مـنْ يُِـديـرُ المـديـر َ ؟ -3-

 

حـذار التـفـويـضات المطلقـة المتوازيـة

 

المـهنـدس فــؤاد الصــادق

 

أزمـة التـفـويـض في الإدارة العـليـا

نكـرر السـؤال :

مـنْ يُِـديـرُ المـديـر َ ؟

التفويض الفعال الناجح هو الذي يُِـديـرُ أعمال المـديـر َ ويقوده نحو النجاح والتقدم المستدام عمودياً وأفقياً سواء أكان المدير مديراً في الإدارة العليا او الإدارة الوسطى او الإدارة الدنـيا .

طبعا تكريس ومأسسـة التفويض الفعال الناجح وتحديداً في الإدارة العليا للمؤسسـة يساهم اكثر في الإتجاه المذكور، لذلك وتبعاً لعنوان المقال سنركزعلى أزمـة التـفـويـض في الإدارة العليا ، اي على ثغرات وإشكاليات التفويضات التي تصدر من المدير الأعلى الأخير في المؤسسة الكبيرة الأم الى معاونيه ومساعديه ومدرائه. وهذا لا يعني ان التفويض لا تعتصره التحديات والأفات والتناقضات في كل من الإدارة الوسطى اوالإدارة الدنـيا بل العكس هو الصحيح إضافة الى العزوف غالبا عن تفويض السلطة والمهام في كل من الإدارة الوسطى والإدارة الدنـيا الى المتأخرين عنهم رتبة في التسلسلل الإداري . ويعود جزء كبيرمن ذلك العزوف المدمر للمؤسسة الى امور منها :

- غياب ثقافة التفويض الفعال الناجح في إدارة الأمور والمؤسسات .

- عدم إتقان عملية التفويض من ناحية النظرية اوالممارسة اومن الناحيتين معا .

- الوقوع فريسة المركزية الإدارية المطلقة اوالفردية اوالإستبداد .

- القلق على الإسـتـقرار الوظيفي .

- الإشكاليات التي تكتنف عملية التـفـويـض في الإدارة العـليـا والتي تؤدي عادة الى فشل المفوض اليه في أداء مهمته بشكل اوبأخر او بنسبة او بأخرى حسب نوع المهمة ودقتها وتعقيداتها وشخصية وقدرات ومهارات وتجربيات المفوض اليه المماثلة و .... الـخ

سنتطرق الى الأسباب المتقدمة وما يرتبط بها لكن وللسبب المتقدم المذكور سوف نبدأ ونفصل في السبب الأخير أي الإشكاليات التي تكتنف عملية التـفـويـض في الإدارة العـليـا :

من اكبر الإشكاليات التي تكتنف عمليات التـفـويـض التي يقوم بها  المدير الأعلى الأخير في المؤسسة تتمثل على سبيل المثال في :

1-   1- التـفـويـض المطلق المتوازي :

فحين يقوم المشرف اوالمدير الأعلى اوالمرجع الإداري الأخير تماشيا مع التعددية اوتعزيزا لها او تكريسا للمنافسة اوإستقطابا لوفرة الكوادرالكفوءة الطامحة او ... الخ بتفـويض جزء معين ومحدد من سلطته لأكثر من فرد  واحد اولجنة واحدة في مكان واحد او دولة واحدة مثلا وفي موضوع واحد سيقع التعارض ويضطرب التنسيق ويتفشى التداخل وربما الصراع فنزيف الطاقات والإمكانات وبذلك لا تُـنجز المهام عن طريق التفويض كما يجب اوتبقى المهام على الأرض ولا تتحقق النتائج عن طريق تفويض الصلاحيات والسلطات للآخرين ويكون المدير الأعلى قد أوجد تعارضا جوهريا بين الهدف والوسيلة في عملية التفويض أي بين التفويض واهداف التفويض لأن التفويض وسيلة فاعلة للوصول الى الأهداف التالية :

