تخصيص الشركات هل يعني تحسين أدائها؟
إبراهيم محمد
أثبت انقطاع التيار الكهربائي عن نحو 10 ملايين منزل في ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مجدداً، ان بيع مؤسسات القطاع العام للقطاع الخاص أو تسليم إدارتها إليه لا يعنيان بالضرورة تحسين مستوى أدائها. ويقدم قطاع الكهرباء في أوروبا وخارجها أدلة متزايدة على ذلك. فعلى عكس قطاع الاتصالات والإنترنت، لم يؤد تخصيص مؤسساته أو تسليم إدارتها للقطاع الخاص إلى تحسين أدائها في حالات كثيرة. ويشير الى ذلك ازدياد وتيرة انقطاع التيار الكهربائي خلال السنوات الخمس عشرة الماضية التي شهدت استكمال معظم عمليات التخصيص المذكورة في البلدان الصناعية كذلك. أما أشهر حالات الانقطاع فحدثت في شمال شرقي الولايات المتحدة عندما حُرم 50 مليون مستهلك في آب (أغسطس) 2003 من التيار ثلاثة أيام. وحدث انقطاع مماثل في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه طال 56 مليون إيطالي. وفي تشرين الثاني 2005 بقي ربع مليون ألماني أياماً من دون كهرباء بعد موجة برد أدت إلى انهيار عشرات الأعمدة المخصصة لنقل تيار التوتر العالي في غرب البلاد. وفي كل هذه الحالات تبين ان سعي الشركات الى تعزيز أرباحها مقابل عدم قيامها بأعمال التطوير والصيانة اللازمة للشبكات ومحطات التوليد، كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى الانقطاعات المذكورة. طبعاً، لا يمكن تحميل عملية التخصيص من حيث المبدأ مسؤولية انقطاع التيار الكهربائي وتراجع أدائه في حالات كثيرة، لأن هذه العملية حققت نجاحاً باهراً في مستوى خدمات قطاع الاتصالات الأوروبي في وقت تراجعت فيها أسعارها. وعلى عكس ذلك، أدت العملية المذكورة في قطاع الكهرباء إلى ارتفاع الأسعار من دون تحسن مستوى الخدمات في شكل ملموس. وهنا يطرح سؤال عن سبب النجاح الأكبر لعملية التخصيص في قطاع الاتصالات مقارنة بقطاع الكهرباء؟ لعل ابرز الأسباب التي تقف وراء ذلك اختلاف طبيعة العمل على مستوى القطاعين. ففي الاتصالات فتحت الأسواق أمام شركات كثيرة في شكل أدى إلى إشاعة مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة فيما بينها. وهو الأمر الذي انعكس إيجاباً على الخدمة وعلى سعرها الذي تراجع بنسب تراوحت بين 40 و65 في المئة خلال السنوات العشر الماضية. أما في قطاع الكهرباء فقــد جــــرت عملية التخصيص في إطار أبقى على عدد المنافسين قليلاً للغاية. ما سهل عليهم احتكار السوق وتقسيمها فيما بينهم بعد مشاورات وراء الكواليس، إضافة إلى فرض أسعار دون مستوى الخدمات. ففي ألمانيا مثلاً تحتكر اليوم أربع شركات عملاقة، أهمها «إي اون» و «آر دبليو إي»، سوق الكهرباء. وقد دلت خبرات السنوات الخمس الماضية على أنها رفعت الأسعار بنسبة زادت على 40 في المئة في وقت تراجعت فيها نسبة استثماراتها في الشبكات ومحطات التوليد بنسبة 20 في المئة. وفي لغة الأرقام يعني ذلك تحقيق أرباح سنوية تتراوح بين 20 و30 بليون يورو، في وقت لا تستثمر فيها سوى بأربعة بلايين سنوياً. ما أدى إلى تقادم الشبكات وتعرضها للأعطال في شكل متكرر. لا شك في أن تخصيص قطاع الكهرباء بالطريقة نفسها التي يخصص بها قطاع الاتصالات ليس ممكناً، بسبب ضخامة الاستثمارات المطلوبة للأول وطول فترة استعادة رأس المال. بمعنى آخر يصعب إيجاد عدد كبير من الشركات والمستثمرين المهتمين بالعمل في قطاع الكهرباء مقارنة بقطاع الاتصالات. لكن على رغم ذلك، يمكن تخصيص مؤسسات الأول على أساس ضمان أجواء المنافسة ومنع تشكيل احتكارات، لأن ذلك لا يشجع كثيراً على تحسين مستوى الخدمة ولا على تقديمها بأسعار مناسبة. أما سبل هذا المنع فلا تقتصر فقط على زيادة عدد المستثمرين المحليين والأجانب في سوق الكهرباء، وإنما من خلال إقامة مؤسسات متخصصة تقوم بمهام الرقابة الصارمة على مدى الالتزام بتحديث الشبكات ومحطات التوليد. وذلك وفقاً لمعايير تحدد حجم الاستثمار المطلوب وفقاً لاحتياجات الأسواق المتنامية. وفي هذا الإطار لا بد من دعم المؤسسات الحكومية العامة التي تقوم بهذه المهام حالياً أو رفدها بأخرى تتمتع بالكفاءات التقنية والهندسية إضافة إلى الصلاحيات التي تمكنها من القيام بالرقابة المذكورة في الوقت المناسب. وعلى ضوء الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، يتم في ألمانيا ودول أوروبية حالياً بحث إمكان إقامة مثل هذه المؤسسات على الصعيدين الوطني والأوروبي. وعند هذه النقطة يجب على البلدان العربية دراسة التجربة الألمانية والأوروبية في مجال تخصيص قطاع الكهرباء، بغية الاستفادة من دروسها في تخصيص شركات كهرباء في العالم العربي. و كل ذلك بحس بالمصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: الحياة اللندنية-3-1-2006
|