبع شروط الاقراض الرشيد التي يصدرها البنك. من الامور المزعجة ايضا لشركات العقار ان هذا الانخفاض وقع في لندن التي تعتبر مدينة مفتوحة على الطلب الدولي ولا ترتبط تماما بالاقتصاد البريطاني. فقد كانت مصادر صناعة تسويق العقار تعتبر ان لندن محصنة ضد التراجع بسبب وضعها الدولي. وتضع هذه الشركات املها حاليا في استعادة البورصات لخسائرها قبل ان ينعكس الامر على التوظيف والنمو الاقتصادي. وتعترف البنوك البريطانية ان مخاوف ما حدث في السوق الاميركي مع ارتفاع اسعار الفائدة البريطانية ساهم في تشددها في الاقراض وخفض قيمة القروض المسموح بها عما كانت عليه قبل عدة شهور. مما يدل على عمق الازمة ان قطاع العقارات التجارية التي تعتمد على العوائد الايجارية تشهد حاليا ادنى عوائد لها منذ 12 عاما. وينذر هذا التراجع في سوق العقارات التجارية بحركة تصحيح تتراجع فيها اسعار العقار حتى تتواءم مع العوائد التجارية. وبدون هذا التصحيح سوف يكون من الصعب بيع اي عقار تجاري لأن عوائده الاستثمارية تقل عن اسعار الفائدة السائدة. ومع عدم توقع زيادة اسعار هذه العقارات في العام المقبل قد يكون من الافضل استثماريا الاحتفاظ بالاموال كودائع سائلة في البنوك، بعوائد افضل، بدلا من تجميدها في العقار. الخلفية المالية: هذه التفاعلات العقارية هي الامر الظاهر للمستثمر، ولكن التفاعلات المالية التي كانت سبب الازمة في الاصل، ما زالت تتبلور داخل وخارج الولايات المتحدة، وخصوصا في الشركات المتورطة في ازمة ديون رديئة. فالخسائر التي مني بها قطاع الاقراض الثانوي (Sub Prime) والتي لم يتم حصرها بالكامل بعد، لا بد لها ان تنعكس في صورة تكاليف اكبر على المقترضين الجدد في القطاع نفسه وربما ايضا على بقية المقترضين. وكان التأثير الاول للأزمة انحسار السيولة من السوق وتشديد شروط الاقراض وتحجيم قيمته. كذلك ابتعد المستثمرون عن الاصول عالية المخاطر. واعترف مدير استثماري في جمعية "نيشن وايد" البريطانية للاقراض العقاري ان من السابق لاوانه تقدير نتائج الازمة ولكن من المؤكد ان مجال تقدير المخاطر في المجال العقاري سوف يعاد النظر فيه تماما. والنتيجة هي ان التكاليف الاضافية سوف تحال الى المستهلك بحيث يدفع المقترض ذو التاريخ الائتماني السيئ ثمنا باهظا لاقتراضه العقاري. وقد رفعت بعض شركات هذا القطاع اسعار الفائدة التي تقرض بها بحوالي واحد في المائة. وتقول الشركات ان نقص السيولة في هذا القطاع دفعها الى مثل هذا الاجراء. كما استبعدت بعض الشركات من الاقراض مقترضين ذوي درجات ملاءة متدنية، كان الاقراض السهل متاحا لبعضهم حتى الشهر الماضي. وانسحبت بعض الشركات تماما من قطاع الاقراض الثانوي، بينما شددت شركات اخرى اجراءات الاقراض. وهذه التحولات في حد ذاتها تعزز من قيمة وضرورة الاحتفاظ بسجل ائتماني ناصع للحصول على افضل المزايا عند الحاجة الى الاقتراض. ولكن هذا لن يمنع ان تكاليف الاقراض سوف ترتفع للجميع في المدى المتوسط لتعويض الخسائر. فالبنوك تلجأ لاسواق المال من اجل تدبير التمويل