الهدف الأول : خفض أعمال ومهام المديرالأعلى لتخفيف العبء عليه ومساعدتة في التفرغ  للانشغال بالأعمال المحورية الأهم مثل التخطيط والتطوير والقيادة الفكرية والثقافية للمؤسسة . لكن عندما يتم اللجوء الى التـفـويـض المطلق المتوازي بالمعنى المتقدم يختل الأداء للأسباب المذكورة سالفا ويقع التداخل والتعارض واحيانا الصراع بين هذا المفوض له وذاك الأخر والنتيجة أن الأعمال لا تنجز اويتأخر إنجازها فيتوقف إنجازها على المدير نفسه مرة أخرى وبذلك نكون قد فشلنا في تقليص أعمال ومهام المديرالأعلى لتخفيف العبء عليه وتراجعنا في مساعدتة في التفرغ  للانشغال بالأعمال المحورية الأهم مثل التخطيط والتطوير والقيادة الفكرية والثقافية للمؤسسة وأخطار ذلك واضحة الخطورة على المؤسسة وتكريس المأسسة ، وليس هذا فحسب بل عملية التفويض الفاشلة تنتج بإستمرار أعمال ومهام جديدة إستنزافية مرهقة وغير متوقعة للمديرالأعلى مثل معالجة أثار ونتائج وتداعيات التفويض الفاشل وسوء التفاهمات والصراعات وربما الإنشقاقات المؤلمة التي يمكن أن تترتب على التفويض المطلق المتوازي ، فلا بد من تحاشي التفويض المطلق المتوازي مهما كانت الضغوط والمبررات والمسوغات والعمل على وضع النقاط على الحروف في التفويض لتوقي ما يمكن من كلّ ماتقدم من سلبيات وتراجعات .

والحل يكمن في الإلتزام الدائم بتجنب وحدة موضوع التفويض ، وتحديد موضوع التفويض بوصفه وصفاً كاملا من ناحية الكم والكيف والإمكانات والصلاحيات وبشكل قابل للمراجعة والقياس والتقييم والفرز عند بروز اي تداخل بين هذا المفوض له وذاك المفوض له الأخر وكل ذلك الى جانب تقسيم الأدوار من ناحية المجال او الجغرافيا فليكن هذا المفوض له وكيلا او نائبا في المجال الثقافي في دولة ما بينما يكون الثاني وكيلا في نفس تلك الدولة لكن وفقط في المجال المالي وهكذا ... الـخ اويكون هذا المفوض له وكيلا في هذه المدينة اوالمحافظة  في دولة ما بينما يكون الثاني وكيلا في نفس تلك الدولة لكن وفقط في مدينة اخرى من مدن ومحافظات نفس الدولة ، وذلك من شأنه التمهيد أيضا لنوع ودرجة من التخصص يمكن تطويرها وتعزيزها لاحقا .

الهدف الثاني : من التفويض يتمثل في خلق المجال العملي لتدريب وتطور وتطوير وتقدم الموظفين او العاملين لإعداد الصف الثاني من المديرين . لكن بالتفويض المتوازي المطلق وسلبياته وتداعياته المذكورة وأثارها الفكرية والسلوكية لانقترب من هذا الهدف بل نبتعد عنه أكثر من الكثير لأن المفوض له سيفشل في أداء مهمته غالبا فيُسقِط الفشل ولا سيما إذا تكرر ذلك على أصل التفويض كوسيلة فيزهد في التفويض وحتى لو عرف ان سبب الفشل لا يعود الى التفويض بل الى التفويض المتوازي المطلق لم يتمكن من التصحيح الى حد مؤثر يحقق الهدف الثاني المذكور ؟

لـمـاذا ؟

لأن المشكلة في القمة وليست في القاع وماقبله ، وهزاتها تنتشر وتؤثر في كل مكان وعلى مختلف المستويات.

وبذلك تفشل المؤسسة في خلق وتربية جيل جديد من المدراء الأكفاء بواسطة التفويض الذي يوفر حقا دورات عملية داخلية لصناعة وإنتاج صف ثان من المدراء غير البعيدين عن أجواء العمل وظروفه وملابساته بل تبقى خسارة أمثال هؤلاء الموظفين او العاملين واردة وذلك بالتحول الى مناهضين للتفويض والمأسسة والعمل الجمعي والإنتقال الى العمل في الهامش او الإنسحاب او الإنشقاق أحيانا .

