"وول مارت" بين المنافسة والاحتكار

 

 

آن ماري بروكس

 

 

وول مارت هو أكبر متجر في العالم، ويحتل مكانة إقتصادية وثقافية خاصة في الولايات المتحدة فهو ليس مجرد قوة تجارية فحسب، بل إنه أصبح نموذجا يجسد التغيير الذي حدث في أمريكا ذات المدن الصغيرة، التي تحولت من عهد المحلات العامة والمتاجر المملوكة لأفراد، إلى عصر المتاجر ذات السلاسل الكبيرة، المنتشرة، والتي تؤمن بأهمية السعر قبل الجودة.

أحب بعض الناس محلات وول مارت، أما البعض الآخر فلم تنل إعجابه، لكنها في جميع الأحوال أصبحت تشكل جزءا كاملا من الثقافة الأمريكية. 

تاريخ محلات وول مارت

تأسست متاجر وول مارت على يد سام ولتون في العام 1962 في مدينة روجرز بولاية أركانساس. وخلال بضعة سنوات افتتحت السلسلة 23 محلا إضافيا، وبعد مرور 15 عاما فقط على التأسيس تجاوزت مبيعات وول مارت المليار دولار. دخلت الشركة السوق العالمي في العام 1991 بافتتاح متجرين في العاصمة المكسيكية، وفي العام 1999 أصبحت السلسة أكبر صاحب عمل خاص في العالم، بتوظيف 1.140.000 عامل بها. في العام 2005 بلغت مبيعات وول مارت 312.4 مليار دولار، في 6200 متجرا تنتشر في جميع أنحاء العالم، (منها 3200 متجرا في الولايات المتحدة، وباقي المحلات تتوزع على 12 دولة)، يعمل بها 1.6 مليون موظف، ويرتادها حوالي 138 مليون مستهلك في الأسبوع. 

هناك أسلوبان كان لهما أثرا كبيرا في نجاج وول مارت غير المسبوق هما: هوامش الربح المنخفضة، والتكيف المستمر، فشركة وول مارت تتبنى شعار "أسعار منخفضة على الدوام". حتى أنه في بعض الأحيان تصل هوامش ربحها أقل من 3.5 بالمائة، مما يسمح لها بالتغلب على المنافسين، والازدهار في جميع الأسواق التي تدخلها. كذلك تحولت محلات وول مارت من مجرد متاجر لبيع الملابس وبعض المنتجات بأسعار زهيدة، لتشمل حاليا مراكز كبرى للتسوق (عبارة عن محلات بيع منتجات رخيصة الأسعار ملحق بها سوبر ماركت كامل)، وسامز كلوب: (محل لبيع المواد الغذائية بالجملة للأعضاء فقط)، ومحلات البقالة الصغيرة (محلات لبيع المواد الغذائية أصغر حجما).

فوائد للمستهلكين وللاقتصاد

يجادل المدافعون عن الشركة بأن تلك المحلات تعود بالفائدة على المستهلكين بتقديم أسعار منخفضة، وبضاعة مناسبة.

كذلك تدفع متاجر وول مارت بأنها توفر ما يزيد عن 2000 دولار سنويا للأسرة الأمريكية المتوسطة. وبأنها عندما تقدم أسعار منخفضة فإنها تدفع منافسيها أيضا لخفض أسعار منتجاتهم المشابهه، كي تبقى على مستوى المنافسة في السوق.

وقد بدأت متاجر وول مارت مؤخرا برنامجا لبيع العديد من العقاقير الطبية، التي لا يتم صرفها إلا بناء على وصف الطبيب، بأربعة دولارات فقط.

تشمل الوصفات الطبية التي يغطيها هذا البرنامج 14 علاجا من 20 هي أكثر العلاجات التي ينصح بها الأطباء، وتشمل عقاقير مرض السكري، وأمراض القلب.

وقد بدأ هذا البرنامج كرد فعل للجدل العام حول إرتفاع أسعار العقاقير الطبية التي يصفها الأطباء بالنسبة لكبار السن، ومن ليس لديهم تأمين صحي. من ناحية أخرى يزداد تقديم محلات وول مارت للعديد من الخدمات المتنوعة على نحو كبير، ففي بعض الأحيان تجمع بين محل رخيص الأسعار، ومحل بيع المواد الغذائية، وصيدلية، وخدمات أخرى كالخدمات المصرفية، وصالونات التجميل في مبنى واحد.

