هل ستشعل أنابيب النفط الصراع بين موسكو وواشنطن؟!

 

عبدالله صالح

 

جاء الإعلان عن توقيع صفقة خط أنابيب نفط البلقان، المؤجلة منذ فترة طويلة، بين روسيا واليونان وبلغاريا، ليثير مخاوف واشنطن من هيمنة موسكو على نقل جانب كبير من نفط بحر قزوين، في وقت بدأ فيه تشغيل أنبوب باكو ـ تبيليسي ـ جيهان، والذي تدعمه الولايات المتحدة وتعتبره وسيلة هامة لإنهاء السيطرة الروسية الطويلة على إمدادات النفط القادم من بحر قزوين، وبالتالي إضعاف نفوذها الاقتصادي والسياسي.

ويستهدف المشروع، الذي يتوقع الانتهاء منه خلال أربع سنوات، تقليل التكلفة والوقت الذي تستغرقه عملية نقل النفط الروسي من بحر قزوين إلى أوروبا. حيث يتم حالياً نقل النفط الروسي بواسطة آلاف الناقلات عبر مضيق البوسفور، لكن اكتظاظ حركة مرور السفن بصورة متزايدة على مر الأعوام جعل هذه العملية غير آمنة من الناحية البيئية.

وستقوم مجموعة من الشركات ببناء وتشغيل المشروع، من بينها ثلاث شركات بترولية حكومية روسية هي (جازبروم نفط) و(ترانس نفط) و(روس نفط)، وهذه الشركات سوف تستحوذ على 51% من خط الأنابيب, بالإضافة إلى شركتي (هيلينك بيتروليم) و(بيتروليم جاز) اليونانيتين وشركة (بولغارجاز) البلغارية

وكان الاتفاق الثلاثي الخاص بمد خط أنابيب بطول 280 كيلومتراً قد تأجل مراراً من جانب الدول الثلاث على مدى الـ15 عاما الماضية، وقيل أن ذلك يعود إلى اعتقاد الروس في عدم جدواه اقتصادياً.كما ظلت الدول الثلاث على خلاف طيلة أعوام بشأن مسائل مهمة أخرى مثل الدولة التي سوف تكلف بمسؤولية بناء خط الأنابيب، ورسوم العبور، وملكية محطات التفريغ.

ويعتقد الخبراء حالياً، أنه في ظل ارتفاع أسعار البترول، يمكن أن يشهد المشروع النور أخيراً، حيث سينقل البترول الخام الروسي إلى منطقة البحر المتوسط، على نحو يتيح لموسكو الهيمنة على سوق الطاقة في المنطقة.

ويمر خط الأنابيب، البالغة تكلفته سبعمائة مليون يورو (924 مليون دولار) بعيداً عن مضيق البوسفور المكتظ بحركة السفن في تركيا، حيث يقوم بنقل النفط من ميناء "بورجاس" البلغاري على البحر الأسود إلى ميناء ألكسندروبولس اليوناني.

وسيتيح خط الأنابيب، الذي يعد بمثابة موطئ قدم قوي لروسيا في سوق الطاقة بأوروبا، في بادئ الأمر نقل سبعمائة ألف برميل يومياً من النفط الروسي مع إمكانية الوصول بهذا الرقم إلى أكثر من مليون برميل يومياً.ومن المتوقع أن يكون هذا الأنبوب منافساً رئيسياً لخط أنابيب باكو جيهان الجديد البالغة تكلفته ملياري يورو، والممتد من أذربيجان إلى البحر المتوسط، والذي لا يمر عبر الأراضي الروسية، وإنما يبدأ مساره بالقرب من العاصمة باكو على ساحل بحر قزوين، ماراً بمنتصف أذربيجان من الشرق إلى الغرب، ثم يقطع جورجيا في منتصفها تقريباً من الشرق إلى الغرب، قبل أن يتجه جنوبا ليشق جبال الأناضول التركية بشكل مائل من ناحية الشمال الشرقي نحو الجنوب إلى مدينة جيهان على ساحل البحر المتوسط.

وكانت كل من أذربيجان وجورجيا وأذربيجان قد وقعت في عام 1999م اتفاقًا، لمد خط من الأنابيب ينقل البترول الأذربيجاني إلى الأراضي التركية، ماراً بالأراضي الجورجية لينتهي الخط عند الميناء التركي جيهان، بطاقة استيعابية ضخمة تبلغ مليون برميل في اليوم، وهذه الطاقة الاستيعابية الضخمة لن تحمل فقط النفط الأذربيجاني بل ونظيره الكازاخستاني أيضا.

لكن المشروع تعطل أكثر من مرة، بسبب مخاوف العديد من الشركات المساهمة من التأثيرات السلبية للاضطرابات في كل من أذربيجان وجورجيا على سير المشروع، فضلاً عما تعانيه تركيا من قلاقل بسبب الأقلية الكردية التي تحاول إقامة دولة مستقلة لها، ومع ذلك فقد كانت الولايات المتحدة متحمسة لاستكمال هذا المشروع، باعتباره عنصراً هاماً لتنفيذ إستراتيجيتها في القوقاز وآسيا الوسطى في مواجهة روسيا على وجه خاص، ولهذا مارست العديد من الضغوط على الدول والشركات المساهمة للإسراع في تنفيذ الأنبوب.

ويتفق الخبراء على أن المشكلات السياسية واللوجستية التي تكتنف إيصال غاز قزوين ونفطه إلى الأسواق العالمية، تجعل المنطقة مختلفة عن أماكن أخرى غنية بالطاقة، كبحر الشمال وفنزويلا، فالمنطقة لا تفتقر فقط إلى المنافذ المائية، بل تحيط بها دولتان رئيسيتان (روسيا وإيران) تعدان منافسين تجاريين.

كما يجمع خبراء صناعة الطاقة على أن إيران تمثل المسار الأجدى تجاريا لمد خطوط أنابيب الطاقة من آسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية على الأقل، نظرا لقصر المسافة وإمكانية وصل الخطوط المقترحة بالأنابيب ومنافذ التصدير الموجودة فعليا على الخليج العربي.

لكن ما يعوق هذا المسار هو العقوبات الأميركية، كما أن دول قزوين ترى أنه ليس من مصلحتها تمكين إيران من السيطرة على منفذ رئيسي لتصدير الطاقة منها. كذلك فإن شبكة الأنابيب الروسية تعد خياراً جيداً لنقل نفط قزوين، لكن خلافات موسكو مع دول قزوين تجعل الأخيرة تبحث عن بدائل أخرى حتى لو كانت أعلى تكلفة، لتفادي الهيمنة الروسية.

منطقة بحر قزوين باتت محور صراع بين موسكو، التي تعتبرها امتدادا إستراتيجياً لها، وواشنطن التي تسعى لترسيخ أقدامها في المنطقة من أجل حماية مصالحها ومواجهة التهديد الإيراني والإسلامي، هذا فضلاً عن سعي كلا الدولتين للهيمنة على مصادر الطاقة في المنطقة وأنابيب نقلها، حيث تقدر وكالة الطاقة الدولية الاحتياطيات المثبتة Proven Reserves من النفط بنحو 40 مليار برميل.