ومن المؤسف والخطير أن بعض المدراء يستدل بما اشرنا اليه من تداعيات وسلبيات للتفويض المطلق المتوازي فيما يخص تفويض السلطة اوالمهام للأفراد اواللجان لإثبات ما يدعيه في عقم العمل الجمعي من جهة والمأسسة من جهة أخرى ، وهذا الإستدلال خاطئ بشكل واضح لما تقدم .

الهدف الثالث : من التفويض يتمثل في جلب رضى الموظفين اوالعاملين وتحقيق ديمومة نمو تفاعلهم ودوافعهم وحوافزهم الإيجابية. لكن ذلك يتوقف على نجاح هذا وذاك المفوض اليه في ممارسة السلطة وأداء المهمات الموكلة اليه بنجاح دون تداخل وتصارع وتكرار وهدم ،فعندما يلجأ المدير الأعلى الى التفويض المطلق المتوازي مع غيره من تفويض مطلق يبتعد الأداء عن النجاح والتقدم وتتوالى الإنتكاسات وتنزل اللعنات على التفويض برمته ويترتب على ذلك العزوف عن التفويض في المستويات التالية فيحرم العاملون من التدريب الميداني المباشر المرتبط المنتج المستمر وبالتالي من مزاياه المادية والمعنوية والترقية والترفيع فلا تفشل المؤسسة في جلب رضى الموظفين اوالعاملين عبر تلبية طموحاتهم في إسناد الأدوار والرقي وإستلام المواقع الأرفع فلا تلبى حاجاتهم المعنوية والمادية بل ربما تجني المؤسسة جام غضبهم وإنسحابهم علاوة على الإبتعاد  بصورة قفزية عن المأسسة والتي تعني فيما تعني إنتظارالمؤسسة للعجز فالموت والإندثار من ناحية التأثير .

الهدف الرابع : من التفويض يتجسد في إختصار وتسهيل الإجراءات وتخفيض الوقت اللازم لاتخاذ القرار في المؤسسة . لكن التـفـويـضات المطلقـة المتوازيـة وكما هو واضح مما تقدم لا تخدم ذلك الهدف بل تعمل في الإتجاه المعاكس حيث وجود أكثر من مفوض له وفي مجال واحد اوموضوع واحد اومكان واحد يتسبب في تعقيد الاجراءات وإطالة أمدها حيث لا بد من مراجعة هذا المفوض له وذاك الأخر وأن تأخذ جميع الإحتياطات لعدم الإنجرار في تعارض الإرادات والتوجهات والصراعات التي يضخمها ويؤججها الوصوليون والمنتفعون من أمثال هذه الإختلافات الطبيعية في ظل التفويضات المطلقة المتوازية .

ونكتفي بهذا القدر من مناقشة الإشكال الأول الذي غالبا ما يكتنف التفويض الذي يقوم به المدير الأعلى اوالمرجع الإداري الأخير في للمؤسسة لننتقل الى إشكال اخر وفي نفس المجال الا وهو :

2-   2- التـفـويـض المطلق :

هذا النوع من التـفـويـض أقل إرباكاً من التـفـويـض المطلق المتوازي في بعض الحالات لكنه خطير أيضا ويبعد المدير الأعلى عن الأهداف الأساسية الأصلية المذكورة للتفويض ويساهم غالبا في فشل المفوض له على طريق إنجاز أهداف المهمة التي تسند اليه فيتأخر إنجاز المهمة ويتعثر فتتراجع المؤسسة وينصدم المفوض له فيبدء بنسج صورة سلبية عن أصل التفويض وربما تتدهور علاقته بمديره الذي فوض اليه المهمه وبزملائه وبمرؤوسيه ايضاً .

لـمـاذا ؟

لأن التفويض كان مطلقا مفتوحا دون قيود وحدود ومعالم وتوجيهات عريضة موجزة واضحة مفهومة مرنة كأن يسند  المدير وعلى عجل الى أحد كبار معاونيه مهمة عقد تحالف مع جهة معينة اوشخصية محددة في الإنتخابات البرلمانية مثلا دون تحديد لمعالم التحالف المطلوب وأساسياته !!