اللازم لاقراضها، وسوف تجد ان تكاليف مثل هذا التمويل في ارتفاع حتى ولو بقت اسعار الفائدة الاساسية ثابتة. وتفكر العديد من البنوك العربية النشيطة في مجال الاقراض العقاري في رفع تكاليف الاقراض للمستهلك لتغطية وضعها الائتماني، كما خفضت بنوك اخرى اعتمادها على تدبير اموال من الاسواق العالمية بشكل مؤقت وفي مثل هذا الوضع المتغير لا يمكن القول بأي حال ان الاسواق العربية معزولة وانها لن تتأثر بأزمة التمويل العقاري الاميركية. * تأثيرات الأزمة على المستهلك: تشديد شروط الإقراض وارتفاع تكاليفه * على رغم ان المستهلك العربي لم يتأثر بعد بتفاعلات هذه الازمة سوى في تراجع بعض البورصات العربية تعاطفا مع البورصات العالمية او خوفا من المجهول، الا ان التأثير التتابعي قادم بالتأكيد بداية من قطاع البنوك. سوف تجد البنوك العربية ان خطوط الائتمان العالمية بدأت تجف، وبالتالي سوف يكون عليها الاعتماد على نفسها في تدبير تمويل القروض والمشاريع التي تشارك فيها. وسوف تعمم البنوك على مديريها ارشادات بضرورة توخي الحذر في عمليات الاقراض لكل قطاعات العملاء كما ترفع البنوك من حدة منافستها لكي تجتذب المزيد من الودائع ربما بعرض حوافز مغرية او اسعار فائدة اعلى. وسوف يشعر المستهلك العادي بتأثيرات هذه التحولات في اربع مجالات هي: تراجع قيمة الاستثمارات الورقية سواء كانت اسهم او سندات او ادوات مالية اخرى مثل التعاملات الآجلة او الخيارات. وهنا تظهر اهمية المحافظ المتوازنة التي تخفف من حدة الصدمات من هذا النوع. ويقدر خبراء المال تراجع المحافظ المالية المتوازنة في الشهر الأخير بنسبة 7 في المائة، اما المحافظ التي انخفضت بمعدلات اكبر فهي محافظ غير متوازنة وتستدعي اعادة النظر في درجة المخاطر. مع زيادة الحرص في اسواق التمويل بالجملة سوف تلتزم البنوك الحذر في عمليات الاقراض العقاري، بحيث يجد المستهلك صعوبة في تدبير قروض كبيرة لا تغطيها ضمانات كافية مكونة من الاجر السنوي وقيمة العقار ونسبة ما يدفعه المشتري نفسه في هذا العقار مشاركة مع البنك الممول. وتضع البنوك في حسبانها قدرة المقترض على السداد حتى لو ارتفعت اسعار الفائدة بنقطة مئوية اضافية في الفترة المقبلة. وقد يفاجأ بعض المقترضين بالشروط المشددة والعسيرة التي سوف تفرضها البنوك خلال الشهور المقبلة على كافة انواع القروض. بالاضافة الى تشديد شروط الاقراض سوف ترتفع ايضا تكاليفه لكي تغطي زيادة المخاطر المحتملة وقد لا تكون هذه الزيادة في صيغة اسعار فائدة مباشرة وانما في تكاليف "تدبير القرض" او رسوم لضمان القروض في صورة وثائق تأمين اجبارية، وهكذا. وسوف تزداد هذه التكاليف بصورة خاصة على قطاع المقترضين من ذوي الملاءة المنخفضة. سوف تلجأ البنوك الى عدة وسائل لتشجيع المدخرين لانهم يساهمون في زيادة السيولة. وتنظر البنوك الى المدخرين كمصدر تمويل اضافي خصوصا في حالة ندرة السيولة في اسواق المال الدولية كما هو الحال في الوقت الحاضر و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-1-9-2007
|