مما يتيح للمستهلكين التسوق وتلبية جميع إحتياجاتهم دون التنقل بين عدة أماكن. وسوف تتعاقد الشركة قريبا مع مزودي خدمات صحية محليين لفتح عيادات في متاجر وول مارت، في محاولة لزيادة الحصول على خدمة صحية بأسعار مناسبة.

أما الموضوع الأكثر جدلا فهو التأثير الإيجابي لمتاجر وول مارت على المجتمعات التي تخدمها. فعندما تفكر الشركة في إنشاء محل بمنطقة جديدة، فإن مؤيدي الخطة غالبا ما يدفعون بأن وول مارت سوف تزيد من عدد الوظائف المتاحة في المجتمع برواتب مناسبة.

وقد وجد البعض أن متجر جديد من متاجر وول مارت يوفر فرص عمل لسكان المنطقة وما حولها، خاصة للشباب، أو لمن لا يتمتعون بمهارات عملية كبيرة، أو أصحاب الخبرات القليلة. كما أن الوظائف التي لا تحتاج إلى مهارات كبيرة في متاجر وول مارت تدفع ما يزيد عن الحد الأدنى من الأجور.

كذلك توفر متاجر وول مارت مزيد من العائد الضريبي للمدينة، لكن في بعض الأحيان يأتي ذلك على حساب زيادة الإزدحام، وقد يحتم الأمر مزيد من التمويل لصيانة الطريق.

كذلك تشير شركة وول مارت إلى مساهماتها الخيرية في المجتمعات المحلية التي توجد بها فقد أعلنت الشركة مؤخرا عن أنها ستكون أول مؤسسة ربحية تتسلم جائزة إفانجلين بوث لجيش الخلاص، وأنها كانت أكبرمساهم مالي في الولايات المتحدة في العام 2006، بجمعها ما يزيد عن 270 مليون دولار لدعم المؤسسات الخيرية في 4000 موقع بالولايات المتحدة.

وتركز شركة وول مارت على إنفاق الأموال الخيرية التي تمنحها على مجالات "التعليم، والبيئة، والصحة، والخدمات الإنسانية، والجماعات المدنية، والثقافة، والفنون، وذلك لإيمانها بفلسفة العمل على نطاق عالمي والمساهمة المحلية".

أما أخر مشاريع الشركة فقد شمل إجراء مسابقة بين المدارس في 12 ولاية لجمع المواد التي يمكن إعادة إنتاجها، تحصل فيها المدارس الفائزة على آلاف الدولارات. تقوم فكرة المسابقة على منح 830.000 دولار لألفين وثمانمائة مدرسة حين تنجح في تعبئة 131.000 حقيبة سعة كل منها 60 جالونا بمواد يمكن إعادة إنتاجها.

الانتقادات الموجهه ضد وول مارت

تواجه شركة وول مارت العديد من الانتقادات حول عدد من الموضوعات تتراوح ما بين تأثيرها على المجتمعات، إلى المزاعم حول سوء معاملة الموظفين والتفرقة بينهم. ففي بعض المناطق التي أرادت الشركة إفتتاح متاجر جديدة بها، عارضت بعض المجتمعات أو مسؤولين محليين السماح بفتح تلك المتاجر  وتركز هذه الجهود المناهضة لوول مارت، خاصة في المدن الصغيرة، في الأساس على حماية أسواق بيع المواد الغذائية المحلية، والمتاجر الأصغر حجما، أو الحفاظ على إطار المجتمع. وفي أغلب الأحيان يأتي رد فعل وول مارت بالضغط على المجتمعات أو المسؤولين المحليين للسماح لها بالتوسع.

ففي مدينة ستروجتون بولاية ويسكونسين، حيث يدار بالفعل متجر تابع لوول مارت، وحيث ترغب الشركة في إفتتاح مركزا تجاريا أكبر، هددت الشركة بإغلاق المتجر الموجود (والاستغناء عن جميع العاملين) في حال رفض المدينة السماح لها بالتوسع. كذلك تحاول شركة وول مارت التأثير على الرأي العام لفتح متاجر في شيكاجو، ومن أجل ذلك منحت آلاف الدولارات لأفراد، ومئات الآلاف بل وملايين الدولارات للجماعات التي تساعدها على الدخول إلى الولاية، مواجهة المعارضين. 