 التفويض عملية هامة وحساسة من العمليات المحورية في الإدارة فلابد من إتقان وتحسين عملية تفويض المهام والاختصاصات فلا يجوز للمدير في كل المستويات الإدارية أن يلجأ الى التفويض من باب إخلاء المسئولية او التهرب من المسؤولية او التخلص من المهام الصعبة اوغيرالمستساغة لأن المدير في النهاية هو المسئول عن نتائج إدارته وقيادته ، هذا إضافة الى انه يجب على المدير أن يفوض المهمة وطريقة إنجاز تلك المهمة ولا يفوض المسؤولية لأن السلطة تفوض اما المسئولية النهائية فلا تفوض ، وهناك مواقف لا تتحمل الأخطاء او المغامرات غير المحسوبة.

 لذلك نؤكد بأن التفويض الفعال لا يتوقف على إصدار المدير للأوامر فقط بل على المدير أن يعمل على تفهيم وتحديد وتقييد وتوضيح وتفسيرالمطلوب من المفوض له كما وكيفا وتوقيتا اضافة الى توضيح هدف المدير من المهمة وكل ذلك في اطار يتيح المجال للمفوض له للإبداع عبراستخدام وسائل وطرق جديدة مبتكرة خارج الإطارات الروتينية الكلاسكسية التقليدية لمساعدته بالرجوع الى ما يسمى بالتفكير خارج الصندوق . كما ان المدير يجب أن يشعر المفوض له بأنه متابع ومراقب ومرشد وميسرجيد لمسيرة إنجازه للمهمة التي اسندت اليه دون تدخل مباشر وانه مسئول أمام المدير عن مستوى أداء أو إنجاز العمل الذي حدده له .

نعم التفويض يجب ان لا يكون مطلقا بل محددا من حيث مدى السلطة ومجالات استخدامها فليس التفويض تصريحا مفتوحا للمرؤوس باستخدام الصلاحية المفوضة بلا قيود أو حدود بل هو محدد بالمجالات والقواعد العرفية الى جانب الحدود التي ينص عليها قرار التفويض . و لابد للتفويض من ان يرتبط بخطة واضحة للمدير لتنمية وتدريب المساعدين اوالعاملين وتقسيم الادوار وانجاز الاعمال وإعدادهم للوظائف والمسئوليات الأكبر وان لا يكون التفويض انفعاليا او ارتجاليا اومن باب الانسداد بعيدا عن التقييم الموضوعي لقدرات المفوض له وإمكاناته ومع أخذ تطوره ونموه وسوابقه بنظر الاعتبار .

 إذن :

- التفويض الفعال الناجح هو الذي يُِـديـرُ المـديـرَ ويقوده نحو النجاح المتواصل والتقدم المستدام عمودياً وأفقياً سواء أكان المدير مديراً في الإدارة العليا او الإدارة الوسطى او الإدارة الدنـيا ، فلابد من تظافر جهود المدير الأعلى ومعاونيه والمدراء في مختلف المستويات الإدارية لجعل التفويض من النوع الفعال الناجح لتمكين المدير فالمؤسسة من حصد فوائد ومزايا التفويض التي أشرنا الى بعضها في السطور المتقدمة .

- التفويض إذا لم يكن من النوع الفعال الناجح سيتحول من عامل بناء وتدريب وتنمية ميدانية وترقية للعاملين الى عامل هدم وتراجع في الشخصية الإدارية والقيادية للعاملين ونزيف للموارد والطاقات البشرية وتخريب في العلاقات بينهم مما يخلق وظائف واعمال إضافية جديدة للمدير الأعلى ويربك الأداء ويؤخر إنجاز المهام ، وهذا يعني زيادة مستمرة في عدد الوظائف والأعمال يقابلها إنخفاض متواصل في عدد العاملين ليجرالمدير الأعلى الى المزيد من التفويضات السريعة اوالإرتجالية اوالإنفعالية اوالمفروضة لسد الشواغر ومن باب الإنسداد اوكما يقال من باب قـحـط الرجال . وهذا يزيد الطين بلة ويحطم ثقة العاملين والرأي العام بالمؤسسة ويثبط عزيمة منْ يفكر في الإنتساب الى المؤسسة اوالإستمراربالعمل في المؤسسة اوالتعاون معها من المؤسسات المماثلة اوالمنافسة الأخرى.

- التفويض عملية دقيقة وحساسة وهامة وضرورية تتصدر العمليات الادارية الاخرى في الأهمية لأن التفويض العام في كل مؤسسة لا بد وان يتضمن جميع العناصر الستة للإدارة أي :

 التخطيط   الإنتخاب  التوجية   التنسيق   الرقابة   التنمية والتطوير ، هكذا الحال فيما يرتبط بالتفويض المصداقي الخاص بإسناد هذا العمل او تلك المهمة او ذاك الموقع الوظيفي لمرؤوس من المرؤوسين ، والوجه في المجالين واضح لما تقدم عن التفويضات المطلقة اوالمطلقة المتوازية .

- التفويضات المطلقة اوالفضفاضة اوالمطلقة المتوازية أبعد ما تكون من التفويض الفعال الناجح وهي منبع للنزاعات والخلافات والصراعات والأزمات واحيانا الإنشقاقات فعلى المدراء ولا سيما المدير الأعلى تحاشي ذلك مهما كانت الظروف والضغوط والتعقيدات والحلول بسيطة ومتاحة تمت الإشارة اليها كما على المدير :

1- أن لا يتجاهل مثل هذه النزاعات والخلافات بين العاملين بخصوص المهام والاختصاصات والسلطات وعليه أن يتدخل في الأيام الأولى لحلها عبر تحديد العلاقات التنظيمية وبكل وضوح وبما لا يقبل التأويل والتفسير والتمدد والإنسحاب المتقابل ( التهميش الذاتي ) والأهم من ذلك أن يمأسس المدير الأعلى ألية مقبولة عند اصحاب النفوذ وأهل الحل والعقد لفك مثل تلك الأشتباكات والنزاعات والتداخلات إنْ وجدت بالرغم من الإبتعاد التدريجي المرحلي من التفويضات المطلقة اوالفضفاضة اوالمطلقة المتوازية .

2- أن لا يهمل جمع المعلومات الضرورية اللازمة ومن قنوات أمينة نزيهة حيادية متنافسة متعددة مختلفة وذلك لمراجعة وتقييم أعمال المرؤوسين بإستمرار لإتخاذ الإجراءات التصحيحية و حل اوحلحلة المشاكل التي تظهر بالمراجعة والتقييم .

أن لا يلجأ الى تفويض السلطة بشكل فردي في المواقع الحساسة الهامة الخطيرة وهكذا فيما يخص تفويض المهام المصيرية التي لا تتحمل الأخطاء وذلك بتفويض الأمر الى جماعة اولجنة متجانسة نسبيا على ان تكون أليات إتخاذ القرار وحسم إختلافات وجهات النظر واضحا ومرسوما وملزما . طبعا هذا لا ينفي ضرورة التحاشي المطلق للتفويضات المطلقة اوالفضفاضة اوالمطلقة المتوازية وفي كل الأحوال لا بد من صياغة قرارالتفويض بعد الدراسة والإستشارة في اطار محدد ويجب أن تكون أهداف وتوقعات المدير الأعلى اوالقائد واضحة لأن عدم الوضوح يدمرالثقة مع المرؤوسين، كما يدمرها بين المرؤوسين حيث سوف يكون جهدهم واجتهادهم او جهد كل منهم واجتهاد كل منهم في واد والقائد في واد آخر !!.

الـى فـقـه التـفـويض

وختاماً ولفتح افاق على طريق تنقيح الموضوع فيما يخص حكم التفويض ولا سيما المطلق منه اوالفضفاض اوالتفويضات المطلقة المتوازية وعطفا على كل ماتقدم من إيجابيات ومصالح وضرورات للتفويض الفعال الناجح من جهة وسلبيات ومفاسد للتفويض الناقص اوالمطلق اوالفضفاض اوالتفويضات المطلقة المتوازية من جهة ثانية نضيف بإختصار ما هو آت :

هل يجوز العـزوف عن التفويض السليم إدارياً كما هو الحال غالبا في الإدارة الوسطى والدنيا ؟

على الرغم من ترتب مفاسد عديدة على ذلك مثل :