من ناحية أخرى أتهمت شركة وول مارت بعدم توفير العناية الصحية الملائمة للعاملين بها، وبشكل عام بسوء معاملتهم.

ورغم إعلان الشركة عن خطط للتأمين الصحي منخفضة التكلفة للعاملين بها، فإن الموظف العادي ينفق ما بين 7 إلى 25 بالمائه من دخله على أقساط ومقتطعات التأمين الذي يشمله هو فقط، في حين تتراوح النسبة ما بين 22 إلى 40 بالمائة من التأمين الذي يشمل الأسره، وفق برنامج وول مارت للتأمين الصحي.

كذلك فإن إسهامات الشركة في تكاليف البرنامج تعتبر أقل من المعدل المطلوب بكثير، حيث قام العاملون بالشركة بدفع 41 بالمائة من تكاليف خطة التأمين الصحي في العام 2004، مقارنة بالمعدل القومي الذي يدفع فيه الفرد الأعزب 16 بالمائة من التكاليف، و28 بالمائة للتأمين الذي يشمل العائلة بأكملها.

ونتيجة لارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وإنخفاض الدخل، لا يستطيع العديدون من العاملين بالشركة الدخول في خطط وول مارت للرعاية الصحية، ويلجأون عوضا عن ذلك إلى برنامج الولاية، أو برنامج المساعدة الطبية، ملقين بعبء تلك التكاليف على عاتق دافعي الضرائب.

وعلى صعيد آخر رفعت 57 قضية أمام المحاكم ضد شركة وول مارت في العام 2006 بسبب الأجور، وساعات العمل. حيث كانت هناك إتهامات متكررة بالضغط على موظفين للعمل ساعات زائدة دون مقابل، خلال أوقات الراحة أو الغداء، أو أوقات أخرى غير محسوبة.

كذلك إتهمت الشركة بالتفرقة بين الرجال والنساء، ففي العام 2004 تم مقاضاة الشركة لدفعها رواتب أقل للعاملين من النساء، ومنحهن فرص للترقي وعلاوات أقل من العاملين الرجال.

الأجور المنخفضة التي يحصل عليها العاملون بوول مارت، جعلت العديد من العاملين وعائلاتهم يعيشون تحت خط الفقر. وفي هذه الحالات، تماما مثل وضع الرعاية الصحية، تقوم أموال دافعي الضرائب بسد الفجوة بين أجور وول مارت المنخفضة، وضروريات الحياة عبر خدمات إجتماعية متنوعة.

سبب ازدهار وول مارت في أمريكا؟ 

من المثير أن نشير إلى أن ألمانيا هي البلد الوحيد الذي لم تلقى فيه محلات وول مارت نجاحا.

ففي أوروبا، حيث ترفض الأطعمة المعدلة وراثيا إلى حد كبير، وتم مراقبة لحوم الأبقار لعدة سنوات، وحيث ترتفع نسبة المتاجر الصغيرة إلى المحلات الكبيرة بكثير عن الولايات المتحدة، يبدو أنه من الصعب نجاح محل لبيع بضائع منخفضة الأسعار وتحقيقه أرباحا على حساب أسواق المزارعين، أو المتاجر المتخصصة الأصغر.

أما في الولايات المتحدة حيث يندر وجود أسواق المزارعين، والمتاجر المملوكة لأفراد، فإن المنافس الرئيسي لوول مارت هي المتاجر المشابهة الأخرى التي تبيع منتجات رخيصة أيضا، وسلاسل المحلات الأصغر، والأسواق التجارية الكبرى.

وبما أن معظم البضائع المتاحة يتم إنتاجها بالجملة، فإنه حتى بالنسبة لمعارضي وول مارت لا يوجد ما يدفعهم للذهاب إلى محلات أخرى أعلى سعرا، وأقل ملائمة. محلات وول مارت هي ببساطة إمتداد للظاهرة التجارية الأمريكية المتنامية: الميل نحو إنتاج الجملة، بدلا من التخصص، والمنافسة القائمة على السعر بدلا من الجودة.    

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: تقرير واشنطن-4-8-2007