المركزية بما يلزمها من عسر وحرج وضرر وإضرار غالبا ويتبعها من الفردية والإستبداد وإنعدام الشفافية وشيوع الفساد المالي والإداري وإرتفاع التكاليف وهبوط درجة إستثمار العاملين والإمكانات وإنشغال الإدارة بالمهم والصغائر وعلى حساب الأهم والأمور الستراتيجية المصيرية والأولويات للإدارة ( وفي ذلك مخالفة لقاعدة تقديم الأهم على المهم ) بل وتضييع الكثير من الوظائف والمهام لشحة الوقت اوالكادر !علاوة على ما في عدم التفويض من تكبر وغرور وإستهانة بإمكانات وقدرات العاملين وإهمال لتطويرهم وتدريبهم بهدف ترقيتهم وترفيعهم لتدعيم الكفاف والعفاف لديهم والحيلولة دون إنحرافهم وفسادهم وإفسادهم لزملائهم لأن الماء الراكد يفسد ويُفسِد محيطه علما ان ذلك الإهمال ربما يخالف قوله تعالى :

ولا تبخسوا الناس أشياءهـم

هل يجوز الركون الى التفويضات المطلقة المتوازية  ؟

على الرغم من ترتب مفاسد عديدة على ذلك وإضافة الى بعض ماتقدم في التعقيب على السؤال السابق مثل :

تكرار بعض الإجراءات ، نقض بعض جهود هذا المفوض له لبعض جهود المفوض له الأخر قصورا اوتقصيرا ، العسر والحرج وتعقد الإجراءات الإدارية وإستغراقها لمدة زمنية أطول ، ضياع وحيرة العاملين بين هذا وذاك وإستغلال بعضهم للخلافات ، أنتشار الفوضى الإدارية وإختلال النظام في الحالات المزمنة الحادة ، ارتفاع النفقات ، ضعف ضبط  العاملين وعدم التمكن من قياس أداء هم وإنتاجيتهم  ،توقف او تراجع نموهم وتطورهم وبالتالي عدم التمكن من استغلال الموارد البشرية إلى الحد الممكن المقبول ، ضياع المسئولية بين هذا المفوض له وذاك الأخر ، خلق سوء تفاهمات وصراعات ومخاصمات ومشاكل بين هذا المفوض له وذاك الأخر وبين قاعدة كل منهما ، وهذا يعني تأخر إنجاز المهام وعدم إنجاز البعض الأخر وإنتاج أعمال ومهام جديدة وكثيرة ومعقدة أخرى على المدير الأعلى التصدي لها والتورط بها إضافة الى إنقياد بعض العاملين الى بعض المحرمات كالنميمة والتهمة والبهتان والوشاية القيل والقال وكثرة السؤال وما الى ذلك من خطوط حمراء تنسف الإلتزام والقيم والأخلاق ، وذلك يعني ان المدير الأعلى لم يوفير لنفسه المزيد من الوقت عبر التفويض لإنجاز المزيد من الأعمال والتفرغ للأهم وللأعمال التي لا يستطيع تفويضها ، وفيما تقدم إسراف وتبذير ، ومقدمة لإنزلاق البعض في ملازمات الخصام والنزاع وعسر وحرج للطرفين وقواعدهما ولعامة العاملين والمراجعين ، ومخالفة لقاعدة النظم ومقدمة لعدم التمكن من رعاية ضرورة تقديم الأهم على المهم فتذهب الأولويات أدراج الرياح وتسنفذ طاقات هذا المفوض له وذاك ويستمرنزيف الطاقات والخبرات وتضعف المؤسسة وتنكمش وينتعش سوق الوصولويين والنفعيين والمصلحيين والعبثيين والمتربصين الذين يصبون الزيت على النار وينفخون فيها ليل نهار ليصنعوا من الحبة قبة .

هذا وان النظر والتدقيق في وصية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام المفصلة لمالك الأشتر رحمة الله عليه حين ولاه مصرا يثبت ضرورة التفويض غير المطلق المرن ويؤكد درجة كبيرة من اللامركزية الإدارية وليس هناك منْ يدعي من المؤرخين بأنه عليه السلام عيّن واليا اخرا موازيا لمالك حينئذ .

فـحـذار التـفـويـضات المطلقـة المتوازيـة .